من هنا وهناك

الجهاد الإسلامي “لا تنتظر” إلا تحرير فلسطين! بقلم/ خالد صادق

يبدو أن هناك حملة مدروسة ومبرمجة هذه الأيام، تستهدف النيل من حركة الجهاد الإسلامي بالتشكيك في هويتها وانتمائها لبيئتها الطبيعية، ومحيطها العربي والإسلامي “السني”، وذلك على خلفية علاقتها غير المستجدة بإيران وحزب الله، في إطار دعم الأخيرين لقضية فلسطين ومقاومتها المشروعة ضد الاحتلال الصهيوني. والغريب أن هذه الحملة يشارك فيها “سنة وشيعة” إما بدهاء أو بغباء، وكلاهما لن يخدم إلا العدو الحقيقي لحركة الجهاد وفلسطين والأمة، وهو العدو الصهيوني.

من أحدث المساهمات في هذه الحملة، ما كتبه “بشير عيسى” في صحيفة “الحياة” اللندنية بتاريخ 11/12/2014م، تحت عنوان: “في انتظار “المنتظر”: من أحمدي نجاد إلى نصرالله”. والذي يقرأ هذا العنوان يلحظ أنه يوحي بتقاطع السياسة بالميثولوجيا الشيعية، لكن القارئ سرعان ما يصدم باسم الشهيد فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد، من السطر الأول في المقالة!

يتحدث الكاتب عن الشهيد الشقاقي الذي دعا إلى “الاقتداء بالنموذج الإيراني الثوري” مستشهداً بكلام قاله الرجل قبل أكثر من ثلث قرن من الزمان! وهو كلام لا يمكن أن يقرأ معزولاً عن ظرفه التاريخي، والمناخ العام في المنطقة لحظة انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، وهو ذات الظرف وذات الحدث الذي دعا فيه الزعيم الإسلامي، راشد الغنوشي في تونس إلى اختيار آية الله الخميني “إماماً لكل المسلمين”! وكتبت مجلة “المعرفة” الناطقة باسم الاتجاه الإسلامي آنذاك، وعلى غلافها “الرسول ينتخب إيران للقيادة!”. ولم يقتصر تأييد الثورة الإيرانية والاقتداء بنهجها الثوري في التغيير، على الشيخ الغنوشي وحده، بل تبارت الحركات والشخصيات الإسلامية في تأييد الثورة والثناء عليها، حتى قال الأستاذ يوسف العظم، رحمه الله، أحد قيادات ورموز “الإخوان المسلمين” في الأردن، وفي قصيدة مشهورة:

بالخميني زعيماً وإمام هدَّ صرح الظلم لا يخشى الحمام

قد منحناه وشاحاً ووسام من دمانا ومضينا للأمام

هكذا كان لسان حال معظم الإسلاميين وموقفهم من ثورة إيران، وبالخصوص الإخوان المسلمين. لذا، لم تكن حركة الجهاد، في أي يوم من الأيام، في صراع فقهي مع الإخوان أو غيرهم من التيارات السنية حول إسلام أو عدم إسلام “الشيعة الإمامية”.. كل ما حدث أن الحركة، وبقلم الشهيد الشقاقي، كانت تستشهد بمواقف ومقولات زعماء الإخوان وغيرهم، كي لا يتم حرف النقاش أو الخلاف بينها وبين الإخوان في مرحلة التأسيس عن موضوعه الرئيس، وهو الموقف من الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وليس الموقف من الشيعة! وقد تم تجاوز هذا الخلاف لاحقاً، بتأسيس حركة حماس، وانخراطها في المقاومة، منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، جنباً إلى جنب مع حركة الجهاد التي يعرف القاصي والداني أنها كانت السبّاقة لذلك إسلامياً.

أما الحديث عن “التحالف السياسي ـــ العضوي مع إيران”، فهو لا يستقيم في الصياغة، فضلاً عن السياسة أو الانتماء. كيف يكون “تحالفاً” و”عضوياً” في آن؟! ربما يصح ذلك لو سمعنا أن الطرفين: إيران، وحركة الجهاد، قد شكلا إطاراً أو كياناً يضم الطرفين، أي يجمع بين دولة “إقليمية عظمى” بحجم إيران، وبين حركة مقاومة أو تنظيم بحجم الجهاد الإسلامي!

لا ينكر أحد أن حركة الجهاد، منذ نشأتها إلى اليوم، لم توجه سلاحها إلا إلى الاحتلال الصهيوني، وهي تفعل ذلك إيماناً بواجبها الذي انطلقت من أجله. أما أن يظن البعض، كما السيد عيسى، أنها “ذراع عسكري” تقوم بفعلها الجهادي نيابة عن إيران أو بدفع منها أو من غيرها، فهذا فيه إهانة للشعب الفلسطيني وتطاول على دماء الشهداء، وأيضاً، وربما عن غير قصد، فيه رفعة لإيران ومكانتها، إذ لولاها، حسب هذا الاتهام، لما دافع الفلسطينيون عن أرضهم أو قاوموا عدوهم!

لقد قالتها حركة الجهاد مراراً، على لسان قياداتها ومجاهديها، إنها ليست بندقية للإيجار، وتاريخها الذي سطرته بدماء شهدائها الأبرياء يشهد بذلك. بدءاً من ملحمة جنين القسام، وكل الاستشهاديين الأبطال، وصولاً إلى مقاومة ومعارك وحروب غزة، وآخرها معركة “البنيان المرصوص”، والتي يسخر السيد عيسى من وصفها “بالنصر الإلهي”، بعد أن صمدت غزة لمدة 51 يوماً وحولت حدودها مقبرة لقوات النخبة الصهيونية!

حركة الجهاد ليست بندقية للإيجار، لذلك لم يطلب منها أحد نقل المعركة إلى الضفة الغربية، فهذا هو واجبها ودورها الطبيعي هي وكل قوى المقاومة الفلسطينية. أما ما ينسب في ذلك للمرشد الخامنئي، فهو تصريح أطلقه أثناء الحرب الصهيونية على غزة وسمعه العالم كله، وليس سراً يتعلق بزيارة قيادة الجهاد إلى طهران حتى يكشفه الكاتب!

كل ما سبق هو في نظرنا هيّن، ويمكن أن يتفق ويختلف عليه الناس في السياسة.. أما أن يتحدث عن حزب الله وإيمانه بولاية الفقيه، ثم يزج بحركة الجهاد تحت هذا المفهوم، وأن حالها هو حال حزب الله في التحضير والاستعداد لقدوم المهدي المنتظر، فهذا هو الدهاء بعينه، وهذا هو التجديف والإرهاب الفكري، الذي يسلب الناس انتماءهم، ويجردهم من هويتهم، ويصادر تاريخهم وتضحياتهم، ويضعهم في خانة “الشيطان”، بعد أن أدمن “شيطنة الآخر” المختلف معه على فهم الدين أو ممارسة السياسة!

لن نقول كلاماً مكرراً بالتأكيد أن حركة الجهاد حركة إسلامية تنتمي في عقيدتها لأهل السنة والجماعة، وأن علاقتها بإيران أساسها ومناطها موقف إيران الرافض للاحتلال الصهيوني لفلسطين، ودعمها لكل حركات المقاومة الفلسطينية “الإسلامية” منها و”العلمانية”.. لا جديد في ذلك برأينا، أما الجديد الذي يجب أن يعرفه الكاتب، الشغوف بحكاية المهدي، أن بعض كوادر وقيادات حركة الجهاد الإسلامي، بما يملكون من وعي وفهم، يتعاملون بحذر شديد حتى مع أحاديث المهدي الواردة لدى أهل السنة، وقد سمعنا من أمينها العام الدكتور رمضان شلّح، “السني حتى النخاع” أن أحاديث المهدي ليست في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم، وأن الأحاديث التي تتجاوز الخمسين حديثاً عن المهدي عند أهل السنة، توقف عندها كثير من جهابذة العلماء ولهم فيها كلام كثير..

أما نحن، ومع تقديرنا واحترامنا لكل المسلمين من مختلف المذاهب المعتبرة، فنوجز الكلام ونقول: إن حركة الجهاد من أمينها العام، الدكتور رمضان (أبي عبدالله) إلى أصغر جندي فيها، لا ينتظرون شيئاً في هذا العالم إلا تحرير وطنهم السليب فلسطين! وهو “انتظار” لا يقف عند حدود الأماني، بل ترجموه إلى عمل وجهاد مقدس بفضل الله وتوفيقه.

ونختم بالسؤال إذن: لمصلحة من هذه الحملة التي أطلت برؤوسها ضد حركة الجهاد بعد دورها البطولي والمشرف في حرب غزة، جنباً إلى جنب مع قوى المقاومة وجماهير الشعب؟! أليس حرياً بأصحاب هذه الأقلام أن يسخروها للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، الذي يهدد الصهاينة بهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، بدلاً من الحرب الدعائية السوداء ضد من نذروا أنفسهم وحياتهم وكرسوا جهادهم من أجل فلسطين والقدس؟

اترك تعليقاً