الأرشيفوقفة عز

الرفيق الراحل حميد عبد العال – نضال حمد

حين أبلغت رفيقي وصديقي المهندس إياد حميد عبد العال أنني أود الكتاب عن والده الراحل رفيقنا في العمل الوطني الفلسطيني في مخيمات لبنان. لاحظت سرعة رده وتشجعه للقيام بذلك. كنت طلبت منه أن يرسل لي ما يمكن أن يكتبه إبن بار عن أبيه.. ورفيق صادق عن رفيقه الذي هو والده. فكان رده سريعاً، صادقاً وخارج من القلب عابراً للقارات. وصلني وشجعني على البدء فوراً بالكتابة عن رجلٍ كان رجلاً حقيقياً وعن مناضلٍ كان رفيقاً صادقاً وأميناً وعن معلمٍ كان أستاذاً ربى الأجيال لأجل العودة والتحرير… كما عن غابساوي أحب الغابسية وعشقها كما عشق كامل تراب فلسطين… وفي النهاية عن لاجئٍ من مخيم نهر البارد كان علماً من أعلامه وأيقونةً من أيقوناته، عرفه الكبير والصغير وما بينهما من خلال الحركة الكشفية ونادي يافا، الذي لايزال يعمل بالرغم من مرور سنوات طويلة على وفاة الرفيق حميد عبد العال.

هل يمكن تسميته بأرشيف الماضي؟

بحسب نجله إياد الذي يواصل حمل رايته، فإن والده الأرشيفي الموسوعي، الكشفي، الفدائي، الأكاديمي، المدرس والمربيّ، كان أرشيفا للعائلة. كما أنه كان رفيقاً وصديقاً أصيلاً إحترمه وجلّه رفاقه في جبهة التحرير الفلسطينية وأهله في مخيم نهر البارد.

قبل أن أتعرف شخصياً على الرفيق إياد كنت أعرف والده الرفيق حميد من خلال جبهة التحرير الفلسطينية، ومن خلال قائدها الأمين العام الشهيد طلعت يعقوب وبعض زيارات حميد الى مكتب الأمانة العامة ومكاتب الجبهة في بيروت قبل سنة 1982.

كان الرفيق حميد “أبو اياد” أمينا لسر منطقه الشمال للجبهة، ومسؤولاً عن منظمة الطلائع والشبيبة الفلسطينية في لبنان. كما كان ناشطاً في اللجان الشعبية الفلسطينية وفي اتحاد الشباب والرياضة. كان أيضاً أستاذاً، مدرساً ومربياً مختصاً باللغة الانجليزية والرياضة. حيث أنهى دار المعلمين في معهد سبلين الشهير في لبنان المخصص للاجئين الفلسطينيين.

الرفيق حميد عبد العال من جيل فلسطيني نهل العلم في مدارس الاونروا الابتدائية فالمتوسطة الاعدادية ثم في معهد سبلين في دار المعلمين.. فمعهد سبلين مصنع المعلمين والمهنيين الفلسطينيين، خاصة من أبنماء العائلات الفقيرة والأخرى ذات الدخل المحدود. لكن هناك آخرين أوضاعهم المادية أفضل استطاعوا اتمام دراساتهم في الجامعات اللبنانية والعربية والعالمية. هذا الكلام كان قبل أن تتعزز علاقات وقوة منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية. وقبل أن تبدأ تأمين البعثات والمنح الدراسية للطلبة الفلسطينيين، في دول عربية وفي الدول الأوروبية الشرقية الاشتراكية، أي دول حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي. كما أمنت منح دراسية في بعض الدول في آسيا وافريقيا.

بعد التخرج من سبلين أصبح حميد عبد العال مربيا للأجيال في مدارس الأونروا في مخيم نهر البارد. كان قبل ذلك عمل لمدة عامين في المملكة العربية السعودية. ثم عاد الى مخيم نهر البارد ليكون بين أهله وناسه، فقد كان وحيدا لوالديه. يقول نجله اياد: “والدي حميد عبد العال إرتقى سلم العلم ليسقط الجهل ويغرس زهرة المبادئ والقيّم وحب الوطن في حديقة الأجيال” .

إمتاز الرفيق حميد عبد العال بتواضعه وبجمال روحه وطيب معشره، بطيب سريرته التي تركت وقعاً طيباً وذاكرة عطرة بين وعند كل من عرفه. كما أنه طبع في عقول الأطفال والفتية والشبيبة صورة وطن كان دائماً حاضراً في وجدانه. فقد كان أباً حنوناً ومربياً لجيل من الشباب في صفوف حركة الكشافة، مجموعه يافا الكشفية والارشادية منذ عام ١٩٧٦. فعل ذلك هو ومجموعة من زملائه، فأصبح نادي يافا الرياضي والكشفي عنواناً لمخيم نهر البارد. وفي هذ الصدد يقول أبناؤه أن المؤسسة كانت مثل كلية وطنية، خرجت أجيالاً من الشباب، الذين بدورهم كان لهم الأثر الكبير في مجتمعهم.. فمعه نهلوا حب فلسطين والمُثَل والقيّم والأخلاق الحميدة.

حميد عبد العال حبيب الناس في المخيم والميادين ترك بصماته واضحة لكنه آثر أن يبقى بين الشباب. فمهعم ساهم في بناء وتطوير منظمه الطلائع والشبيبة الفلسطينية التابعة لجبهة التحرير الفلسطينية. هناك ترك بصمات جمه في جيلٍ كاملٍ يواصل تخليد ذكراه وإكمال مسيرته.. من هذا الجيل نجد أبناء الرفيق حميد عبد العال، الذي ساروا على درب والدهم والذين لازالوا ملتزمين بعمل ونهج والدهم. الذي كان له حضوره الكبير داخل مجتمعه.. فقد كان كما أسلفنا مربياً ومصلحاً اجتماعياً ومناضلاً لم يعرف إلا العمل الدؤوب في خدمه شعبه وقضيته .

كعربون وفاء وتقدير لعطاء المربي القائد حميد عبد العال، أقام نادي يافا الثقافي الاجتماعي في مخيم نهر البارد، في الثامن عشر من أيار ٢٠١٤ حفل تقديم جائزة حميد عبد العال للابداع، كتكريم للمبدعين، الذي خصص هذا العام لفئة الأدب والشعر. تم اختيار المكرمين من قبل اللجنة بناء على معيار الانتاج الأدبي في مجال التراث والأدب الشعر… وهم: الباحث في التراث الفلسطيني حسين لوباني، الروائي والفنان التشكيلي مروان عبد العال، الشاعر مروان الخطيب الشاعر شحادة الخطيب.

قال الروائي مروان عبد العال وهو أيضاً قريب الراحل حميد عبد العال في الحفل التكريمي المذكور:
” ليس بغريب علينا أن نقف اليوم لنكرم الأدب والأدباء… فثقافتنا هي الشكر للعطاء… لقاؤنا أيها الاخوة الكرام يحملُ عُنوانين متحدين: الوفاء واحترام العطاء في رحلة الابداع. وفاؤنا لشخص قدم حياته وزهرة شبابه لشعبه، لشبابه وشاباته، مابخل يوماً في أن يكون في طليعة أي عمل ثقافي وطني اجتماعي ورياضي. كشفُّي من الطراز الأول، رفيقٌ وطنيٌّ الى أقصى الحدود.
وفاؤنا لحميد عبد العال الذي تصغرُ معه الألقاب مقابل عطائه وعظيم تفانيه هو أقل عملٍ نرد به الجميل لهذا الرجل. وما جائزة حميد عبد العال للإبداع إلا بقعة ضوء جديدة في سماء عطائه المستمر فينا… ومن خلال مازرعه من شيّم ومحبة وأصرارا على مواصلة المسيرة حتى لو غابت الأشخاص وغادرتنا الأجسام…فروح ما تعلمناه منك وفي أصعب الظروف باقية تمدنا بغذاء البقاء وتشحننا بزيت الصمود والثبات”.

حميد عبد العال الأستاذ والمربي، الرفيق والقائد الكشفي والتنظيمي والمناضل والكادر الطليعي  والقائد المحبوب في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية، هو مؤسس العمل الرياضي في المخيم والجهة.. كان الناشط الدائم في خدمه شعبه والمؤثر في جيل الشباب… رحل لكنه ترك بصماته وذكرى لا تزول. رحل بصمت كما كان يعمل بصمت، من غير مقابل سوى حب وتقدير أهله وشعبه وأجيال من الشباب.. وتقدير وحب واحترام رفاقه في جبهة التحرير الفلسطينية حيث كان يحظى بثقة وتقدير القيادة وعلى رأسها الأمين العام الراحل الرفيق طلعت يعقوب..

رحل حميد عبد العال أرشيف الماضي التليد كما وصفه نجله إياد .. أرشيف مخيم نهر البارد كما أصفه أنا .. هذا الرجل الممتد بجذوره الأصيلة والعميقة الى قريه الغابسية، قضاء عكا في شمال فلسطين المحتله، التي ولد فيها عام ١٩٤٦ وغادرها مع أهله طفلاً، رضع حب الوطن وعاش ألم اللجوء منذ بداية حياته. عاش طفولته لاجئاً في مخيمات الشتات إلى أن إستقر به الحال في مخيم نهر البارد شمالي لبنان.

لاحظوا معي وبالذات فليلاحظ ذلك متتبعي سلسلتي المنشورة يومياً عن الشهداء والمناضلين، فالأستاذ والرفيق أبو اياد – حميد عبد العال – مواليد سنة 1946 في الغابسية قرب عكا بفلسطين المحتلة. والشهيد القائد جيفارا غزة الذي كتبت عنه يوم أمس في التاسع من آذار الجاري، أيضا نفس المواليد سنة 1946 في يافا المحتلة. كما أن الشهيد القائد جهاد حمو الذي سأنشر مقالتي عنه في ذكرى استشهاده ال 43 يوم 17 الشهر الجاري، تقريباً نفس المواليد في بلدة كفر عانا قضاء يافا في فلسطين المحتلة سنة 1949. فيما القائد الشهيد طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية مواليد العباسية قضاء يافا سنة 1944. هذا يوضح أن أطفال النكبة بعد سنوات في المخيمات فجروا الثورة من الخيام والشتات. فكانوا هم جيل الانطلاق بالعمل الفدائي سواء داخل أو خارج فلسطين المحتلة. في غزة والضفة أو في مخيمات الأردن وسوريا وكذلك في مخيمات لبنان. كانوا القدوة والطليعة بالنسبة للأجال اللاحقة.

الشعب الفلسطيني لا ينسى أبطاله ويتذكرهم ويخلدهم ويعاهدهم على المضي على طريق العودة والتحرير.

14-3-2021

الرفيق الراحل حميد عبد العال 

نضال حمد