عربي وعالمي

التطبيع وانتهاء معادلة (الصراع العربي الإسرائيلي) – إبراهيم أبراش

القرار العربي الأول برفض التطبيع مع إسرائيل كان ينطلق من مبدأ أن (إسرائيل) عدو للأمة العربية ومحتل لأرضها، وهذا القرار لم يظهر بعد حرب 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان وقرارات قمة الخرطوم (لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل) بل سابق لذلك حيث يعود لقرار اتخذته جامعة الدول العربية عام 1950 يدعو لمقاطعة (إسرائيل) ،وقد تم كسر هذا القرار عملياً عندما وقعت مصر اتفاقية سلام مع (إسرائيل) علم 1979 ثم تلتها منظمة التحرير الفلسطينية 1993 مع توقيع اتفاقية أوسلو وبعد عام الأردن في اتفاقية وأدي عربة، ثم جاءت المبادرة العربية للسلام 2002 التي قالت بأن وقف المقاطعة واستعداد العرب للاعتراف (بإسرائيل) والتطبيع الكامل معها مرهون بانسحاب هذه الأخيرة من الأراضي العربية المحتلة عام 67 وقيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 مع إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين .

بهذه الاتفاقات وضمن هذا المسار لم تعد (إسرائيل) رسمياً عدواً لهذه الأنظمة والكيانات السياسية، بل تحولت لشريك في عملية السلام التي انطلقت في مدريد 1991 تحت شعار (الأرض مقابل السلام). بالرغم من أن (إسرائيل) لم تلتزم بعملية السلام وواصلت احتلالها واستيطانها بل انتقلت من مرحلة الاستيطان إلى مرحلة الضم، كما جرى مع الجولان وما يجري مع الضفة الغربية والتنكُر الكلي لحق العودة ولقيام دولة فلسطينية مستقلة استمر التطبيع والمطبعون مع دفعهم بمبررات واعذار للتطبيع بعيداً عن المبدأ الأول الذي يقول بأن إسرائيل عدو للأمة العربية.

(وفي هذا السياق كان يوسف العتيبي سفير الإمارات في واشنطن واضحاً في مقالته في جريدة يديعوت أحرونوت (الإسرائيلية يوم الجمعة 12 يونيو عندما تحدث عن العلاقة بين بلاده و(إسرائيل) ورغبة الإمارات في مزيد من التطبيع، وأن ينشر سفير دولة عربية وهو على رأس عمله مقالاً في أهم الصحف (الإسرائيلية) وبغض النظر عن مضمون المقال يعتبر بحد ذاته حدثاً مهماً لاًن ما يكتبه السفير يعبر عن موقف بلاده.

إذا تجاوزنا إدانة السفير لحزب الله ووصفه بالجماعة الإرهابية واتهام حركة حماس بالتحريض دون ان يتهم أو ينتقد الكيان الصهيوني الذي يمارس الاحتلال ويواصل الاستيطان، والاحتلال أسوأ وأخطر أشكال الإرهاب، وتجاوزنا مقارنته دولة الإمارات (بإسرائيل) وهي مقارنة غير مفهومة ومسيئة لدولة الإمارات، فإن الملفت للانتباه فيما كتبه وهو بيت القصيد من المقال، أنه طرح مبادرة جديدة للتطبيع تمثل انقلاباً على المبادرة العربية للسلام وذلك عندما وضع معادلة جديدة عبر عنها عنوان مقالته (إما الضم أو التطبيع). بينما معادلة المبادرة العربية تقوم على قاعدة (التطبيع مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية).

ما طرحه العتيبي معناه أن الاحتلال (الإسرائيلي) والاستيطان ورفض قيام دولة فلسطينية ليست عقبات أمام التطبيع، والمشكلة فقط في ضم أراضي فلسطينية، وبالتالي إذا ما تراجعت (إسرائيل) عن الضم أو مررته بدون إعلان أو بالتجزئة فالإمارات ستُطبِّع مع (إسرائيل) أو بالأصح ستواصل مسار التطبيع الذي بدأته منذ سنوات .

الموقف الجديد لدولة الإمارات من التطبيع والذي عبر عنه العتيبي سبقته ممارسات تصب في خانة التطبيع وتبليغ رسائل حسن نية تجاه إسرائيل، منها ما ذكره السفير كحضوره للمؤتمر الذي عقده ترامب بحضور نتنياهو للإعلان عن صفقة القرن وأخرى معروفة ولم يذكرها كتسيير خط طيران بين الإمارات و(إسرائيل) وبعضها علاقات خفية ذات طبيعة أمنية، هذه العلاقات التطبيعية أو التطبيع المتدرِج لا تقتصر على الإمارات فقط بل هناك قطر وسلطنة عُمان وجوقة من الكتَبَة والمثقفين دعاة التطبيع وبعض هؤلاء لا يكتفي بالدعوة للتطبيع مع إسرائيل ومدحها بل يتطاولون على الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي؟ .

ما يجرى من تطبيع في الفترة الأخيرة يستدعي التوقف عند القضايا التالية: –

1- موجة التطبيع الجديدة تأتي في وقت تشهد فيه (إسرائيل) تشكيل أخطر حكومة يمينية وفي الوقت الذي تواصل فيه بناء المستوطنات وحصار قطاع غزة واستمرارها في سجن آلاف الفلسطينيين، وفي ظل غياب أية تحركات جادة للتسوية السياسية.

2- يتزامن التطبيع مع حملات تشويه للشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي، وتراجع الدعم سواء للسلطة الفلسطينية التي تحاصرها (إسرائيل) حيث ترفض الدول العربية تفعيل شبكة الأمان التي وعدت بها لدعم السلطة، أو لفصائل المقاومة المسلحة حيث يتم اتهامها بالإرهاب من طرف الدول المطبِعة وأبواقها الإعلامية.

3- غموض موقف جامعة الدول العربية صاحبة المبادرة العربية للسلام وما إن كانت موافقة على ما يجري من تطبيع، وهل ما زالت متمسكة بمبادرتها؟ وإلى متى ستبقى شاهد زور ومجرد متفرج على ما يجري سواء للقضية الفلسطينية أو في العالم العربي بشكل عام؟ ولماذا تتحرك وتتدخل كل دول الجوار بالإضافة إلى الدول الغربية في الشؤون العربية وتهدد وجود ومستقبل دول عربية كما هو الحال في ليبيا وسوريا بينما لا حضور للجامعة العربية حتى كصاحبة مبادرة سلمية؟.

4- غموض الموقف الرسمي الفلسطيني مما يجري، وما إن كانت القيادة الفلسطينية راضية عن موقف وسلوكيات الدول المطبِعة وخصوصاً الإمارات وقطر؟ ولماذا لم نسمع أي تصريح رسمي حول الموضوع؟. ضعف السلطة وغياب موقف حازم أو واضح على أقل تقدير من السلطة بالإضافة إلى الانقسام هو ما يشجع هذه الدول على التطبيع، ويشجع بعض الأفراد الإمعات من أشباه الكتبة والمثقفين على التطاول على الشعب الفلسطيني.

5- نحذر من حسن النية تجاه (إسرائيل) الذي تبديه بعض الدول العربية الراغبة بالتطبيع، لأن (إسرائيل) لا تهدف من التطبيع أن تصبح دولة عادية كبقية دول المنطقة وتعيش معها بسلام، بل تريد من التطبيع أن تنهي الوجود الوطني للشعب الفلسطيني كهدف أول ثم الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية إن لم يكن على الشرق الأوسط. إن (إسرائيل) التي تسعى لأن يعترف العالم بها كدولة يهودية لا يمكنها أن تكون دولة سلام واستقرار في عالم عربي وإسلامي.

6- التطبيع حتى الأن محصور في النطاق الرسمي، ذلك أنه وبالرغم من الأصوات الشاذة من بعض الأفراد العرب من صحفيين وغيرهم الداعية للتطبيع وبالرغم من انشغال الجماهير العربية بمشاكلها وهمومها الداخلية إلا أن غالبية الجماهير العربية ما زالت تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف أو التعايش مع (إسرائيل) كما ترفض المزاعم الرسمية التي تقول بأن القضية الفلسطينية تستنزف مال وجهد العرب.

Ibrahemibrach1@gmail.com