الأرشيفالجاليات والشتات

“التفويض” بدل التوطين؟ – زاهر أبو حمدة

يجمع اللبنانيون والفلسطينيون على رفض التوطين. لكن يرى البعض أن لا مشكلة في انتقالهم خارج الحدود، تحت أي مسمى كان. وفعلاً، رحلت أعداد كبيرة من العائلات الفلسطينية بطرق غير شرعية وبتسهيل أمني واضح، عبر سماسرة معروفين.
ترافقت “الهجرة الفردية” الى أوروبا وكندا مع طرح صفقة القرن الأميركية، التي تعطي ثلاثة خيارات للاجئين وهي: “استيعاب جزئي في دولة فلسطين؛ الاندماج المحلي؛ وتوطين 50 ألف لاجئ في خلال عشرة أعوام في دول منظمة العمل الإسلامي”.
ويبدو أن الخيارين الأول والثالث مستبعدان لرفض السلطة الفلسطينية الصفقة، وبالتالي لن تنجر الدول العربية والإسلامية الى هذا الخيار من دون موافقة فلسطينية.
أما خيار الاندماج المحلي فيمكن تطبيقه في بعض الدول العربية، لا سيما إذا كانت الاغراءات السياسية والمالية متاحة. هذا الخيار أيضاً أصبح صعباً في لبنان بعد رفضه كل ضغوط الترهيب والترغيب (6.3 مليارات دولار وفقا للصفقة)، علماً أن جهات أجنبية طلبت من لبنان القبول بـ”التجنيس” بدل التوطين، وإعطاء الفلسطينيين جوازات سفر وحقوقا إنسانية من دون الحق بالترشح والتصويت في الانتخابات اللبنانية.
من المهم ربط قضية اللاجئين الفلسطينيين (5.6 مليون لاجئ)، بما حصل في الساحات العربية، فاستهداف الميليشيات لفلسطينيي العراق عام 2003 كان مدروساً ومخططاً له، ونقل أكثر من 1600 شخص إلى مخيم الوليد في الصحراء عند الحدود العراقية – السورية ومن ثم ترحيلهم إلى تشيلي والبرازيل وأيسلندا. ولا يعرف كم تبقى من 40 ألف فلسطيني يعيشون في العراق. أما في سوريا، فأكثر من 300 ألف فلسطيني لجأوا مرة أخرى إلى دول مجاورة أو انتقلوا الى أوروبا، ولا سيما بعد التدمير الممنهج لمخيم اليرموك. وهذا حصل مع ثلاثة ألاف فلسطيني في ليبيا بعد اسقاط نظام معمر القذافي عام 2011.
ما يمكن تأكيده حالياً، أن هناك أذرعاً لبنانية وخارجية تعتمد أسلوباً خبيثاً ليس لإخراج اللاجئين من لبنان فقط، انما لشطب حق العودة. بدأ ذلك بالتضييق عليهم وتسهيل هروبهم ومن ثم تجميع لاجئين أمام السفارات الغربية للضغط على الحكومات كي تنقلهم الى أراضيها. ويُستخدم القانون للضغط على حكومات اجنبية لإيجاد حلول لهم، ويظنون أنهم بالتظاهرات امام السفارات يحققون مطالبهم. بدأت الخطوات بالمطالبة بـ”لجوء انساني” ونقل سجلاتهم من وكالة “الاونروا” الى المفوضية العليا للاجئين.
والأخطر ما يفعله المحامي (ج.ذ) إذ يطالب اللاجئين بتسليم ما يمتلكون من وثائق لحقوقهم وملكياتهم في فلسطين، واعداً إياهم بمغريات مادية وتعويض كبير مقابل التنازل عن حقهم في بلادهم، ومن ثم نقلهم الى دولة ثالثة مثل قبرص. ووفقاَ لمصادر موثوقة، يتواصل فلسطينيان معروفان مع المحامي الذي بات يمتلك تفويضاً من 800 لاجئ، وكان يُمني نفسه أن يجمع 5 الاف “تفويض لا رجعة عنه” كي يبدأ المعاملات، لكنه فشل حتى الان. وما زال يدعو اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لتقديم توكيلات خطية والكترونية مرفقة بصور عن كروت الاعاشة والبطاقات الشخصية وصور عن “كياشين” الأرضي التي يملكها الفلسطينيون في فلسطين قبل النكبة، تفوضه الطلب من السفارات الأجنبية القبول بهجرة اللاجئين مقابل شطب حق العودة إلى وطنهم الاصلي، مستغلاً الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
وما يمكن أن يوقف مشروع هذا المحامي هو التصلب الفصائلي الفلسطيني ومعه الأحزاب اللبنانية، لا سيما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أصدر بياناً قوياً تجاه “المخطط المشبوه”. في المقابل يؤكد المحامي نفسه تواصله مع قوى لبنانية رحبت بالفكرة وتدعمه مثل الوزير السابق جبران باسيل. ويشير في مجالسه الخاصة الى أن “جهات لبنانية تؤمن له الحماية وتحثه على الاستمرار بما يفعله من أجل إذا فُرض التوطين يكون العدد قليل”. وبهذه الإجراءات يحاول تصوير الفلسطيني أنه “بائع لوطنه وقضيته مقابل المال وحلم الهجرة”.
هنا لا بد من السؤال حول من يقف وراء المحامي ومخططاته؟ وهل هذا مرتبط ما كشفته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، قبل عامين، عن أن مهندس “صفقة القرن” جاريد كوشنر، يقول في رسالة بريدية إنه “على الدول العربيّة المحيطة بإسرائيل توطين اللاجئين فيها بشكل كامل” ويضيف أنه “مهم جدًا أن نبذل جهدًا خالصًا وحقيقيًا لعرقلة عمل الأونروا”، وعلل ذلك بأن “الأونروا تبقي على الوضع القائم للأبد، وهي منظمة مرتشية وغير ناجحة ولا تساهم في الدفع بعمليّة السلام”؟. فما ينوي المحامي فعله هو شطب حق العودة وتهديم مؤسسة “الاونروا” الشاهد الملك على نكبة الفلسطينيين ولجوئهم. وهذا ما صرح به بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة. وبالتالي، انتقلنا من مرحلة التوطين والتهجير الى مرحلة “التفويض” لتصفية حق العودة ومعه الحقوق الفلسطينية في بلادهم.

  • إعلامي فلسطيني مقيم في لبنان