الأرشيفوقفة عز

الراحل وائل فتحي الخطيب رفيق الطفولة والجراح والحصار والتخفي – نضال حمد

من خزان النضال والثورة والمخيم والتضحيات .. صديقي الراحل وائل فتحي الخطيب …

هناك في المخيم الذي أصبح بعد النكبة سنة 1948 عنواناً للعودة، وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة معسكراً للبناء وإعداد أجيال المقاومة والتحرير. هناك ولدنا في سنة واحدة تحت سقفين من “زينكو” وعلى أصوات أمطار الشتاء القاسي، على عصف الرياح وصفيرها الرهيب.. هناك في بيوتٍ كانت في وقتٍ سابقٍ خياماً ثم رويداً رويداً تحولت الى بيوتٍ من طينٍ مع سقفٍ من “زينكو” ثم الى منازل عشوائية أخذت مع مرور الوقت وتحسن حالة اللاجئين قليلاً، تتخلص من الزينكو… وكان ذلك على ما أذكر في بداية السبعينيات من القرن الفائت.

هناك في مخيم عين الحلوة ولد صديق الطفولة والرجولة الراحل وائل فتحي الخطيب. في نفس المنزل الذي ولد فيه شقيقه الشهيد منذر فتحي الخطيب. في الحارة الفوقا من مخيمنا. فقد كانت عائلتي ولازالت تسكن في الحارة التحتا أما عائلة وائل الشهيد فلازالت تقطن في الحارة الفوقا. تلك التسمية ترجع الى الشارع الذي كان ولازال يفصل بين الحارتين، وهو شارع الصفصاف أو ما يعرف بالشارع الفوقاني، ففي المخيم هناك شارعين واحد فوقاني والآخر تحتاني. على الشارعين لنا مع وائل ورفاق وأصدقاء وأخوة آخرين ذكريات عديدة ومحطات كثيرة، نحن أطفال الأمس وأشبال الزمن الأول ثم فدائيي الزمن التالي.

في المخيم عشنا طفولتنا وتعلمنا في المدارس ولهونا ولعبنا في حاراته وأزقته وعلى تلاله القريبة، مثل تلة سيروب وجبل الحليب، والنبعة وكرم الطيار وأبو نمر ومغارة التايغر وصولا الى مخيم المية ومية الصغير المجاو،ر والى وادي جهنم وحتى أبعد من ذلك في بعض الأحيان. كُنا مجموعة كبيرة من أبناء المخيم وأولاد الحارتين الفوقا والتحتا، كثيرون منهم استشهدوا أو توفيوا وآخرين لازالوا أحياء يرزقون. من ضمن الذين رحلوا عن عالمنا في وقت مبكر الشقيقان منذر ووائل. الأول وهو الأكبر سناً استشهد في معارك تحرير الجبل، بجبل صنين سنة 1976. أما وائل فقد وافته المنية على إثر حادث في أثناء العمل، حيث سقط عليه حجر كبير أودى بحياته في منتصف الثمانينيات من القرن الفائت.

عاش وائل سنوات المخيم مثلنا نحن أبناء جيله، مدرسة، معسكر، حارة ومنزل. بعد سنوات وفي بداية الشباب تفرغ وائل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. وفي اثناء حصار بيروت تحاصر مثلنا في الشق الغربي من العاصمة اللبنانية. حيث صمد وعاش كل أيام الحصار ال 88 وما تلاها من أيام صعبة، يوم اجتاح  جيش شارون ومعه قطعان الارهابيين من جماعة العميل الصهيوني بشير الجميل، العاصمة بيروت الخالية من المقاتلين الفلسطينيين، الذين كانوا إنسحبوا منها قبل أسابيع قليلة. ثم إرتكب الغزاة وأعوانهم الفاشيين مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا. في ذلك الوقت إنضم وائل إلينا نحن رفاقه وأصدقاؤه من المخيم، حيث كُنا كُلنا تقريباً في تنظيم جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الرفيق الشهيد الأمين العام طلعت يعقوب. بقينا في بيروت بعد الحصار الطويل ولم نغادرها مع الذين غادروا بحراً وبراً. تمكنا معاً من مواجهة الصهاينة ليومين فقط لا غير، في اليوم الثاني للمجزرة صباحاً أصبت أنا في معركة مع الدبابات الصهيونية قرب المدينة الرياضية ومدخل الفاكهاني والطريق المؤدي الى المخيمين صبرا وشاتيلا واستشهد رفاق آخرين. بينما أعتقل الصهاينة في محلة كراكاس وتحديدا قرب عمار يعقوبيان الصديقين عبد القادر السيد وجمال العلعل. فيما استطاع الرفيقين خالد الراشد ووائل الخطيب الافلات من الصهاينة، لأن الجاسوس الذي كان برفقة الوحدة الصهيونية لم يتمكن من التعرف عليهما مثلما تعرف على عبد القادر وجمال، وقال في ذلك الوقت للجنود الصهاينة، إنهما مرافقين للقائد الشهيد طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية.

منزل العم جميل حمد – الزين – مخيم شاتيلا 1983. أبو اسماعيل، خالد، نضال، وائل وأم اسماعيل

في ذلك الوقت لا أنا عرفت ما حل بالرفاق الأربعة ولا هم عرفوا ما حل بي إلا بعد مرور الوقت. عبد القادر وجمال أسروا ولم يعلموا أنني أصبت في نفس وقت اعتقالهم. فيما بعد التحق بي بالمستشفى خالد ووائل. وكان خالد ينام عندي في غرفتي بمستشفى الجامعة الأمريكية طوال الوقت. بعد الخروج من المستشفى التقينا كلنا وسكنا معاً في ضيافة العم الراحل أبو اسماعيل حمد في مخيم شاتيلا. قضينا هناك أشهراً صعبة لكنها كانت بنفس الوقت ممتعة وتستحق أن نتذكرها. أفضل ما فيها كان حب الناس للناس، تضامنهم مع بعضهم، انتماءهم العظيم لفلسطين، دفاعهم المستميت عن القضية والمخيمات. اعتبار كل فدائي عربي وفلسطيني إبناً للعائلات الفلسطينية، فُتِحَت له البيوت والقلوب. هكذا كان بيت عمتي أم اسماعيل وعمي أبو اسماعيل حمد، بيتاً لكل الفدائيين العرب والفلسطينيين الذين تقطعت بهم السُبُل بعد حصار بيروت واحتلال لبنان سنة 1982.

افترقنا أنا ووائل في بداية شهر آذار – مارس 1983 حيث غادرت لبنان ومخيم شاتيلا لتلقي العلاج. وبعد ذلك الوقت بسنة أو أكثر قليلا توفي وائل ليرحل عن عالمنا تاركاً خلفه طفلاً يشبهه كثيرا، هو نجله محمد وائل الخطيب، الذي أصبح شابا ومناضلا يعمل في اوروبا ضمن لجان التضامن مع الشعب الفلسطينية ولجان المقاطعة ودعم الأسرى، بل كلل وملل.. يعمل لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين و يرى أن طريق التحرير والعودة يحتاج لمسار فلسطيني بديل.

نضال حمد

9-2-2021