الأخبارالأرشيف

أحاجيُّ “الصفقة”، وعودة سلام فياض! – عبداللطيف مهنا

طلاسم “صفقة القرن”، وكما يراد لها، أُشبعت قعقعةً، لكنما طحنها، والذي تعثَّر ولم يتوقف، ظل كتيماً وبقي حكراً على أطرافها من أولي التصفية، يواكبه سيل من التكهُّنات، ويعضده ضخ موازٍ لأدخنة التسريبات الممهّدة والحاملة لبالونات الاختبار. وإذ عاد رسولاها، كوشنر وغرينبلات، إلى الحمى الترامبوي مع ما أوحى بتراجع حماسهما الترويجي، تكفَّل بمواصلة مهمتهما ناشطاً السفير “الإستيطاني” فريدمان، متحركاً فلسطينياً وأردنياً، ومواصلاً لما بدأه منذ تعيينه كمالك لامتياز تجاوز وزارة خارجيته، ومحتكراً وحدانية الممثل التصفوي المقيم لترامب ونتنياهو معاً.

لم يبق تفصيل لجهة أُحاجيَّ هذه الأحبولة التصفوية ليس مفضوحاً، وقل منها ما لم نتعرَّض له في مقالات سابقة. أما لجهة مآلاتها فسبق وأن احلناها بدورها إلى استحالة تمريرها دونما قبول فلسطيني دونه خرط القتاد، ومن ثم استحالة أن يجروء عرب التسوية على تبنّيها رسمياً دونما غطاء فلسطيني، وهم وإن من غير المؤكد أنه سيصعب عليهم العثور على ضالتهم في المعشر الأوسلوي، لكنما الشعب الفلسطيني المناضل والمضحي بلا حدود، ومنذ أكثر من قرن، في سبيل صون قضيته وحقه في تحرير وطنه كاملاً والعودة لكامله، لن يسمح لها بالمرور.

لكي يتم تدجين الفلسطينيين بطرفيهما، المساوم والمقاوم، تتم الاستعانة بالضغوط العربية على كليهما، وقطع المساعدات والهبات عن الفريق الأول، كما فعلت الولايات المتحدة وأخيراً استراليا. كما ويأتي في هذا السياق قطع مساعدات  الأونروا، وحسم مليار شيكل من أموال جباية ضرائب السلطة عقاباً لها على عدم الامتثال لمطلبهم إيقاف دفع مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، والتلويح بتجاوزها في مسألة ما يلاك حول إعادة إعمار غزة ونوايا التخفيف من فواجع الحصار المديد عليها اتقاءً لارتدادات انفجار الوضع هناك على الاحتلال.

في المدة الأخيرة، نشطت الوساطات، وأُوفدت الوفود، ووجّهت الدعوات، لغزة، ضمن حملة مبادرات ظاهرها التهدئة مقابل التخفيف، وباطنها شراء الوقت. ولهدفين: لجم المستجد النضالي المتمثل في مسيرات العودة وابتكاراتها الكفاحية، والتخفيف من اندفاعاتها المربكة للاحتلال والمرهقة المستنزفة لجيشه، وتفادياً لجرّه لحرب لا يريدها الآن، مروراً بتغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة لغير صالحه. والثاني، والذي هو على رأس مساعي المتوسّطين، معرفة مصير أسرى الاحتلال ومقايضتهم ببغض من تخفيف لكوارث الحصار.

كافة المتوسّطين، عرباً وأوروبيين، أضف إليهم ملادينوف، المبعوث الأممي، الذي يذكّرنا بنفسه لماماً، يضبطون حركتهم مع اتجاه عقارب ألعوبة الصفقة، ضاربين على الوتر الإنساني، ملوّحين بجزرة التخفيف من كارثية حصار مشاركين في جريمة فرضه…حتى الآن، ردت غزة على هؤلاء بما قالت إن فصائلها قد أجمعت عليه، وهو، إن “أي مبادرة تحمل اثماناً سياسيةً، أو تأتي ضمن المخططات لتسوية القضية الفلسطينية لن تكون مقبولة”، وأن لا بحث لمسألة أسرى المحتلين إلا في سياق تبادلهم مع اسرى فلسطينيين…فماذا عن السلطة؟

لم تترك في جعبتها ما تتوفر عليه من تأكيدات رفضها للتعامل مع الصفقة ولم تبديه في العلن، لكنها لم تقطع حبال وصلها مع مروّجيها عبر قنوات ومنها، عرب الصفقة، وماجد فرج مع بومبيو، ورجل أعمال متأمرك فلسطيني النسب، ويشاع أنه من مقرَّبي ترامب، هو عدنان صوافطة، وله مبادرة يطرحها تقول بما لا يختلف عليه من هو صلة الوصل بينهما،  ك”وقف تطوير العمل المسلَّح، ودمج التشكيلات العسكرية في قوة أمن وطني”!

لم تترك السلطة ما ينفي استعدادها للتوائم مع لعبة الصفقة التي ترفضها، وعلى هذا مؤشران: خدمتها بالإمعان في تجويع غزة، وحد الطلب من الأوروبيين “تأخير مساعداتهم لغزة إلى ما بعد المصالحة”، وقطع الطريق على وهمها عبر حديث الاجتماع المزمع “للمجلس المركزي”ً. واستلال سلام فياض، رجل “السلام الاقتصادي” وترسيخ “التنسيق الأمني” واستئصال المقاومة من الضفة، من جعبة الإزاحة، واستعار خلاف معه وصل حد اغلاق مؤسساته وتجميد ارصدته واتهامه بقربه من دحلان، إذ ظهر الرجل مجدداً، بعد أن قفل تاركاً عمله كمحاضر في جامعة أميركية، ليلتقي رئيس السلطة، ومن ثم يبدأ اتصالاته فلسطينياً وأردنياً وينتوي زيارة غزة!

من خدمات التجويع ذات المردود التصفوي التي باتت غزة تكابدها هجرة عشرات آلاف الأطباء من قطاع ينزف دمه على مدار أيامه في مواجهة العدوان، لاسيما أطباء العظام، هؤلاء الذين امتلكوا خبرة لا تتوفر لسواهم جراء كثافة الإصابات شبه اليومية. البعض يتحدث عن ارقام فاقت المئة ألف طبيب. وليس هذه الفئة فحسب، فهناك سيل من الإعلانات من قبل من يريدون بيع ما يمتلكونه وتلمُّس سبيلاً للخروج بأطفالهم من جحيم الحصار، هذا الذي لم يُفرض أصلاً بعيداً عن استهداف المقاومة وتصفية القضية.

ومع هذا، فإن عظمة وعبقرية هذا الشعب النضالية العنيدة، وباعتراف عدوه، تتجلَّى في افشال غزة لمنظومة “القبة الحديدية”، والطائرات المسيَّرة، في صد سلاح طيرانها الورقي وبالوناتها الحارقة، ليلجأ المحتلون دونما نجاح إلى المنظومات الليزرية ذات الكثافة العالية…ويشتكون من الهجمات الإلكترونية المخترقة لهواتف جندهم مسيطرةً عليها راصدةً مواقعهم وتحرُّكاتهم، ومحوِّلةً لها “إلى كاميرات تصوير وآلات تسجيل تعمل بشكل دائم”.