الأرشيفوقفة عز

الشهيد محمد سعيد النصر – شاستري – 1956-1982 – نضال حمد

ولد الشهيد محمد سعيد النصر سنة ١٩٥٦ في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في الجنوب اللبناني بالقرب من مدينة صيدا التاريخية. هناك عاش طفولته وشبابه القصير في حارات وأزقة وزواريب المخيم، بالقرب من سوق المخيم الشهير حيث لازال منزل العائلة، الذي مازالت غرفه وجدرانه تحن لجلسات الشهيد...

مع رفاقه وأصحابه في زمن الثورة الفلسطينية والنضال الشعبي والكفاح المسلح. فهناك  ترعرع ونمى وشب على حب فلسطين وبلدته صفورية. حيث منزل العائلة الذي دمره الغزاة اليهود الصهاينة بعدما اجتاحوا صفورية واحتلوها. مما اضطر عائلته الى الفرار نحو لبنان كما بقية الأسر والعائلات الفلسطينية. بعد النكبة مباشرة استقر بها المقام في مخيم لللاجئين الفلسطينيين. هناك في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الانروا أتم الشهيد محمد تعليمه ودراسته التي لم تدم طويلاً، حيث التحق مبكراً بالعمل الفدائي عبر الانخراط في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأصبح مع الزمن مسؤولا متفرغاً عن الميليشيا في منطقة صيدا.

اختار الشهيد محمد النصر اسم “شاستري” اسماً حركياً. فهو اسم المناضل الهندي الأممي لال بهادور شاستري رئيس وزراء الهند الثاني، الذي خلف نهرو في رئاسة وزراء الهند، وقام بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء مع باكستان في الاتحاد السوفيتي، لكنه أصيب بنوبة قلبية وتوفي سنة 1966 فخلفته الزعيمة أنديرا غاندي الصديقة الوفية والعظيمة للشعب الفلسطيني. هذا وكان شاستري من قادة الحركة الوطنية الهندية مع الزعيم نهرو.

عندما بدأ الغزو الصهيوني للبنان صيف سنة 1982 كان الشهيد محمد أبو النصر من الابطال الذين شاركوا في معارك التصدي لدبابات الغزو الصهيوني، المتقدمة باتجاه مخيم عين الحلوة على محور مستشفى الحكومي. استشهد هناك في السابع من حزيران – يونيو 1982 في المستشفى الحكومي اللبناني على مدخل مخيم عين الحلوة. دفن في القبر الجماعي لشهداء مجزرة المستشفى المذكور، حيث ارتكب الصهاينة مجزرة بشعة حين قصفوا المشفى وقتلوا وجرحوا المئات من الناس. كما هناك قبر جماعي آخر لشهداء صيدا وعين الحلوة في ساحة الراهبات التي منذ ذلك الوقت صارت تسمى ساحة الشهداء، وفيه الشهيدان حاتم حجير وعبد محمد حمد من جبهة التحرير الفلسطينية ومن أبطال تلك المعارك والمواجهات سنة 1982.

كان الشهيد محمد النصر في سنوات ما قبل الغزو شارك في مواجهات عديدة مع العدو الصهيوني وعملاؤه وحلفاؤه في القوى الانعزالية والفاشية اللبنانية، خلال سنين الحرب الأهلية اللبنانية.  حدثتني شقيقته عن حادثة حصلت مع الشهيد، القصد منها الاضاءة على قداسة السلاح بالنسبة للفدائي المثقف والمشتبك في ذلك الزمان. إذ خلال على ما يبدو اشتباك مع كومانوز صهيوني في منطقة قريبة من المخيم من جهة الجنوب الغربي، واثناء الاشتباكات وكثافة النيران وبعدما نفذت ذخيرته، واثناء المعارك والقصف فقد الشهيد سلاحه لكنه استطاع الانسحاب باتجاه المخيم. بحسب شقيقته كان يومها غاضباً جداً على نفسه لأنه فقد سلاحه. كل ذلك بسبب قداسة السلاح.

يقول الأستاذ والمناضل أبو نزار شناعة: “كان الرفيق الشهيد محمد سعيد النصر من أطيب الشباب الذين عرفتهم.  كان مناضلاً صادقاً وصلباً. كما كان لفترة طويلة من الزمن مسؤولاً متفرغاً عن مليشيا الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في مخيم عين الحلوة. وأضاف أبو نزار الذي كان آنذاك من قادة الجبهة في لبنان أن محمداً اختلف مع الجبهة الديموقراطية قبل الاجتياح بشهر وقضى ذلك الشهر برفقتي ورغم ذلك عند بداية الاجتياح سنة 1982 حمل السلاح و ظل يقاوم حتى انتهت ذخيرته، وكما سمعت انسحب من المخيم وعند المستشفى الحكومي استشهد بغارة طيران للكيان الصهيوني”.

من ناحية أخرى يتذكر أحد رفاق الشهيد محمد النصر حكاية انسانية جميلة بطلها الشهيد محمد سعيد النصر .. فيقول وهو كان أيضاً من كوادر الجبهة أنه اثناء الحرب الأهلية اللبنانية. وخلال تلك الحرب وبالذات في سنتها الثانية 1976 في مدينة صيدا اللبنانية، شح التموين في مخازن الجبهة، بسبب المعارك وقطع الطرقات والحصار.  فذهب الرفيق الكادر وجمع بعض التموين من خلال علاقاته الشخصية ببعض التجار في المدينة، وكان من ضمن ما جمعه معلبات لحمة. في طريق عودته كان يرافقه الشهيد محمد النصر. عندما وصلا الى منزل الكادر، فتح نجله الصغير صندوق السيارة فشاهد المعلبات وطلب واحدة لكن والده زجره ورفض ذلك. فتدخلت زوجته وكررت طلب الولد، لكنه عاد وزجرهما ورفض. عندها تدخل الشهيد محمد وقال له يا رفيق فلان ألست أنا عضواً في الجبهة ومن حقي علبة لحمة؟ ومد يده الى الصندوق وتناول علبة وأعطاها لنجل الرفيق.

يقول الصديق يحيى حوراني عن الشهيد محمد النصر وهو صديق ورفيق شقيقه الشهيد صلاح حوراني: “زد على ذلك  أنه كان خلوقاً جداً و كان خجولاً كثيراً، كان عندما يأتي عند المرحوم أخي صلاح يخفض رأسه وينظر نحو الأرض من شده الخجل، إذا فتحت له الباب الوالدة.”. وفي مكان آخر يقول رفيق سابق له في الجبهة: “رحمه الله فعلا من أطيب الناس والمناضلين الجادين. لم يكن له هدف إلا فلسطين.”.

ستبقى ذكرى الرفيق الشهيد محمد سعيد النصر حية وخالدة مع أهله وشعبه ومخيمه ورفاقه وإخوته وأصحابه، شهيداً ومناضلاً مميزاً. على عهد الشهداء أوفياء حتى التحرير والعودة والنصر.

نضال حمد

10-5-2021

الشهيد محمد سعيد النصر – شاستري – 1956-1982 – نضال حمد