الأرشيفبساط الريح

السلطة.. والعودة لاكتشاف “التحيُّز الأميركي”! – عبداللطيف مهنا

ازالت وزارة الخارجية الأميركية من على موقعها الإلكتروني مدخلاً لصفحةٍ تقع ضمن لائحةٍ بمسمَّيات البلدان والمناطق المدرجة على هذا الموقع عادةً، وكان ما ازالته هو “الأراضي الفلسطينية”.

لا غرابة وليس من مفاجأةٍ، ولا حتى جدة، في أمر يتفق ويتسق مع مسار تاريخي لثوابت السياسات الأميركية العدوانية المعلنة والمطبَّقة تجاه سائر قضايا الأمة العربية، وعلى الخصوص قضية قضاياها، القضية الفلسطينية. هذه السياسات المتماهية كلياً في جوهرها، وسواء أعُبِّر عنها مواربةً أو مباشرةً، مع الاستراتيجية الصهيونية والسياسات العدوانية لتطبيقها في فلسطين والمنطقة برمتها، ومهما تباين هذا التماهي في مظاهره لا في جوهره، إبان تعاقب مختلف الإدارات الأميركية، وصولاً إلى راهنها في حقبته الترامبية.

ما انتهى إليه هذا المسار يمكن تلخيصه بالتالي، القدس عاصمةً ابدية لمحتليها، وهؤلاء لهم الحق حصراً في امتلاك واستيطان كل ما احتلوه من الأرض العربية في كامل فلسطين، قبل النكبة الأولى ومن بعدها، وفوقه الجولان السوري المحتل. وعليه، لم يعد هناك ما يمكن اعتباره محتلاً، واستطراداً، لا وجود لما يطلق عليه “الأراضي الفلسطينية”.. تبقى الخطوة اللاحقة المترتبة، وهي ليس ثمة من قضيةٍ فلسطينيةٍ، وبالتالي من الجائز حتى إنكار وجود شيء اسمه الفلسطينيين على ظهر هذه البسيطة!

وإذ هذا ليس بالمستغرب أو المستهجن من دوله امبريالية تضعها عدوانيتها التاريخية اتجاه الأمة العربية بمرتبة العدو الأول بامتياز، وترى في الكيان الصهيوني امتداداً عضوياً لها وذا نشأةٍ استيطانية استعمارية تقوم على مبدأ إبادة الآخر على شاكلة نشأتها، فإن المفارقة التي تأخذنا إلى ما هو الأشبه بنوع بائس من الكوميديا السوداء هي في أن هذا الإجراء الأميركي قد أثار حفيظة الأوسلويين الفلسطينيين، بل واستفزَّهم، ولدرجة أنه قد دفعهم إلى ما يلي:

التداعي لعقد اجتماعٍ بين رئيس سلطة “التنسيق الأمني” مع المحتلين ورئيس وزراء اوسلوستانه تحت الاحتلال، وليخرجا من ثم باستنتاج جازمٍ وحاسمٍ مفادة أن مثل هذه الخطوة الأميركية “تؤكّد التحيَّز الأميركي تجاه إسرائيل”.. بينما رأى كبير مفاوضيها مدى الحياة في هذه الخطوة ما يعني “تقدُّم جدول اعمال مجلس المستوطنين الإسرائيليين”!!!

إن هذه الغضبة وما تلاها من توصيف، هو في حده الأعلى الأقرب إلى معاتبة مخذول لمن حذله، والتي تأتي بعد ربع قرن اوسلوي كارثي أوصلهم واوصل القضية إلى حيثما هم وهي الآن، وكان لحمته وسداه هي المراهنة على الحلول التسووية التصفوية، والاتكال على عدالة راعي السلام الأميركي إياه، تثبت أن هذه المراهنة الكارثية لا زالت قائمة.. باقية ما بقيت اوسلوستان. وإن المراهنين الواهمين ومن هم الآن رهائنهم في قفص الاحتلال ولا زالوا يراهنون عليهم، هم موضوعياً حلقة تصفوية واحدة.. وواقعاً، بالنسبة لشعبنا، يشكلون معسكراً واحداً.. والسؤال، ومتى سيطالب مثل هؤلاء العاتبين المخذولين بالانضمام ل”مجلس المستوطنين”؟!

 

السلطة.. والعودة لاكتشاف “التحيُّز الأميركي”!
عبداللطيف مهنا