الأرشيفوقفة عز

الشهيد القائد جهاد حمّو – جهاد كارلو – 17-3-1978 – نضال حمد

جهاد حمّو – جهاد كارلو

الشهيد الرفيق جهاد محمد حمّو – كارلو-  (1949م-1978م) استشهد ليلة السابع عشر من آذار – مارس 1978 في عملية نفذها كوماندوس صهيوني في منطقة عدلون استهدفته هو ورفاقه ..

الشهيد القائد جهاد حمّو والذي كان رفاقه في “ج.ت.ف” في لبنان يعرفونه بإسمه الحركيّ جهاد كارلو. كان عضواً في المجلس المركزي للجبهة  وعضوا في اللجة المركزية التنظيمية المنتخبة في المؤتمر الخامس للجبهة. الرفيق الهادئ جهاد كارلو عمل في لجنة شؤون الأردن ثم فيما بعد فرز للعمل في إقليم لبنان في منطقة صور. عرفه رفاقه عن قرب حيث كان يناضل بجدية وصمت ويتمتع بأخلاقٍ عاليةٍ وثقافة قومية وتقدمية عالمية. كان دمثاً، يحب المزاح والنكتة. استشهد رفيقنا القائد بكمين صهيوني لقوة بحرية في منطقة عدلون أثناء عودته من صور باتجاه مدينة صيدا فبيروت. في تلك الليلة كان عائداً هو والرفيق القائد علي عزيز – أبو باسل. فيما كان يقود السيارة الرفيق أبو زهير الكردي وكان معهم الرفيق أبو سهلية العراقي. أطلق الكمين الصهيوني الرصاص على السيارة فأصيب جهاد بطلقة قاتلة في القلب. كما أصيب السائق ابو زهير بفخذه واصيب ابو سهيلة ولم يصب الرفيق أبو باسل –علي عزيز بأي اذى. استطاع الرفاق أبو باسل وأبو زهير الكردي وابو سهيلة مواصلة السير الى مستشفى غسان حمود في صيدا ولكن الرفيق جهاد للأسف الشديد كان قد فارق الحياة.

سألت الروائي والأديب الفلسطيني الكبير رشاد أبوشاور الذي كان رفيقاً لجهاد في جبهة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت من الزمن الفلسطيني، كما كان يعرفه من عمان وزمن مخيم الوحدات في عزه الثوري الفلسطيني. سألته عن الشهيد جهاد حمّو وما يتذكره من مناقبه وسيرته فقال لي: “منذ عرفته في عمان ترك لدي الانطباعات التالية: هادئ، دمث، مهذب، يؤدي عمله ويقوم بواجباته بانضباط وقناعة وأيضا بهدوء. كان مرحا ومزّيحا بتهذيب. هكذا هو منذ عرفته. استشهد وهو عائد في سيارته من صور الى صيدا. من البحر خرجت دورية كوماندوس لجيش العدو، أطلقت عليه النار هو ورفاقه عندما لم يتوقفوا وطبعا كانت حركة السير في تلك المنطقة تتوقف ليلاً.  لكنهم غامروا وعادوا إلى صيدا في الطريق الى بيروت..رحمه الله. حزنت عليه وبكيت ألماً وقهراً”.

الشهيد القائد جهاد حمّو

القائد الشهيد جهاد حمّو المعروف بين رفاقه في حبهة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية بجهاد كارلو كان من سكان مخيم الوحدات في عمان، هناك عاش وترعرع بالمخيم الفلسطيني الأكبر في الشتات الفلسطيني. ولد رفيقنا جهاد سنة 1949 أي بعد النكبة بقليل وعائلته تعود أصولها الفلسطينية الى بلدة كفر عانا قضاء يافا في فلسطين المحتلة.

في مدارس مخيم الوحدات التابعة لوكالة الغوث، أنهى شهيدنا المدرستين الابتدائية والمتوسطة بنجاح ثم تنكن من الحصول على الثانوية العامة، ليلتحق بعدها بمعهد المعلمين، حيث حصل على دبلوم في الرياضيات. وبعد ذلك بقي في المخيم حيث عمل استاذا في مدارسه.

سألت أحد الرفاق وهو من أقرب المقربين لجهاد حمّو – كارلو- عن شهيدنا القائد: فأجابني: ” أعرف أنه غادر الأردن بعدما جاءت المخابرات لإعتقاله في المدرسة التي كان يدرس بها من مدارس الانروا في العام ١٩٧٥. غادر المدرسة وهم (المخابرات) في طريقهم الى إدارة المدرسه لاستدعائه. كانوا قد اعتقلوا احد الرفاق وهو في طريقه الى دمشق أو بيروت. وكان بحوزته شهادات الثانويه العامه الخاصة برفيق آخر.

كل الرفاق الذين سألتهم عن الرفيق جهاد محمد حمّو أجمعوا على أنه كان حيوياً، ناشطاً، مثقفاً، مسيساً، متعلماً، معلماً، مناضلاً رفيعاً، محباً للناس، فدائياً مقداماً، قائداً مثالاً، صاحب سمعة طيبة وسيرة عطرة وذا أخلاق رفيعة. شهيد كان أقرب الكمال وخير مثال على كيفية أ، يكون القائد قدوة في النضال.

بقي الرفيق جهاد حتى مغادرته الأردن سنة 1975 عضواً في اللجنة الثقافية لنادي الوحدات الرياضي. وكان رئيسها لفترة من الزمن في بداية سنوات السبعينيات.

ملصق الشهيد جهاد حمو تصميم الرفيق خالد عيسى

بعد سقوطه شهيدا على أرض الجنوب اللبناني برصاص الكوموندوس الصهيوني ليل 17-3-    1978 تم نقل جثمانه الى الأردن. حيث تم تشييعه من قبل أبناء الشعب الفلسطيني الى مثواه الأخير في مقبرة سحاب قرب العاصمة عمان. في تلك المقبرة يوجد ضريح الشهيد الكادر الجبهاوي من أصل ايرلندي أبو الفداء “فارس كلوب”، وهو ابن الجنرال كلوب باشا. وهو أيضاً رفيق الشهيد جهاد حمّو في الجبهة. كما فيها قبر الزعيم الحكيم جورج حبش، الذي زرته قبل ست سنوات. وقبر الرفيق علي اسحق الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وقبور شهداء آخرين.

خلال بحثي عن سيرة الشهيد جهاد كارلو وجدت قليل من الكتابات عنه وفيها خطأ عن طريقة استشهاده. الخبر يقول انه استشهد اثناء قيامه بواجبه الوطني في الجنوب اللبناني. هذا غير دقيق لأن هذه العبارة جرت العادة ان تستخدم كيفما اتفق وتوضع مع أي شخص تنعاه الفصائل الفلسطينية سواء سقط شهيدا أو مات لسبب أو آخر. الشهيد جهاد استشهد برصاص وحدة خاصة من الكوماندوس الصهيوني استهدفت سيارته هو ورفاقه… ومنهم القائد الجبهاوي الرفيق علي عزيز – أبو باسل. جاء ذلك الاستهداف بعد مرور 5 أيام فقط على عملية كمال عدوان، التي نفذتها حركة فتح وكانت قائدتها الشهيدة دلال المغربي.

في موقع بلدته كفر عانا قرأت التالي: ” كان حلمه الفلسطيني الأكبر في تحقيق الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها قدس الأقداس، وكان مثال الرجل المعطاء فلم يتوانى لحظة في أن يكون دائما في مقدمة الصفوف، وفياً لجبهته ورفاقه، وكانت كلماته الدائمة أن الأوان لننطلق الى الأمام، نستمد من الماضي الإرادة والتصميم ومن الحاضر القوة والصلابة، نشق طريقنا الى المستقبل بالعمل، حيث اقترن إسمه بالثبات على مبادئه الوطنية والقومية والثبات حتى التحرير والنصر” .

استشهاد الرفيق جهاد حمّو ترك أثرا واضحاً في أنفس رفاقه، وبالذات لدي الرفيق الأمين العام للجبهة طلعت يعقوب الذي حزن وتألم كثيراً على استشهاد رفيقه جهاد كارلو. ومنذ ذلك الوقت ازداد التصميم لدى قيادة الجبهة ورفاق الشهيد على محاسبة ومعاقبة العدو على جريمته وذلك من خلال تصعيد العمليات الفدائية ضده. فجاء الرد الأعنف بعد سنة ونيف من عملية الاغتيال الجبانة، حين قاد الفدائي العربي اللبناني سمير القنطار عملية نهاريا البطولية يوم 22-4-1979 موجهاً مع رفاقه ضربة قاسية ومؤلمة للصهاينة. اعتبرت العملية في ذلك الوقت رداً قوياً على جريمة استهداف الشهيد جهاد كارلو. ثم بعد نهاريا استمرت ولم تتوقف الجبهة وعملياتها بل تضاعفت وتزايدت واشتدت وتنوعت وتميزت، من خلال العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية براً وبحراً وجواً.

المناضل الدكتور عارف حمّو – أبو جهاد- كتب في فيسبوك قبل سنوات في ذكرى استشهاد شقيقه جهاد:

“أربعون عاما وذكراك خالدة والمبادئ التي ضحيت من أجلها ما زالت في قبضات المقاومين الممسكين بالجمر. أخي أيها الشهيد، دمك الذي روى أرض الجنوب اللبناني لم تشربه الأرض وبوصلته الحمراء تشير إلى فلسطين. واحد وأربعون عاما مضت ومازال جرح فلسطينك ينزف، فاض نهر الدم وأستوطن الدمار في وحدة الأمة. لترقد بسكينة وسلام، أخي ورفيقي الشهيد جهاد حمّو…”.

كما لفتت انتباهي هذه الكلمات الرائعة لياسر حمو أحد أقرباء الشهيد جهاد حمّو، التي نشرها في فيسبوك أيضا يوم 15-3-2018 :

” في ذكرى استشهادك يا بطل (جهاد حمّو) .. تمر ذكرى الشهادة، وكل سنة أنذر في مثل هذا اليوم، أن أحيي الذكرى، أدعو فيها أطفالي لجلسة عائلية استثنائية وعاجلة، أختطف من بين أيديهم كتبهم الصفراء التي خلت صفحاتها من إسمه، مثلما خلت من رسمه، وأطفئ التلفاز الذي لم يروِ لهم عن الفارس المغوار، الذي سالت قطرات دمه هناك … على أرض العروبة. أجمع أبنائي كل سنة، أخبرهم أن جهاد أحبهم، أعلمهم أن يحفظوا إسمه ويحفظوا رسمه. لنحلم جميعا بذاك اليوم، الذي سيصبح به جهاد نهجاً وفكراً. طوبى لك يا جهاد، ولتنزل عليك الرحمة، ولتهنأ في جنة الخلد مع الشهداء والصديقين”.

رواية الرفيق القائد المناضل على عزيز حول استشهاد الرفيق جهاد كارلو واصابة رفيقين آخرين ونجاته هو من الكمين الصهيوني في منطقة عدلون يوم 17-3-1978:

يقول الرفيق علي عزيز – أبو باسل – بعد العشاء انتقلنا من صور إلى صيدا وبإصرار من قبل الشهيد جهاد كارلو، الإسم الحركي لجهاد حمّو. كنت متعباً جداً ولم أذق النوم على مدار 48 ساعة. ( في ذلك التاريخ كانت بداية الاجتياح الصهيوني للجنوب اللبناني بعد عملية الساحل للشهيدة دلال المغربي ورفاقها). يقول الرفيق أبو باسل: كان جهاد جاءني إلى صور برفقة عبد الهادي النشاش، الذي بدوره اقترح أن يبقى مناوباً في مركز العمليات بصور وضرورة ذهابي لاستحضار إمدادات أهمها الامدادات التسليحية والتذخيرية.

بعد العشا مباشرة انطلقنا بسيارة مرسيديس أنا وجهاد ورفيقين آخرين. جلست أنا في المقعد الأمامي الى جانب الرفيق السائق أبو زهير الكردي وجلس الرفيق جهاد في المقعد الخلفي خلف السائق قبالة البحر.على يمنيه جلس الرفيق أبو سهيلة العراقي. وصلنا الى جسر القاسمية حيث مصب نهر الليطاني وتجاوزنا سيارة مرسيديس 180 كانت تقل عائلة مهجرة. كانت السيارة مليئة بالأطفال والنساء وبعض الأدوات المنزلية التي تمكنت هذه العائلة من نقلها.

بعد أن تجاوزنا تلك السيارة انطلقنا بسرعة نحو مدينة صيدا على الطريق الساحلي القديم. كانت قنابل الاضاءة والانارة من طيران وبحرية العدو تضيء وتنير كل البساتين من القاسمية شمال صور حتى عدلون… ومن البحر حتى المرتفعات الشرقية. بدت وكأن الدنيا نهاراً الى أن وصلنا الى صوب عدلون وحتماً على المنحنى سوف نخفف السرعة. وإذ بنا نقع في حقل نيران من إتجاه البحر، فتعرضنا لإطلاق نار كثيف جداً .. ومن رأى السيارة والرصاص الذي اخترقها من الأمام وعلى الجانب الأيسر اعتقد انه من المستحيل أن يكون أحد من الأفراد الذين كانت تقلهم قد خرج حياً.

يضيف الرفيق أبو باسل في تلك اللحظانت المصيرية والحاسمة طالبت الرفيق السائق أبو زهير بالإستمرار وزيادة السرعة. فيما سمعت الرفيق جهاد يقول كلمة واحدة فقط “أخ”… بعد حوالي 2 كلم وقفنا جانبا نتفقد حالنا، أستشهد الرفيق جهاد حمو والمفارقة أن طلقة واحدة فقط أصابت قلبه. أما السائق أبو زهير أصيب بطلقين في رجله وكذلك أصيب الرفيق أبو سهيلة، فيما لم أصب أنا بأي طلقة.

في تلك اللحظات وفيما نحن أكملنا التفقد يبدو أن السيارة المارسيدس 180 التي تقل العائلة المهجرة قد وصلت الى صوب عدلون، فسمعنا وابلاً من الرصاص ينهمر وقذائف فسفورية حارقة أتت على السيارة المدنية ومن فيها حتى تفحمت. هكذا رأيناها في اليوم التالي عند عودتنا من صيدا الى صور. أكملنا طريقنا الى مستشفى غسان حمود في صيدا وضمدنا جراح الرفيقين وتيقنا أن الرفيق جهاد قد أسلمت روحه بطلقة واحدة، طلقة واحدة حطت في قلبه الطيب الوديع. يقول الرفيق أبو باسل بحزن وألم: كانت لحظات الوداع قاسية فأعتصرنا الألم والأسى على فراق ووداع الرفيق جهاد.

نضال حمد

17-3-2021