الأرشيفعربي وعالمي

الشهيد المفقود بن الطيب .. مغربي قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية – عبد الإله المنصوري

الشهيد المفقود بن الطيب .. بركاني قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية

الشهيد المفقود بن الطيب .. بركاني قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية

 السبت 10 مارس 2018 – 20:00

قصة مثيرة للاهتمام تلك التي تحكيها تجربة هذا الفدائي المغربي الذي التحق بصفوف الثورة الفلسطينية بعد نكسة 1967؛ إنها قصة الشهيد المفقود حسن بن الطيب التي انطلقت منذ ميلاده سنة 1949 في مدينة بركان شرق المغرب، مرورا بفرنسا، العراق، الأردن وسوريا ثم لبنان وفلسطين، حيث انتهت في بيروت ذات يوم بارد من سنة 1983، وهو في سن الرابعة والثلاثين.

الميلاد والنشأة

وُلد الشهيد المفقود حسن بن الطيب في أحد أيام سنة 1949 بحي السلام بمدينة بركان، سنة واحدة بعد نكبة فلسطين، حيث كان المغرب يرزح تحت سياط الاحتلال، من أب وأمّ جاءا إلى بركان من دوار “وكوت”، الذي يوجد في منطقة بني يزناسن الأمازيغية المعروفة بمقاومتها الشرسة للاستعمار.

تابع الطفل حسن دراسته كسائر الأطفال بإحدى المدارس في بركان حتى نهاية التعليم الإعدادي، قبل أن يصبح تقنيا في الكهرباء، إذ جعل منها مهنته المفضلة.

“لم يكن له انتماء سياسي محدد”، كما يؤكد ذلك شقيقه عبد القادر، الموظف المتقاعد في وزارة الفلاحة الذي يكبره بسنتين، لكن نباهته واهتماماته كانت واضحة.

“بينما هو يحلق رأسه ذات مرة، وهو يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه الحلاق صالح بعد نكسة 1967، حتى بادره الأخير قائلا: لم لا تهاجر للجهاد في فلسطين؟ فرد عليه حسن قائلا: أتمنى أن يكتب لي الله ذلك”. قصة مازالت عالقة في ذاكرة شقيقه عبد القادر، ظل الحلاق صالح يحكيها دائما حين علم بالتحاق حسن بصفوف الثورة الفلسطينية.

لم يلبث بعدها الشاب حسن كثيرا حتى حقق حلمه ذاك، وكانت هجرته إلى فرنسا بقصد العمل مدخله لتحقيق ذلك الحلم.

الهجرة إلى فرنسا بداية الطريق

كانت مغادرة حسن بن الطيب إلى فرنسا وهو لم يبلغ العشرين من العمر، حيث استقر في حي باربيس الشهير بالعاصمة الفرنسية، وهو الحي المعروف بجالية عربية كبيرة، خاصة تلك المنحدرة من منطقة المغرب العربي الكبير، حيث اشتغل في إحدى الشركات المتخصصة في غسيل القطارات. وفي سياق وأجواء انتصار الثورة الجزائرية هناك، والنقاش الحامي الذي خلّفه حراك ماي 1968، كان لقاء الشاب حسن بن الطيب بمجموعة من المناضلين العرب الذين كانوا يساندون القضية الفلسطينية عبر أنشطتهم في إحدى لجان دعم المقاومة الفلسطينية، وعبرهم تشبع بقيم الثورة الفلسطينية وقرر الالتحاق بها على ضوء نقاشه معهم.

والراجح عندي أن الأمر يتعلق بلقاء لعب فيه المناضل الجزائري الشهيد محمد بودية (قصته تستحق أن تُحكى بالفعل)، الذي كان أحد أبرز قادة منظمة أيلول الأسود ورفيق الرئيس بنبلة وسعيد السبع (أول ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر ومحرر بيان اللاءات الثلاث الشهير في قمة الخرطوم العربية مع كل من أحمد الشقيري وشفيق الحوت)، والشخصية الفريدة التي ارتبطت بالشهيد وديع حداد، أتصور أنه صاحب الدور الأساسي، باعتباره الشخص الذي أقنع عددا من المناضلين العرب والأجانب بالالتحاق بالثورة الفلسطينية، ومن ضمنهم المناضلتان المغربيتان الشقيقتان نادية وغيثة برادلي، مثلما لعب دورا أساسيا في تطوير وعي كل من الراحليْن بوجميع أحكور والعربي باطما بالقضية الفلسطينية بعد مكوثهما معه أشهرا في باريس، وكانا على وشك الالتحاق بقواعد الثورة الفلسطينية للمشاركة في الكفاح المسلح، كما يحكي ذلك الراحل العربي باطما في حوار له منشور مع الدكتور بدر المقري؛ حتى أن مجموعة ناس الغيوان أَهْدت للشهيد بودية مجموعة من الأسطوانات تحت اسم فلسطينيات، خاصة تلك التي تتضمن أغاني “يا صاح”، “مزين مديحك” و”غير خذوني”، بعد اغتياله من طرف الموساد الصهيوني في باريس سنة 1973…

وهكذا كان العراق أول محطة للشهيد لتتلوها محطات أخرى انتهت في لبنان، إذ إن عائلة حسن بن الطيب لم تعرف خبر التحاقه بالثورة الفلسطينية إلا بعد سنوات حين توصُّلها ببطاقة بريدية من لبنان مطلع السبعينيات تحمل اسمه بدون تفاصيل، فاشتد شوق والديه وكل العائلة لرؤيته. وبعد مدة كانت زيارته الأولى إلى المغرب (من ضمن ثلاث أو أربع في المجموع) حين استقبلته العائلة كاملة في مطار وجدة لتكتشف شخصية أخرى لم تكن تعرفها عنه في السابق. “لقد أصبح يتكلم بطريقة أخرى، شخصية تنضح لياقة وذوقا في طريقة حديثه، مثلما أصبح صاحب ثقافة ورؤية واسعة للقضايا والأحداث بشكل لم نعهده فيه من قبل، ما جعل العائلة منبهرة بالصورة الجديدة التي أصبح عليها ابنها حسن”، يحكي لي شقيقه عبد القادر.

الالتحاق بجبهة التحرير العربية

كان العراق المحطة الأولى في رحلة الشهيد حسن الطويلة للالتحاق بالثورة الفلسطينية، إذ كان يحتضن الكثير من قواعد التنظيمات الفدائية الفلسطينية، وفي مقدمتها أبرز تنظيمين حينها؛ حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لكن في الأثناء تم الإعلان عن تأسيس جبهة التحرير العربية التي كانت تنظيما فلسطينيا يحمل مرجعية حزب البعث العربي الاشتراكي الذي قرر في مؤتمره التاسع المنعقد في أكتوبر 1968 إطلاق تنظيم فلسطيني مقاوم يستطيع استيعاب الشباب العرب المتدفقين على بغداد حينها.

وهكذا كان الشهيد حسن من أوائل الملتحقين بها، وبعد استفادته من دورات عسكرية مكثفة هناك على مختلف أنواع الأسلحة، خاصة في معسكر التاجي الذي كان مخصصا لأعضاء الجبهة ولا يسمح لأحد بالولوج إليه حتى ولو كان منتميا للجيش العراقي، انتقل إلى الأردن وبالضبط إلى “قاعدة الشهيد عبد الكريم المالكي” في مدينة عجلون القريبة من منطقة تنفيذ عمليات المقاومة المسلحة حينها في غور الأردن على الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث شارك في عمليات للمقاومة هناك.

وبعد انسحاب الفصائل الفلسطينية من الأردن عقب أحداث أيلول الأسود (1970) انتقل الشهيد حسن إلى قواعد جبهة التحرير العربية في لبنان، وبالضبط إلى مخيم النبطية الموجود قرب قلعة الشقيف في الجنوب اللبناني، التي كانت منطقة نشيطة في القيام بعمليات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين أو في مواجهة اعتداءاته على الجنوب اللبناني.

ومن خلال وجوده هناك شارك في عدد من العمليات العسكرية داخل فلسطين المحتلة وفي الجنوب اللبناني، وكان حينها صديقا مقربا لعدد من قادة جبهة التحرير العربية (رومل العزة قائد المنطقة، سرحان، أبو الفوز…). مثلما كان رفيق درب السلاح لفدائي مغربي آخر في نفس التنظيم، هو الشهيد عبد الرحمن اليزيد أمزغار ابن الريف، حيث كان أبو الطيب ( لقب الشهيد حسن) أبرز العاملين في الكفاح المسلح هناك، حتى نال احترام الجميع”، مثلما روى لي السيد جمال الحيالي المناضل العراقي في جبهة التحرير العربية حينها.

وفي هذا السياق كانت لديه علاقة مع الجميع، بدءا من عبد الرحيم أحمد، أمين عام جبهة التحرير العربية، إلى آخر مناضل فيها.. وكان من المتحمسين لبناء قواعد مشتركة مع فتح وغيرها من فصائل الثورة الفلسطينية. و”لم يكن الشهيد حسن المغربي الوحيد حينها في جبهة التحرير العربية، بل كان معه مغربيان آخران انقطعت أخبارهما، أحدهما اسمه محمد الصحراوي (انقطعت أخباره سنة 1973)، مثلما كان هناك شاب آخر اسمه محمد الصوفي (يحمل جوازا عراقيا تماما مثل حسن بن الطيب) غابت أخباره منذ 1978″، مثلما ذكر لي صهره الحاج معين.

مرحلة حركة فتح

كان الشهيد حسن بن الطيب في الأصل مقاتلا في صفوف جبهة التحرير العربية، وكان صاحب تجربة عسكرية كبيرة اكتسبها في العمليات التي شارك فيها، مثلما كان خبيرا في وضع المتفجرات وتفكيكها.

“كان أبو الطيب يداوم عمله الفدائي في جبهة التحرير العربية بمخيم النبطية، وفي هذا الوقت تعرف على أبي عن طريق شقيقي الشهيد إبراهيم الحاج المقاتل في جبهة التحرير العربية، ليحتضنه هو ومناضل مغربي آخر اسمه الصوفي، وأصبحوا يزوروننا في البيت بمخيم النبطية قبل قصفه، واضطرارنا لمغادرته نهائيا. بعدها طرح أبو الطيب على أبي الحاج أحمد مسألة مساعدته على الزواج، فأخبره بوجود أخت لزوجته أم إبراهيم (هي نجاة قاسم ميزاري المنحدرة من قرية ديشوم الفلسطينية التي يسكنها فلسطينيون من أصول مغربية)، وكانت موظفة بالأونروا، ومستقرة في مخيم البصّ بمدينة صور، خاصة أن سمعة أبو الطيب كانت جيدة، رجل مقدام وآدمي؛ ما جعل الزواج ناجحا بين أبي الطيب والمرحومة نجاة قاسم، خالتي التي قامت بتربيتي، ما جعلني أتعرف عليه منذ سن مبكرة”، يقول الحاج معين في لقاء لي معه بمدينة صيدا.

في وضعه الأُسري الجديد أصبح الشهيد حسن يعيش في ظل أجواء فتحاوية، تكرست عنده، خاصة بعد إصابته برصاصة في عظم فخذه أثناء مواجهة مع قوات الاحتلال جعلته يتحرك بنوع من الصعوبة لاحظها أخوه في المغرب أثناء زيارة أخرى للعائلة هناك. “لكننا لم نعرف سبب ذلك، لأنه كان كثير التكتم ولم يكن يخبرنا بمعلومات عن عمله، بل ولم يكن يخبرنا حتى بتوقيت زياراته للمغرب”، يضيف شقيقه عبد القادر.

بعدها ترك العمل القتالي في الجبهات، وأصبح موظفا في دائرة الشؤون الاجتماعية المكلفة بالشهداء والأسرى داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وبهذه الصفة أصبح مسؤولا عن منطقة مدافن الشهداء في مخيم شاتيلا، خاصة بعد انتقال الأسرة إلى هناك، لكنه سيعود لحمل السلاح بعد اجتياح قوات الاحتلال الصهيوني لبيروت سنة 1982، وخاصة حين تمت مهاجمة مخيم صبرا وشاتيلا وتنفيذ المجزرة الرهيبة فيه. إذ كان الشهيد أبو الطيب من الذين أشرفوا على دفن شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، باعتبار ما يحظى به من احترام وهيبة كبيرة ومحبة من الجميع، مثلما كان خفيف الظل وصاحب قدرة كبيرة على التواصل مع الناس.

وقد تميز الشهيد في مهمة إشرافه على منطقة مدافن الشهداء التي رتبها بشكل جيد، حيث تضم الشهداء العرب والأجانب مسلمين ومسيحيين وغيرهم؛ رغم كونها منطقة تماس غالبا ما تتعرض للقصف والقنص ومع ذلك استقر في المنطقة هناك مع زوجته وأولاده.

“قبيل مجزرة صبرا وشاتيلا تحول إلى مرجع للعائلة، يدير أمورها، خاصة بعد وفاة صهره قاسم ميزاري؛ وأثناء الاجتياح الصهيوني لمخيم صبرا وشاتيلا نقل أسرته إلى منطقة الشياح وعاد للقتال دفاعا عن المخيم في مواجهة الجنود الصهاينة الذين هاجموا المخيم وارتكبوا المجزرة، إذ إنني شاهد على أن المهاجمين للمخيم كانوا جنودا صهاينة بلباسهم ودباباتهم، ولم أشاهد أحدا من القوات الفاشية اليمينية اللبنانية التي تحالفت معهم”، يقول الحاج معين.

وفي سياق الحديث عن مناقبه حكى لي المناضل لحسن أيوبي (القيادي الحالي في الحزب الاشتراكي الموحد) الذي كان قد التحق بالثورة الفلسطينية وحركة فتح مع مجموعة من الشباب اليساري سنة 82 بعد اجتياح بيروت، قصة لقائه بالشهيد حسن في معسكر للتدريب بمنطقة شتورة اللبنانية القريبة من الحدود السورية، حيث كان خفيف الظل، لطيف المعشر، إذ حكى مع المجموعة بلكنة فلسطينية حتى ظنوه كذلك، قبل أن يخرج جواز سفره المغربي من جيبه ويطلعهم عليه، ليقضوا معه أمسية كاملة من النقاش المرفوق بفُكاهة جالبة للارتياح.

قصته مع الشهيد الحسين بنيحيى الطنجاوي

كانت للفدائيين المغاربة علاقات مع بعضهم البعض، مهما اختلفت التنظيمات الفلسطينية التي ينتمون إليها، إذ إن القضية الفلسطينية كانت توحدهم في النهاية.

وفي هذا السياق تتذكر هدى، البنت الكبرى للشهيد حسن، قصة معبرة عن تصرف أبيها حين جاءه خبر استشهاد المناضل المغربي الحسين بنيحيى الطنجاوي، ابن مدينة تطوان، في إحدى العمليات الفدائية التي قامت بها مجموعة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يوم 28/11/1974، وحين وصول جثمانه إلى مدافن الشهداء في شاتيلا، بعد أن قام الصهاينة بإلقائه على الجانب اللبناني من الحدود، حمل بندقيته وشرع يطرق أبواب الفلسطينيين هناك ويقول لهم إن هذا شهيد من المغرب ينبغي الاحتفاء به والبكاء عليه مثل أي شهيد فلسطيني.. وأقام له مراسيم عزاء تليق بمقامه في بيته القريب من مدافن الشهداء في مخيم شاتيلا، جاعلا ضريحه غير بعيد عن ضريح رفيقه في الشهادة الأديب غسان كنفاني إلا ببضعة أمتار.

هذا التكريم أعادت جزءا منه ابنته هدى بعد 44 سنة من هذه الحادثة، حين قامت بتجديد بناء ضريح الشهيد الطنجاوي، ما جعله ظاهرا بين أضرحة رفاقه الشهداء، في إخلاص مُعبر لوالدها الشهيد وتأكيد على السير على نهجه.

الاختطاف: استشهاد مع وقف التنفيذ

يحكي شقيقه عبد القادر قصة آخر لقاء له به؛ ذلك أنه “لما جاء في زيارته الأخيرة للمغرب سنة 1983، وكانت هي الثالثة أو الرابعة منذ مغادرته لبلده، كان معي حينها في بركان واتصلت به زوجته المرحومة نجاة تخبره أنها توصلت في البيت باستدعاء من الأمن اللبناني، فقطع زيارته للعائلة وقال تلزمني المغادرة، وسافر إلى بيروت، لتنقطع خطوط الاتصال به منذ ذلك العهد”.. فما هي قصة اختفائه إذن؟.

تتذكر ابنته هدى أنه بعد رجوعهم كأسرة إلى مخيم شاتيلا عقب المجزرة الشهيرة التي حصلت فيها، تم اكتشاف عبوة ناسفة داخل المخيم، “قام الشهيد بتفكيكها ونحن نطل عليه من نوافذ البيت، قبل مجيء فرقة من الجيش اللبناني. وبعد مدة أصبح محط متابعة من بعض أطراف الجيش اللبناني (المنقسم حينها في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية) حيث أصبح حديث الناس”.

أما سبب استدعائه للأمن العام فكان مرتبطا بقصة كمية كبيرة من الأسلحة اكتشفت في مدافن الشهداء في شاتيلا، إذ كانت من الأسلحة التي حرص الشهيد ياسر عرفات على تأمينها لفلسطينيي المخيمات بعد الاتفاق مع المبعوث الأمريكي فيليب حبيب على خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان إلى تونس، ليستثني عرفات منهم حوالي 2000 مقاتل، وكذا أسلحة مؤمنة في المخيمات لحماية الشعب الفلسطيني هناك، لأن زعيم الكتائب بشير الجميل كان يريد تحويل مخيم شاتيلا إلى حديقة حيوانات بعد تحريرها من الفلسطينيين كما قال ذات مرة.

( لنا في موقع الصفصاف تحفظ على هذه الفقرة وما ورد فيها من معلومات غير مؤكدة عن ال 2000 مقاتل والسلاح. ليست معلومات دقيقة.).

“وقد قام بعض المخبرين بنقل معلومة عن وجود سلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية في مقبرة الشهداء، فجاءت مجموعة من الجيش اللبناني بلباسها العسكري، أذكر التوقيت، حينها كانت الساعة حوالي الثانية زوالا، واستخرجوا كمية من السلاح من خمسة قبور فارغة سُجّلت عليها أسماء وهمية، وكان هناك خائن يدلهم على ذلك، فتم على ضوء ذلك استدعاؤه للأمن العام، حيث كانت المنطقة تابعة لقوى مرتبطة بالإسرائيليين”، تؤكد ابنته هدى.

وفي أول جلسة له حضر معه القنصل المغربي حينها في بيروت الذي رافقه لحضور جلسة الاستماع الأولى، حيث أنكر بالطبع معرفته بوجود تلك الأسلحة في المقبرة، وتم تأجيل الموعد بعد عشرة أيام ليعود مجددا للأمن العام، حيث رفض أن يصحب معه من جديد ممثلا عن السفارة المغربية رغم إلحاح القنصل على وجوب مرافقته من طرف أحد العاملين بالسفارة، إذ كان يصرح بأنه سيواجههم بشجاعة. لكن ظهر أن الموعد كان بمثابة فخ له حيث جرى اختطافه، بعد أن أكدت مصلحة الأمن العام التي استدعته أنه لم يحضر جلسة استدعائه الثانية، حيث ترجح الإفادات أن جهات سلمته للصهاينة بعد اختطافه.

“لي أمل في عودته مهما طال الزمان، قد يكون مازال معتقلا في السجون الصهيونية. صحيح الوقت طويل منذ فقدانه لكن الأمل لا يخبو لدي”. هكذا قال لي شقيقه عبد القادر وغُصة فقدانه بادية على ذبذبات صوته.. إنه الأمل نفسه الذي ظل والده الحاج التهامي متعلقا به حتى وفاته سنة 1994، أما والدته الحاجة رحمة برشيد فتوفيت في نفس سنة اختطافه دون أن يخبرها أبناؤه بقصة مصيره.

عائلة معلقة بين المغرب وحلم فلسطين

غادرت أسرة الشهيد حسن بن الطيب مخيم شاتيلا في اتجاه المغرب في شهر ماي 1984.. “بقينا هناك في حي مربوحة بمدينة بركان حتى سنة 1990 لنرجع إلى لبنان وبالضبط لمخيم المية ومية في صيدا، حيث لم تستطع والدتي الفلسطينية رحمها الله التكيف مع الأوضاع المستجدة عليها في المغرب، وفضلت الرجوع إلى بيئتها في لبنان”، تقول ابنته هدى. وهكذا يعيش أبناء الشهيد حسن بن الطيب (هدى، الطيب، ماهر، فاطمة، رابحة، رندة، نجوى) نصيبهم من التغريبة الفلسطينية، موزعين على المخيمات بظروفها الصعبة في لبنان وسوريا وكذا في الشتات، في انتظار التأكد من مصير أب لهم يفتخرون دوما بما قدمه من تضحيات في سبيل فلسطين التي هاجر إليها اختيارا يحمل أمل تحريرها من الاحتلال، منتظرين نهاية سعيدة تغلق كتاب تضحياته، حتى ولو كان قبرا يضم رفاته بعد طول انتظار ومعاناة.

هكذا تكون جهة الشرق قد أسهمت بثلاثة شهداء في الجهد الشعبي المغربي لتحرير فلسطين، الشهيد حسن بن الطيب من مدينة بركان، والشهيدان أحمد البوشيخي وعبد القادر بوناجي المنحدران من مدينة وجدة؛ الأول اغتالته أيادي الموساد في النرويج سنة 1973 بسبب علاقته مع الفلسطينيين، والثاني التحق بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول” انطلاقا من مدينة مونبوليي الفرنسية حيث كان يدرس الطب هناك، ملتحقا بصفوف الثورة الفلسطينية إلى حين استشهاده في إحدى المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيروت.

المصدر : هسبريس