عربي وعالمي

ليبرمان ونظرية “الحسم”…ونتنياهو و”تغليف الغابة”!

 عبداللطيف مهنا :

في أول حضور له كوزير حرب في حكومة الكيان الصهيوني أمام لجنة الخارجية والأمن في الكينيست، حمل افيغدور ليبرمان معه نظريته المعروفة والتي لطالما نادى بها وقدَّم لها قائلاً: إنها “المرة الأولى التي اتواجد فيها هنا كوزير للدفاع. وانوي الحضور هنا كوزير للدفاع لسنوات قادمة، وآمل أن يكون ذلك لسنوات كثيرة”، وبما أنه، وانسجاماً مع رؤيته المعروفة للصراع، وبالتالي، ما سوف يطبِّقه في سياق مسؤوليته الجديدة، “ليست هناك سياسة رد، بل سياسة هجوم ومبادرة”، فإن “أي مواجهة ينبغي أن تنتهي بالحسم”. وضرب مثلاً: إن “المواجهة مع غزة حتمية ويجب أن تكون الأخيرة”.

بعيداً عن كل ما تحفل به ساحة المزايدات والمناكفات في المستوى السياسي الصهيوني ذي الغلبة المغالية، والتي ازدادت وستزداد غلواً وعدوانية بالتوازي مع تفاقم حالة الانحدار العربية، والتي ليس ليبرمان إلا مجرَّد فارس من فوارسها وواحد من بين كثرة ممن هم يبزونه غلواً فيها، بل ولعله يبدو احياناً حملاً وديعاً بينهم، فإنه هنا لم يأت بجديد أو غير معهود، لا من عنده ولا بالنسبة لمن يستمعون اليه في اللجنة التي مثل أمامها، أو من يستمعون له خارجهاً ممن يمثلهم ويمثِّلونهم. الفرق فحسب هو في نسبة الوضوح وأسلوب التعبير عن ذات المضمون عند هذا أو ذاك، أو منسوب الغطرسة ومدى رفع مستوى وتائر الصراخ واقتناص فرص توظيفه داخلياً، أو القدرة على صرف فواتيره انتخابياً لدى جمهور استعماري استيطاني عدواني بطبيعته ولا يقل غلواً عن حاكميه الذين هو من يختارهم…مثلاً الوزير التهويدي الأوقح والأشهر فاشيةً نفتالي بينيت، رئيس كتلة “البيت اليهودي” في الكينيست، يخاطب الجمهورالصهيوني في ذكرى حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية قائلاً: ” علينا كل يوم إعادة تحرير القدس”!

…ما قاله ليبرمان المتغطرس المتوعِّد ابان مثوله مؤخراً امام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ردده روؤفين ريفلين رئيس دولة الكيان من بعده بما لا يزد عن يومين، في مناسبة احياء الصهاينة لذكرى مرور عقد على قتلى جيشهم في حربهم العدوانية على لبنان في العام 2006. قال ريفيلين ما قال بمثله كل من سبقه من قادتهم منذ أن كان الكيان، من بن غوريون وحتى نتنياهو، إنه “إذا فرضت علينا حرب مقبلة (وهم دائماً البادئين بالعدوان وبالتالي من كانوا يفرضونها)، فلن يكون امامنا خيار سوى الانتصار”.

نعم، هذا الكلام في احد وجوهه هو تعبير فج عن إحساس متغطرس بفائض قوة زائدة عن الحد، فالكيان الثكنة المدججة حتى الأسنان يختصر في آلة حربه الهائلة كل ما توصلت اليه عقلية الموت الجهنمية الغربية الاستعمارية من تطور وسبل فتك، إلى جانب واقع عربي وآخر فلسطيني لا من جدال ولا من خلاف في أنهما الأردأ والأسوأ والأكثر كارثية في تاريخ أمتنا، بحيث يستدعيان ويشجعان كل ما لدى الصهاينة من عتو وفجور وعدوانية حاقدة لا تجد من يعترضها أو يوقفها، لاسيما وأن هذه العدوانية تحظى برعاية تواطوء دولي لا ترى مدللته له حدوداً منظورةً…لكنما في وجهه الآخر هو تعبير مرضي عن إحساس قاتل بالهشاشة وترجمة لفوبيا وجودية متأصلة يفاقمهما ويذكي هواجسها أمران: يقين راسخ بأنهم فعلاً لايحتملون مجرَّد هزيمة واحدة، وادراك مسبق لما ستمليه مآلات الصراع التناحري التي تشي بحتميتها احكام التاريخ وتؤكدها سلفاً حقائق الجغرافيا، أو الأمر الذي، ومهما طال الزمن، لن يكون قطعاً، وطال الزمان أم قصر، في صالح كيانهم الاستعماري المفتعل ووجودهم الغريب الطارئ.

يدرك الصهاينة اكثر من سواهم أن وقت الحسم، أو الانتصارات السريعة السهلة وقليلة الكلفة، مهما ساءت الأحوال العربية، قد ولَّى وذهب إلى غير رجعة. وهم إذ لا يقدمون اصلاً على ما هو في غير مقدورهم، أي على الحروب التي قد تطول، لم تعد حروبهم بالقصيرة ولن تكون. في لبنان، الذي يحيون هذه الأيام ذكرى قتلاهم في آخر حروبهم العدوانية عليه، وفي غزة التي يتوعدها ليبرمان، لُقِّنوا دروساً قاسية ليس بوسعهم أن ينسوها، وهم من حينها لا ينفكون يتوقفون امامها ويتدارسونها بجدية ويجترون عثراتها ولا ينكرون مراراتها.

من أول هذه الدروس، إن اندحارهم المشهود أمام ضربات المقاومة اللبنانية وانكفاءهم الهارب المهين من جنوب لبنان عام الألفين، كان يعني لهم إيذانا صريحاً بنهاية قدرتهم على التوسع، أو احتلال المزيد من الأرض والتمكُّن من البقاء فيها. وثانيها، إن فشلهم في حربهم التدميرية على لبنان في مثل هذا الشهر من العام 2006 وحروبهم الدموية الإبادية المتكررة على غزة في تحقيق أهدافها الرامية لكسر إرادة المقاومة لدى الشعبين العربيين، قد اثبت لهم محدودية القوة وعجزها مهما امتلكت من وسائل الدمار والإفناء في فل إرادة المقاومة الشعبية الممتلكة لإرادة الصمود وبالتالي الاستعداد لبذل اسمى آيات التضحيات التي تقتضيها ضرورة المواجهة.

…وعليه، أما وقد عز حسم ليبرمان فما الذي يتوفر لنتنياهو وصهاينته سوى ما دعاه بسياسة “تغليف الغابة”…والسؤال بالتالي هو: وهل له من سبيل لتغليف غابته والفلسطينيون باقون ويصمدون ويتوالدون ويواجهون رغم انفه في احشائها؟! ثم من قال أن مثل هذه اللحظة العربية المدلهمة سوف يطول قتامها؟!

اترك تعليقاً