من هنا وهناك

السـلـطة الـفـلسطينية والخـراف السـوداء ..!! – بـقـلـم : عـادل أبـو هـاشـم

 

انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب ولا سمعتها ، وقد مرت في العديد من الأقطار أحداث تاريخية عديدة جابهت فيها الأعداء بكل شجاعة وتضحية ، ومع ذلك برز من بين صفوفها من هادن هؤلاء الأعداء وأرشدهم أو سار في صفوفهم ، ومع ذلك استمرت السمعة الأصيلة مثلها الأعلى ولونها المشرق الجذاب ، وأصبح تاريخها النضالي منارة يحتذي بها في مقاومة الاحتلال على مر العصور .

تعرضت فرنسا لغزو هتلر الساحق ،  وركعت باريس مدينة النور تحت نير الاحتلال خاضعة مستسلمة  ، ووقع الماريشال بيتان صك الاستسلام ، وطوال أربع سنوات كانت جموع الفرنسيين في الخارج تكون حركة المقاومة ضد الغزاة  ، وكانت حركة المقاومة في الداخل تتزايد وتنمو ، مع وجود فريق ضالع مع المحتلين ، كان هناك من سالمهم وقدم لهم الغذاء ومن قدم لهم المعلومات والإرشاد ومخازن السلاح بما يشكل انحرافاً وخيانة بالمعنى الوطني ، ولكن فرنسا التي حررها الحلفاء تتربع اليوم معتزة بوطنيتها .

لم يشن فرنسا الجنرال بيتان ، ولم يخدش من سمعتها الأدميرال لا فال ، ولم تنزل من قيمتها جموع فتياتها على نهر السين يرحبن بالغزاة ، لم يشن فرنسا كل هذا لأن انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب .

وبريطانيا حين سلط هتلر جموع طائراته يدكها بالقنابل ، وحين أرسل جيوشه تدمر القارة الأوربية حيث رحلت جيوش بريطانيا تجر أذيال الخيبة ، و أضطرهم هتلر أن يستعملوا البواخر والصنادل والأخشاب هاربين من دنكرك ، وحين عاش شعبها في الأنفاق شهوراً طويلة ، كان أحد أبنائها يذيع من برلين كل مساء أن النظام البريطاني يجب أن يزول وأن ألمانيا هي التي أرسلتها العناية الإلهية لتقوم اعوجاجا وكان هذا هو المسمى اللورد (( هوهو)) .

  ومع ذلك يشهد التاريخ للشعب البريطاني بقوة الاحتمال والصبر الذي قاده إلى النصر أمام نكبات الحرب العالمية الثانية المريرة  ، ولم يشنه وجود بعض المنحرفين ذلك أن انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب .

ويطول بنا ضرب الأمثلة واستعراض الشواهد لو تحدثنا عن كوسيلنج في دول اسكندنافيا، وكيف عاون الألمان وساعدهم وساق قسماً من جيوش بلاده تدافع عن الاحتلال ، ومع هذا فشعب اسكندنافيا معتز بتاريخه المجيد وخيانة القلة لم تخدش من كبرياء الأكثرية شيئاً .

وكيف تحرك قسم من قادة إيطاليا يجرون الكرسي من تحت زعيمها موسليني حتى هوى ، أخذوا زعيمها وقائدها الذي كان يخيف الدنيا مكبلاً  بالحديد إلى ساحة دووموا في ميلانو وشنقوه من رجليه ثم انهالوا عليه بالرصاص .

ومع هذا فشعب إيطاليا يكرر أنه بذل في الحرب الكثير استهدافاً للنصر ، وأن الأحداث المختلفة أو انحراف قلة من أفراده لا تجعله يحاول التخلص من تاريخ المجد العريق .

نذكر ما سبق ونحن نتابع باستغراب شديد الورقة البحثية المهمة التي ناقشتها حركة المقاومة الأسلامية ” حماس ” في اجتماع كتلتها في المجلس التشريعي مؤخرا ، والتي طالبت باجتثاث ظاهرة التنسيق الأمني و ” النهج الحاضن لها برمّته  ” .!

إستندت الورقة إلى حقائق عميقة عن فكرة  ” التنسيق الأمني ” ، وعواقبه وتبعاته على الفلسطينيين وقضيتهم منذ بدأت كبرنامج لـ ” الادارة المدنية ”  التابعة لوزارة الحرب في الجيش الاسرائيلي في شهر مارس ” آذار ” 1981 م .

حيث كانت المهمة المناطة بالإدارة المذكورة هي  ” تجنيد أكبر عدد من العملاء المتفرغين مدفوعي الأجر ”  ، واتضح أن عدد العملاء تجاوز ” 760 مخبرا ميدانيا ” ، مهمتهم توفير المعلومات والتقارير الأمنية المتعلقة بكل ما يمكن رصده لإجهاض أي فعل مقاوم .!

الورقة ذاتها تطرقت إلى كون موضوع العملاء أخذ بتصدّر جداول أعمال اللجان الثنائية الأمنية والعسكرية المشتركة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ،  والتي كان آخرها المفاوضات في روما عام 1994 م والتي تم الاتفاق فيها بين رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة محمد دحلان ونظيره في الضفة الغربية جبريل الرجوب من جهة ورئيس جهاز المخابرات الاسرائيلي ”  شين بيت  ” يعقوب بيري ، ونائب رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي أمنون شاحاك من جهة ثانية ، والتي أعطت فيها  اسرائيل  حرية الحركة والعمل في مختلف المناطق الفلسطينية لجهاز الأمن الوقائي مقابل أن يقوم الجهاز المذكور بحملة واسعة ضد المعارضة الفلسطينية آنذاك وخاصة حركة حماس ، ويزودها بتقارير أمنية مفصلة حول ذلك . !

وتحدثت الورقة عن رئيس السلطة محمود عباس باعتباره  ” عرّاب  التنسيق الأمني ” ، إذ كان الموضوع على رأس أولوياته حين تسلم رئاسة السلطة عام 2005 م ، بما فيه إعادة الاعتبار للـ  ” 760 ” عميلا ،  وتقنين قيودهم على قوائم الأجهزة الأمنية . !

(  لم يخف محمود عباس في تصريحات نشرتها صحيفة “هآرتس” العبرية  اعتزازه بالإجراءات القمعية التي تمارسها أجهزته الأمنية بحق أجنحة المقاومة وسلاحها في الضفة الغربية المحتلة ، بل زاد على ذلك حين أعرب عن فخره بالقضاء على البنية التحتية لحركتي “حماس ” و ” الجهاد الإسلامي ”   ، وحل ”  كتائب شهداء الأقصى  ” الجناح المسلح لحركة فتح ” حيث سلم أفرادها السلاح مقابل أن تعفو عنهم إسرائيل..!!) .

ويتساءل الأنسان الفلسطيني  بمرارة :

لماذا ظهرت ظاهرة العملاء بوضوح شديد بعد دخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحررة عام 1994م  ؟ مع العلم أن  هذه الظاهرة قد تم القضاء عليها في الانتفاضة الأولى منذ عام 1987م إلى عام 1994م ، حيث هرب قسم منهم إلى داخل إسرائيل ،  والباقي ذهب إلى المساجد لإعلان التوبة .!

وكيف استطاعت هذه الإفرازات والمظاهر الانحرافية التي لا تمت بصلة إلى عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني ،  وبعيده كل البعد عن مبادئ الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني الذي قدم لها هذا الشعب قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين أن تصبح أحصنة طروادة للعدو الأسرائيلي  في اختراق المجتمع الفلسطيني .؟!

هل كان لتصاعد الحس الوطني ومشاركة الشعب الفلسطيني بكل شرائحه في فعاليات الانتفاضة الأولى سبب في القضاء على ظاهرة العملاء .؟

وإذا كان كذلك فهل أفرزت عملية التسوية حالة من تقبل الشارع الفلسطيني لإمكانية التعاطي مع العدو الإسرائيلي في ظل الحديث عن دور بعض المتنفذين في السلطة في تنظيف ( الخراف السوداء ) وتبييضها وغسل عارها ومن ثم إدخالهم في أجهزة السلطة ؟ !

وكيف سقطت القيم والقدوة الحسنة في نظر هؤلاء العملاء وفضلوا التعاون مع العدو في قتل أبناء شعبهم .؟ !

وأي مبررات كافية لقيام ابن الوطن بتسهيل مهمات العدو الصهيوني على ارتكاب أبشع المجازر والمذابح بحق أبناء وطنه .؟ !

وما هو مبرر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتغاضي عن العملاء الذين ساهموا بأكثر من شكل من أشكال التعامل من سقوط هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى والأسرى .؟ !

وإذا كانت الأجهزة الأمنية تستطيع أن تتغاضى و تتسامح وتتنازل عن حقها في معاقبة هؤلاء العملاء ، فإن أيتام وأرامل وثكالى الشعب الفلسطيني البطل ، وشواهد القبور وجدران الزنازين لا يمكن أن يتنازلوا عن حقهم في الأخذ بالثأر من الخونة والعملاء الذين برزوا للعلن و تحت حماية هذه الأجهزة في أغرب ظاهرة يتعرض لها الشعب الفلسطيني ‍‍‍.

من هنا جاءت أهمية الورقة البحثية التي طالبت باجتثاث ظاهرة التنسيق الأمني وكل أدواته التي أفرزت ظاهرة العملاء  .

ومع ذلك لا يشين الشعب الفلسطيني انحراف قلة ضئيلة إلى جانب نصاعة تضحيات وبطولات وجهاد هذا الشعب .

اترك تعليقاً