الأرشيفوقفة عز

هذه شبه “فتح” ومسخ “فتح” – نضال حمد

حول بيان صادر عن أقاليم حركة “فتح” في أوروبا
لا أستغرب أي بيان تصدره أقاليم حركة فتح في أوروبا وحتى في جزر الواق واق وهونولولو فهو دائما بيان يظهر مدى ولاءها للمدرسة الفتحاوية الحركية والأبوية التأليهية، التي حلت مكان المدرسة الوطنية والفدائية الفلسطينية، ليس في زمن عباس “عار” فلسطين الأبدي، بل من زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث أطلق عليه الفتحاوين ألقاباً عديدة مثل الأب والختيار ثم الرئيس والزعيم الخ. لكن الفرق بين عرفات وعباس أن الأول كان يحظى بشعبية عارمة بين الفتحاويين وبين الفلسطينييين بشكل عام حتى دخل النفق المظلم، نفق سلام الشجعان في اوسلو. لكن الثاني وهو مهندس سلام الشجعان برعاية الأول مكروه من الفتحاويين أولاً.. ومكروه ممن يقفون معه ويسيرون خلفه، لكن مصالحهم تتطلب أن يحنوا ظهورهم له كيّ يمتطيهم في مسيرته الأوسلوية مقابل مناصب ادارية ووزارية وتنظيمية ومكاسب ومنافع مالية. هناك أيضاً مجموعة من المنافقين والمنتفعين وتجار الدم والقضية من جماعة مات الملك عاش الملك، والذي يتزوج أمي بصير عمي. كلهم يسيرون معه وخلفه ويتحملون كل غطرسته وحقده وحقاراته، لأنه استطاع أن يسيطر على المال والقرار وعلى فتح والمنظمة والسلطة. أما هم فأعتادوا على المال ولم تعد تعمل عقولهم بدونه مذ غادروا بيروت سنة 1982 وأستسهلوا النضال في المنافي العربية والعالمية.
محمود عباس تمكن من تدجين فتح وتحويلها الى شركة خاصة به وبزبانيته بمساعدة أشباه القادة الفتحاويين وهؤلاء تجدهم في كل مكان وما أكثرهم في هذا الزمان. كما دجن قادتها الذين كانوا يعارضونه ودجن الفصائل الفلسطينية الأخرى المنضوية في اطار المغتصبة منظمة التحرير الفلسطينية. ثم استطاع في نهاية المطاف أن يدجن حركة “حماس” ويوقف غرورها ويحقق لها بعض شهواتها في المنظمة وأطماعها في الكعكة. كما دجن بعض فصائل التحالف الفلسطيني وقادته المعارضين في دمشق ومنها من كانوا يتهمونه ويتهمون عرفات بالخيانة العظمى. وقالوا فيهما ما قال مالك بالخمر. هؤلاء للأسف عامل آخر محبط لشعبنا، فقد ظهروا بشكل مخزي وأطلقوا تصريحات مقززة بعد لقاءات بيروت ورام الله والقاهرة. ولازالوا يتحدثون عن المقاومة التي لا يمارسونها.
بيان أقليم فتح ليس أكثر من مبايعة أو تجديد مبايعة لمحمود عباس ولي أمرهم سياسيا وماليا وتنطيمياً وهو من عدة الشغل في عهد عباس ومن الثوابت العباسية والفتحاوية. فالخيانة صارت تمسكاً بالثوابت الوطنية، والتنسيق الأمني واعتقال المناضلين الفلسطينيين كفاحاً مسلحاً، والصمت على الاستطيان والتهويد قيّم فتحاوية عملاقة… وتهديد مروان البرغوثي وغيره من مناضلي فتح ومن له رأي آخر غير رأي عباس.. دفاع عن الشرعية الفلسطينية وعن القيّم الفتحاوية والوطنية. ودفاع عن الاستحقاقات الديمقراطية والقيّم الحقيقية والينبوعية لفتح “العملاقة”، بانية الدولة الفلسطينية كما جاء في بيان الفتحاوييين وأقاليمهم في أوروبا.
أي دولة بنتها فتح وأي دولة بناها عباس؟
ربما قصدهم مقر المقاطعة في رام الله وعاصمته مكتب الارتباط والتنسيق الأمني أو سجن أريحا، حيث اعتقل سعدات ورفاقه الذين أعدموا زئيفي، وحيث اعتقل القائد الفتحاوي فؤاد الشوبكي، وحيث خرج حراس السجن عُراة مستسلمين وخانعين للصهاينة.
جاء في البيان :
“هذه الحركة التي كرست عبر مسيرتها الكفاحية وحدة الشعب والارض عبر بعث الكيانية الوطنية في إطار م. ت. ف، وانتزاع القرار الوطني المستقل، والنهوض بأوضاع شعبنا المقاوم على المناحي الاجتماعية والمعيشية والتعليمية والصحية والاقتصادية كافة، مما يعني ان فوز حركتنا هو تعزيز للخط الكفاحي الوطني، وتأمين السلم الأهلي والاقتصادي والاجتماعي لجماهير شعبنا للوصول الى تحقيق أماني شعبنا في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية.”.
أي وحدة كرستها فتح عبر مسيرتها الطويلة؟
فقد انشقت عدة مرات وشقت معها الساحة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت فتح وراء غالبية الانشقاقات في غالبية الفصائل الفلسطينية. فأنشقت الفصائل بلا استثناء. فتح عندما توجهت الى السقوط والاستسلام والهزيمة والاعتراف بالكيان الصهيوني، والى التخلي عن أرض فلسطين وحقوق شعبنا، تحت شعار البرنامج المرحلي والقرارات الدولية، شقت الشعب الفلسطيني كله وشقت الأمة العربية وفتحت باب الخيانة والاستسلام والتطبيع العربي والاسلامي والعالمي على مصراعيه. وهي التي أوصلت القضية الى الحضيض منذ ابتدعت بدعة القرار المستقل. وهو لم يكن في يوم من الأيام قراراً مستقلاً، كان قرارا تتحكم فيه مصر السادات ومبارك وأنظمة الخليج الممول الرئيسي لفتح. الآن تتحكم فيه الادارة الأمريكية والدول المانحة كما تتحكم الادارة العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية بكل السلطة الفلسطينية. وكما تتحكم المخابرات الأمريكية سي آي أيه وجهاز الشاباك الصهيوني بكل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
فتح التي شقت الفصائل تخلت اليوم عن الدمى الفصائلية المنشقة عن تنظيماتها الأم. كانت وعدتها أن تضعها معها على قائمة انتخابات واحدة. لكنها رمتها الى سلة المهملات وأعلنت قوائمها بدونها. يبدو أن فتح وصلت الى قناعة بأن وضعها الداخلي وارضاء المتصارعين داخل فتح يتطلب التضحية بالدمى الفصائلية، لذا تخلت عنها وحلقت لها كما نقول بالعامية.
جاء في بيان أقاليم الحركة في أوروبا أنشر الفقرة كما نشرت في البيان وبدون تدخل وبدون وضع نقاط آخر الجملة أو فواصل فيما بينها:
“وفي ظل ما تشهده الساحة الفلسطينية من تجاذبات ما احوجنا نحن الفتحاويين الى التكاتف والتلاحم والاتحاد ودعم الموقف الوطني والالتفاف خلف اللجنة المركزية بقيادة حامي المسيرة وباني الدولة فخامة الرئيس محمود عباس ودعم القرارات التي تتخذها قيادة الحركة وخاصة على صعيد خوض الانتخابات في قائمة فتحاوية اصيلة نابعة من عمق فتح وحضارتها وقوة مواقفها.”.
أعرف أقاليم فتح في أوروبا من عشرات السنين وأعرف مدى الصراع الدائر بين منتسبيها ورؤساءها. فأمين سر الاقليم أو مسؤول الساحة يتقاضى مرتباً مغرياً حسب ما عرفت من آخرين. ولا يوجد شغل للحركة وأقاليمها سوى ارسال بيانات المبايعة والدعم والتأييد لعباس. باستثناء ذلك شغلهم الاشتغال بالآخرين المعارضين لفتح وللسلطة أو حتى للفتحاويين المعارضين لهم وكتابة التقارير الدورية يعني مخبرين للأجهزة الأمنية في رام الله. فتح بعد أوسلو ماعادت فتح قبل اوسلو. وفتح الموجودة الآن ليست فتح التي كنا نعرفها في المخيمات والميادين في سبيعنيات وثمانينيات القرن الفائت، فتح الشهداء والفداء والعطاء والتضحيات. هذه شبه فتح ومسخ فتح. والى أن يصلح الفتحاويون الشرفاء ما أفسده “هُبل” كبيرهم القابع في رام الله سيدفع الشعب الفلسطيني أثماناً جديدة، مزلزلة من أرضه وحقوقه وقضيته.
 
نضال حمد
 
1 نيسان – ابريل 2021