الأرشيفوقفة عز

الشهيد تيسير محمد الشايب 1963-1985 – نضال حمد

ولد شهيدنا تيسير الشايب في مخيم عين الحلوة سنة 1963، وهو ابن جيلي بالضبط، جيل المولودين سنة 1963. درس في مدارس المخيم الابتدائية والتكميلية التابعة للانروا وحتى أنهى المدرسة المتوسطة في مدرسة حطين. كانت تلك المدارس في المخيم بمثابة المرحلة الأولى في تكوين وعينا الفلسطيني وثقافتنا الفدائية المقاومة. هناك تتلمذنا وتعلمنا وتثقفنا وطنياً وقومياً وتقدمياً على أيدي أساتذة ومعلمين فلسطينيين، كانوا يحرصون على تعليمنا مع المواد الدراسية الأخرى أهم مادة وهي مادة تاريخ وجغرافيا فلسطين وسُبُل تحريرها.

الصديق الشهيد تيسير محمد الشايب، الشاب الخلوق والرايق، الصديق الجميل والمتمرد، الرفيق الشجاع والمقدام، الأخ الذي لم تلده أمهات اخوته في السلاح. زميل مقاعد الدراسة والمدرسة والحارة والصبا. الجار في المخيم مثلما أهله كانوا جيران أهلي في الجليل الأعلى المحتل. فبلدتي الصفصاف والرأس الأحمر متجاورتين في الجليل الفلسطيني. وسكان القريتين الذين لجأوا الى لبنان وبالذات الى مخيم عين الحلوة تجاوروا أيضاً في المخيم. وتناسبوا وتواصلوا وصبروا وصمدوا ولازالوا صابرين وصامدين، أمنيتهم العودة الى كل فلسطين.

منذ الصغر وكغالبية أبناء جيله أخذ تيسير يحلم بالعودة الى فلسطين، ويتمنى أن يكبر بسرعة ليلتحق بالثورة وبقوافل الفدائيين، بعد أن يمر بمعسكر الأشبال وبدورات خاصة تؤهله لأن يصبح فدائيا ومقاتلاً يمكنه خوض المواجهات وتنفيذ العمليات. وأراد أن يسير على درب شقيقه الشهيد محمود محمد الشايب الذي ولد في مخيم عين الحلوة سنة 1960 واستشهد في صيدا سنة 1977. العجيب في قصة الاستشهاد أن الشقيقين استشهدا في يوم الأربعاء وبتاريخ العاشر، محمود استشهد يوم الأربعاء المصادف 10-11-1977 وتيسير يوم الأربعاء المصادف 10-4- 1985.

في تلك الفترة من الزمن الثوري الفدائي الفلسطيني كانت الفصائل الفلسطينية تجذبنا نحن صغار المخيم عبر شعاراتها وسياساتها، كما كانت للعوامل العائلية ولعامل الصداقة علاقة قوية بقرارنا حول الالتحاق بهذا أو ذاك الفصيل. لذا فإن التحاق الأخ أو القريب الأكبر منا سناً أو الصديق الحميم بالتنظيم الفلاني، كان له تأثيره العملي والفعلي على قرارات الآخرين بالالتحاق بأي من تلك الفصائل والتنظيمات الفلسطينية اليسارية أو الأخرى المنوعة.

صديقنا ورفيقنا الشهيد تيسير الشايب اختار الالتحاق بحركة فتح فدائياً في صفوف الثورة الفلسطينية وكان ذلك عام 1979. حيث التحق في سريّة المضادات الأرضية في منطقة سيروب، المشرفة من علٍ على مخيم عين الحلوة، وحيث يقيم الآن شقيقه الصديق والنسيب ابراهيم الشايب، بعدما تعذر عليه وعلى عائلته العيش في مخيم تحول بسبب خفافيش الظلام الى جحيم عليه وعلى عائلته وعلى الكثيرين في فترة سابقة وقريبة من الزمن.

في معسكرات وقواعد فتح خضع الشهيد تيسير الشايب لأكثر من دورة عسكرية في كيفية استخدام وسائل الدفاع الجوي، المضادة للطائرات. وتلقى تدريبات مكثفة في معسكر عذرا قرب دمشق، الذي شهد على مر سنوات الثورة الفلسطينية تخريج آلاف المقاتلين الفلسطينيين والعرب والأجانب.

في العام 1982 وعندما حصل الغزو الصهيوني للبنان قاتل تيسير الشايب دفاعا عن المخيم وعن لبنان وضد الصهاينة الغزاة. وبعد الغزو بقليل انتقل تسير من حركة فتح الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم اليساري العريق والكبير.

في ذلك الوقت كان تيسير الشايب مع رفاقه واخوته يعدون العدة لاقتحام موقع القوات الانعزالية اللبنانية، التابعة للفاشي سمير جعجع. شكل مع رفاقه وإخوانه في المخيم نواة مجموعات فدائية للدفاع عن أهلنا ومخيمنا. ثم عند الاندحار الصهيوني من مدينة صيدا حمل بندقية كما اخوة ورفاق وشباب وصبايا المخيم، للدفاع عن شعبنا في المخيم وفي وجه عصابات الارهابي الفاشي سمير جعجع. استشهد الفدائي البطل تيسير الشايب مع مجموعة من رفاقه بتاريخ ١٠ نسيان 1985. اثناء اقتحام أهم مواقع الارهابيين الفاشيين اللبنانيين. حيث كان مع الشهيدين جمال زعطوط ومحمد المدد أول الذين دخلوا الموقع واشتبكوا مع أفراده بشكل مباشر. حصلت يومها مواجهة شرسة وكبيرة مع عصابات جعجع في منطقة عين الحلوة – درب السيم، حيث كانت خطوط التماس مع المخيم وحيث انتشرت مواقع القوات الفاشية اللبنانية المتحالفة مع الكيان الصهيوني. استطاعت المجموعة الفدائية ابادة كل من كانوا في الموقع وتدميره، لكن العملية اسفرت عن استشهاد 6 من المجموعة المشتركة هم تيسير الشايب، جمال زعطوط، محمد المدد “جبهة شعبية” ونور الدين عيسى وجمال دحابرة وأحمد داوود من “فتح الانتفاضة”. كما استشهد في نفس الوقت تقريبا على محاور أخرى أو نتيجة القصف اخوة آخرين هم: عبد الناصر السعدي “فتح” و سمير سلامة وسليم سليمان وصالح الخطيب من “فتح الانتفاضة”. وجميع هؤلاء الشهداء من مخيم عين الحلوة وولدوا في المخيم في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت.

في ذلك الوقت كانت تلك العصابات الفاشية العميلة تخطط لمجزرة في مخيم عين الحلوة على غرار مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا في سبتمبر – أيلول 1982. كان الشهيد تيسير ضمن مجموعة من شباب وفدائيي ومقاتلي مخيمنا عين الحلوة، استشهد بعضهم ومنهم الشهداء جمال زعطوط ونور الدين عيسى والمدد وآخرين.

جدير بالذكر أن الفترة التي شهدت بداية ونهاية الاندحار الصهيوني عن مدينة صيدا شهدت مواجهات كبيرة ومهمة بين الفدائيين الفلسطينيين والقوات الصهيونية وعملائها الفاشيين الانعزاليين. أدت الى استشهاد وأسر عشرات المقاتلين الفدائيين، الذين استبسلوا في الدفاع عن شعبهم ومخيماتهم. وسطروا أروع الملاحم في شرق صيدا ومخيمي المية ومية وعين الحلوة وفي علمان ومناطق أخرى.

تيسير الشايب ورفاقه واخوته بدمائهم الزكية الطاهرة وبحيواتهم وتضحياتهم العظيمة ذادوا عن المخيم وردوا المعتدين وصانوا الأمانة وحفظوا العهد. واستطاعوا اجبار عصابات الارهابيين الجعجعيين والجميليين الكتائبيين على الاندحار خلف العدو الصهيوني المندحر عن صيدا. بعد تلك العملية الجريئة والكبيرة انسحبت الميليشيات العميلة من شرق صيدا ومن حوالي مخيم عين الحلوة. قبل تنفيذ العملية كان الشهيد تيسير الشايب جمع جميع الرفاق والأخوة المشاركين بالعملية وعلمهم كيفية التيمم ثم صلوا معاً صلاة الوداع، حيث كان تيسير إمامهم في تلك الصلاة الأخيرة، هذا بحسب ما قاله لي أحد الرفاق الذي خرجوا سالمين من تلك المعركة، وهو الذي قضى ليلة كاملة مع جثامين الشهداء عند احضارها من قبل الصليب الأحمر الى مقبرة صيدا برفقة الشهيد فيما بعد عماد الرفاعي.

المجد والخلود للشهيد تيسير الشايب ولكل شهداء عين الحلوة وفلسطين والقضية.

نضال حمد

22-4-2021

الشهيد تيسير محمد الشايب 1963-1985 – نضال حمد