من هنا وهناك

“العربي الجديد”…حتى الشهداء! – عادل سمارة

 

هي مرحلة اغتيال مرحلة، لا تعايش بين نقيضين بل نفي ينفي نفياً. ولكي يأخذ الاغتيال مجراه، لا بد من اغتيال رموز المرحلة الأولى لأنهم يمثلون فعلها وشرفها. تحطيم الرموز من مستلزمات التناقض والصراع. ويكون الاغتيال أشد حين يأتي من ضلع الجسد. ويكون أقسى حين لا يجد غسان كنفاني من يدافع عنه، سوى قلَّة من طينة أخرى . وغسان هو الراية والشرف بكل معنى، إبداعاً، ونضالاً، ومبادرة وانتظاما حزبياً واستشهاداً.

هل نحلل: لماذا تدافع عنه قلة؟ كلا. فالتحليل هنا يفتح بوابة رقص شياطين التسوية في تفاقمها إلى التصفية ويقدم مادة لقانون الجرائم الإلكترونية حتى قبيل اكتماله! وهو قانون لا رد عليه سوى بالعودة للجذور والتأسيس “التفكير السري/الكتابة السرية، النشر السري…الخ”. فما ليس مباحا في العلن، يجب استباحته سراً. رُفعت الأقلام وجفت الصحف! ومن لا يُتقن السر، لا يُفيد في العلن.

كما صيغت القطريات العربية 2016، والكيان الصهيوني 2017 وجامعة الدول العربية 1945 في بريطانيا، تم توليد الكثير من الصحف والمحطات الفضائية باللغة العربية في بريطانيا، ومنها اليوم “العربي الجديد”، دمها من ريع النفط، وحملها سفاحاً، وإنجابُها إجهاضاً وإن غلَّت فغلَّتُها للصهيونية.

لذا، جِد طبيعي أن تنشر جريدة عزمي بشارة هذه مقالا بعنوان : غسان كنفاني قتيل السياسة”.

بهذا الكم من الحقد: “قتيل” !، ثكلتك أمك! ما الفارق بينها وبين “إرهاب، مخرب” في خطاب الصهيونية؟ نوري السعيد مثلاً كأحد اشهر العملاء العرب لبريطانيا كان قتيل سياسة نموذجياً ، فهل يتساوى استشهاد غسان كنفاني مع قتل نوري السعيد.

(انظر رابط المقالة)

ومنه نقتطف:

“… كانت الجبهة الشعبية … جامحةً جموح مراهق… وهي تحاول مستميتةً منافسة حركة فتح على قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، غير مدركة حجمها، وبنيتها الخربة، وتناقضاتها في اعتناق النظرية الماركسية اللينينية على أرضيةٍ فكريةٍ غارقة بالفكر القومي العروبي… ولا في فهم صبياني للنظرية، ولا بالنهج الأهوج في محاربة العدو في كل مكان…أسمح لنفسي بأن أقول إن غسّان كنفاني ارتكب خطأً أودى بحياته في انخراطه في صفوف الجبهة الشعبية، وشغله منصب الناطق الرسمي للجبهة في مرحلة العمليات الخرقاء، مثل خطف الطائرات…أقول ربما لأن واقع اليسار الفلسطيني كان، منذ البدء، هجيناً وإسقاطاً بلا معرفة، ولا دراسة، ولا إدراك لماهية الماركسية اللينينية. …إن الأكثر مدعاة لعدم الاكتراث في العناصر المكونة في تجربة كنفاني المبدع كان انتماؤه الحزبي، والأكثر سخريةً أنه العنصر الذي أدّى إلى قتله.”

عزمي بشارة يُنصِّب نفسه استاذا في النضال والماركسية-اللينينة وحتى حرب غُوار الفضاء. ومن اين؟ من قطر الوليد السفاح للإمبريالية البريطانية والتي تحولت إلى مخزن لقوى الدين السياسي بل والجارية التي ورثتها الإمبريالية الأمريكية.

وهكذا، بعد أن أصبح شعار وديع حداد شعار أممي لمناضلي الشيوعية الحقيقية “وراء العدو في كل مكان”، يأتي عزمي بشارة من الكنيست ومن قطر في حقبة الفلتان لينهش ويسيل من شفتية الغليظتين دم فلسطين.

هذه الأستذة التي لا يمتحنها أحداً، لأنها تدفع باتساع الأفق مالا مغموسا بالنفط، تذكرني بأحدهم وهو من صبية إميل حبيبي حيث كتب في جريدته “الاتحاد” عام 1976 “إن عادل سمارة تروتسكي” . التقيته في مكتبة برام الله ذات صباح، وفاجئته ب:

“مرحبا يا حمار”. انتفض وقال يا أخي نحن مثقفين، ليس هكذا نتحدث!

قلت بشرط أن تُعرِّف التروتسكية بسطرين. لم يستطع.

فهل “العربي الجديد” أكاديمية في الماركسية-اللينينية؟ هي وبشارة” قطعاً لا. لأن الماركسي الحقيقي لا يسقط حتى مع سقوط الإمبراطوريات. أما وهي هكذا، فهل بشارة بطل حرب غوار اليابسة والفضاء! “هزلت حتى سامها كل مفلس” هكذا قالت العرب أو القومية العربية التي تنهشها “العربي الجديد” من لندن!

حين كان غسان كنفاني يهز العالم في نضال أممي معولم كان عزمي بشارة يتدرب كيف يخدم الثورة المضادة عبر الكنيست، ف “اي حق رُفع واي باطل وُضع”

https://www.facebook.com/adnan.f.kanafani/videos/704767233057651

من نافل القول سرد آلاف التطاولات على النضال الوطني ضمن ما اسميته “اغتيال مرحلة”. الاغتيال الذي تتواشج فيه مجموعات من القشرتين السياسية والثقافية.

ولأن الحديث عن الشهيد في شخص غسان كنفاني، فإن من المفيد التذكير بأن هذه الهجمة ليست إبنة اليوم أو الأمس، بل ربما كان شيخ تأسيسها إميل حبيبي “إبن تيمية التكفير النضالي” ، وذلك ليس فقط لعضويته في الكنيست وتسويق الاعتراف بالكيان الصهيوني، بل للكثير ومنها ما كتبه عن بيانات الانتفاضة الأولى “بيان رقم 38 بنفس نمرة حذائي”. الانتفاضة التي انتفضت لها الدنيا إكباراً . ولأن غسان كنفاني جذر في تأسيس الانتفاضة كان لا بد من نهشه في جريدة “العربي الجديد”.

والأبشع هجمة القشرة الثقافية ضد العمليات الاستشهادية عام 2002. يا للهول، سِمة التاريخ الأشمل أنه يعيد نفسه مرة على شكل ماساة وأخرى على شكل ملهاة، سوى في حالة مرحلة التسوية/التصفية وعصر بؤر النفط ومنها “العربي الجديد” بما هي في مؤخرة التاريخ، فلا تعيد نفسها بغير دور المؤخرة.

لفهم المقصود، أنظر بيان فريق من طراز “العربي الجديد” اعتدى على رعيل من الشهداء في (كتاب مثقفون في خدمة الآخر 2003، ملحق بعنوان بيان ال 55 نموذجاً، ص ص 120-122 )

https://kanaanonline.org/books/?p=5 )

هذا البيان إحدى محطات مشروع اغتيال التجربة والمرحلة صِيغ ونُشر ضد العمليات الاستشهادية.

وعلى نفقة الاتحاد الأوروبي، أي التنوع الإمبريالي الدموي العتيق.

لذا، قبل ايام، يبدو أن عزمي بشارة تذكر سيد روحه، إميل حبيبي، فاستغل ذكرى اغتيال الشهيد غسان كنفاني لينهش الرجل وليس الرجل وحسب.

فما ورد في تلك الصحيفة هو نسف شامل لتراث بأكمله.

هي قَطَرْ، نعم قطر. ولكن ال “قِطْ” مهما انتفخ لن يُصبح “قَطْراً-قطارا” .