الأرشيفوقفة عز

الشهيد عزالدين السفاح – نضال حمد

كان الشهيد البطل الفدائي عزالدين السفاح شاباً شامخاً مثل رايات فلسطين فوق الجبل. ولم تؤثر على قوته وجرأته وعمله ونضاله يده المعطوبة، المشلولة منذ الولادة. فقد كانت مثل أيدي القديسين مغطاة ببركة ورحمة رب العالمين. كما كانت مثل سلاحه المقدس، سلاح الفدائيين، ومثل انتماؤه الصالح والصحيح لفلسطين، مثل انتماء الأولياء الصالحين لسيد المرسلين. ومثل انتماء كل فلسطيني أصيل لكامل تراب فلسطين.

هذا الفتى المبتسم، الضخم الجسد، صاحب العينان الخضراوان والشعر الأشقر، الذي يلفت نظر أي شخص يقابله، كان مثل الطفل يتوق شوقاً لبيروت التي خرج منها قبل أشهر. وكان لا يطيق انتظار العودة الى مخيمي صبرا وشاتيلا. ولد كمشروع فداء وتضحية وعطاء. ثم عاش زاهداً كما غالبية مقاتلي وفدائيي جبهة التحرير الفلسطينية وقائدهم الشهيد طلعت يعقوب. كان يكتفي بما يأكله وبما يدخنه من سجائر ويما يشربه من مياه وشاي وقهوة هذا إذا توفرت القهوة في قواعد ومواقع الجبهة على الخطوط الأمامية وفي جبهات القتال والمواجهة.

كان فدائياً شجاعاً ومقاتلاً شرساً وفهداً لا يستكين، عرفه كل من قاتل معه في جبل العرب، في زمن البارجة الأمريكية المعادية والمعتدية على لبنان وسوريا وفلسطين، البارجة نيوجرسي. زمن ما بعد محرقة جنود وضباط المارينز الأمريكيين والقوات الفرنسية في بيروت الغربية. ففي ذلك الزمن الملتهب كان عزالدين السفاح يرابط على خط المواجهة الأول، فقد كان دائم الحلم بعودة فلسطينية سريعة الى بيروت، الى مخيماتها الجريحة في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا ومار الياس.

كان يستعجل العودة لذا مع استمرار المواجهات وعملية التحرير والتقدم نحو عاصمة العروبة والمقاومة، كان هو أول المقاتلين العائدين، وأول الفدائيين الواصلين الى مشارف العاصمة اللبنانية بيروت. لكن للأسف هناك كانت النهاية التي لم نتوقعها فيما كان هو نفسه يتوقعها. كان عزالدين السفاح، عز الجبال والوديان والسلاح، رجل وقفات العز والشموخ، يتوقع أن يموت في أي لحظة، وفي أي مكان على طريق العودة الى مخيم شاتيلا.

بحسب ما عرفت من بعض رفاقي ورفاق الشهيد عز فإنه ولد في سوريا ولغاية الآن لا أعرف اسمه العائلي وإن كان فلسطينياً أم سورياً وربما كان كردياً من سوريا أو من لبنان. كما هو حال الشهيد البطل “سمير عميرات” المعروف “بسمير الكردي” وهو أيضاً شقيق لشهيد استشهد قبله. وهو من سكان وادي أبو جميل، الحي الكردي الشهير في بيروت. استشهد سمير الكردي يوم 17-9-1983 في الهجوم الذي شنته الجبهة والثورة على مواقع الانعزاليين اللبنانيين في الجبل محور سوق الغرب وعاليه. أصيب سمير اصابة خطيرة بعدما قام مع رفاقه بإنقاذ رفيقه الجريح “أبو علي” ونقلا على اثرها هو وأبو علي الى المستشفى، حيث تجاورا في مستشفى يافا على سريرين متجاورين الى أن استشهد سمير متأثرا بحراحه. في ذلك الوقت كان استشهد قبلهما أيضا الرفيق القائد أبو الفهود العراقي والرفيق أبو نضال الحمصي. كما استشهد رفيق آخر تم اعدامه من قبل الفاشيين الانعزاليين الجعجعيين اللبنانيين بعد اعتقاله جريحاً. كما أصيب رفاق آخرين.

يوم استشهد الرفيق عز الدين السفاح كنت عائداً للتو من علاجي في ايطاليا وكنت أقوم بزيارة بعض الرفاق الجرحى في مستشفى يافا الفلسطيني بدمشق. فقد كان هؤلاء الجرحى من جبهة التحرير الفلسطينية. هم رفاق لي لكنهم من بلدان عربية مختلفة، فلسطين، لبنان، سوريا، العراق وتونس. منهم من نال الشفاء وعاد الى مواقع النضال ومنهم من استشهد متأثراً بجراحه مثل الرفيق القائد الشهيد أبو الفهود العراقي.

يقول الرفيق أبو علي الذي كان جريحاً ويرقد هناك أن الاسعاف أحضر أحد الشهداء الى مستشفى الشام,. قالوا ربما يكون الشهيد من جبهة التحرير الفلسطينية. كانوا يريدون شخصاً يمكنه التعرف عليه. ذهب أبو علي معهم، وحين فتح براد الموتى تفاجأ بوجه رفيقه عز الدين (السفاح)، حيث كان مصابا برأسه، التي لفت بالشاش وكذلك في مواضع أخرى من جسده. استشهد الرفيق عز الدين السفاح على ما اعتقد في شهر تشرين الأول – اكتوبر 1983. ليطوي سيرة تكللت بالنضال والتضحيات والبطولة.

لم يخطر علي بالي في يوم من الأيام أن أسأل عز أو غيره من الرفاق عن اسماءهم الحقيقية أو ما شابه ذلك من معلومات. فكثيرين منهم استشهدوا ورحلوا عن عالمنا ولم أتعرف على اسماءهم الحقيقية وأماكن ولادتهم، إلا بعد مشاهدة ملصقات النعي التي كانت تصدرها الجبهة. وهكذا كان الحال مع الشهيد عزالدين الذي تعرفت على اسمه الحقيقي بعد استشهاده. لكنني مع مرور أقل من أربعين عاماً من ذلك اليوم للأسف نسيت الاسم الكامل وبقي اسم عز الدين ولقب السفاح وشكله وحضوره وبطولاته حاضرين أمامي وفي مخيلتي.

لماذا أطلقوا عليه لقب السفاح؟

ربما يكون الجواب الصحيح ولست متأكداً من ذلك، كون هذا الشاب الطويل القامة ذو الشعر الأشقر والعينان الخضراوان والبنية الجسدية الضخمة، كان مقاتلاً شجاعاً جداً وشخصاً جريئاً جداً بنفس الوقت. فلم يكن الشهيد عز يهاب الموت بل كان يتحداه ويتقدم نحوه ويبحث عنه الى أن التقاه في صحراء الشويفات مقابل كلية العلوم على أعتاب العاصمة بيروت، حيث كانت ترابط  في أحد المواقع المتقدمة جداً، مجموعة من جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الأمين العام أبو يعقوب – طلعت يعقوب-.

في معارك تحرير جبل لبنان حيث شاركت قوات الجبهة والثورة الفلسطينية بقوة وكثافة، ذات يوم اقتحمت مجموعة من شباب الجبهة وكان من ضمنها الشهيد عز الدين، موقع للقوات الفاشية اللبنانية الجعجعية الانعزالية في عاليه واستولت عليه بعد معركة قصيرة أدت الى مقتل جميع عناصر الموقع المذكور. كان الموقع بعد تحريره مباشرة يتعرض للقصف والقنص العشوائي من قبل الانعزاليين الفاشيين. فقام عز الدين السفاح بتعليق جثث قتلاهم على شريط بدى مثل حبل الغسيل، فظهرت الجثث المعلقة أمام القناصين وأصبحت مثل ساتر طبيعي. الى أن جاء الصليب الأحمر فيما بعد ونقلها من المكان.

أمل ممن يعرف أية معلومات إضافية عن الشهيد أن يرسلها لي. وإذا توفرت صورة له أيضا أمل ارسالها. لقد كانت هناك صورة للشهيد في مكتب جبهة التحرير الفلسطينية في مخيم اليرموك. وكان هناك أيضاً أرشيف يحتوي على أسماء كل الشهداء وصورهم ومعلومات عنهم. قامت الجماعات والعصابات  المسلحة التي احتلت مخيم اليرموك بإتلافه وإحراقه. هؤلاء الذين أتلفوا ملفات شهداء فلسطين بالنسبة لي لا يختلفون عن عملاء العدو الصهيوني الذي قتلوا الشهيد عز الدين والذين ارتكبوا مجازر صبرا وشاتيلا.

المجد والخلود للشهيد عز الدين السفاح ونحن على العهد أوفياء وأولياء للدم.

نضال حمد

6-4-2021