الأرشيفمن هنا وهناك

الفن الرفيع يقدم سيرة متميزة لرجل دين مقاوم – رشاد أبوشاور

مسلسل حارس القدس
عن مسيرة المطران إيلاريون كبوجي
الفن الرفيع يقدم سيرة متميزة لرجل دين مقاوم

رشاد أبوشاور

 

سيرة حياة متميزة غنية لإنسان شق طريقه في الحياة وتغلّب على شقائها وقسوتها يتما وغربة وفقرا، وصقل وعيه بالمعرفة والانتماء..فاختار مقاومة الظلم منذ فتح عينيه ورأى مبكرا قبح الظلم من حيث جاء..وعلى من وقع، وكان الظلم تحت نظره واقعا على بلده سورية من المستعمر الفرنسي..وعلى وطن روحه: القدس قلب فلسطين.

في زمن الجحود..والقحط الفني..وسيادة القبح والتسطيح المدبّر المسوّق بهدف تشويه الوعي العربي وحرفه بعيدا عن أهم ما في الحياة، عن معنى الحياة..عن كرامة الحياة، حياة الوطن والإنسان العربي – حتى نضع الأمور بتمام وضوحها – تطل علينا..أمام عيوننا سيرة إنسان منّا، من تراب بلادنا، يتنفس هواء بلادنا، ويألم لآلام بلادنا، ويدفع الثمن الفادح سجنا، ونفيا، وقهرا، في مسلسل متميّز بفن ثلاثة كبار هم: حسن م يوسف الكاتب والسيناريست، باسل الخطيب المخرج الذي اختار طريقا تلقن أسراره في بيت والده الشاعر الكبير يوسف الخطيب، والفنان الممثل الكبير رشيد عساف الذي تابعته منذ بدأ مع مجموعة من فنانين شبابا طلابا جامعيين آنذاك، قبل أن يتخرجوا من جامعة دمشق، قدّموا مسرحا مختلفا مع الفنان المخرج الذي شق بهم ومعهم طريقا جديدا في مسيرة المسرح العربي السوري: الدكتور فواز الساجر، وكان قد عاد من موسكو بعد أن درس المسرح هناك. حضر فواز وفي عقله رؤية لمسرح جديد يضيف شيئا للمسرح العربي السوري بخاصة، والعربي بعامة..وقد قدّم أعمالا مدهشة منها ( رسول من قرية تميرة للاستفسار عن مسالة الحرب والسلام للكاتب المسرحي الكبير محمود ذياب)، وغيرها من الأعمال التي أدهشت جمهور المسرح في سورية مطلع السبعينات. أذكر بعض من كان رشيد وإياهم آنذاك: عباس النوري و سلوم حداد..وهؤلاء وغيرهم كانوا جاهزين لإغناء نهضة التلفزيون العربي السوري بمسلسلات رائعة..فيما بعد.

سيرة رجل عظيم هو سيدنا المطران إيلاريون كبوتشي( جورج) الحلبي السوري..حامل مشعل القدس قلب فلسطين..المقاوم قولا وفعلا، يحملها ثلاثة كبار، يمتعوننا بمسلسل ينقذنا من هجوم سيل التفاهة التي تتعلل بالتسلية الرمضانية على فضائيات فاسدة مفسدة..تبنّت مسلسلات منحطة تروّج للتصهين والتطبيع.

هذا المسلسل الكبير يتوجه لعقول وضمائر ووعي ملايين العرب: هناك من ضحّوا لفلسطين، للقدس، لسورية، للعروبة، لكرامة الإنسان العربي..والإنسان في كل مكان على هذه الأرض..وهذه حياتهم، فتأملوها، وتعلموا منها، وها ما تركوه لكم زادا بين أيديكم و..تحت أنظاركم.

أن تكون جهة الإنتاج سورية فهذا طبيعي جدا، فسيدنا مطران القدس حلبي سوري، و..لن ينتج هذا المسلسل جهة نفطية..فمن تنازلوا مبكرا عن فلسطين، واختاروا طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني والتبعية الراضخة أمريكيا لن تستقبل فضائياتهم عملا يمجّد المقاومة، ويذكّر بالقدس التي وهبها ترامب لنتنياهو…

ثقافة التسالي والخلو من أي قيمة تطرد بملايين دولارات الإنتاج التافه فلسطين..وكل قضايا الأمة من فضائيات تفريغ العقول والقلوب..وهنا تتضح المعركة ثقافيا ووطنيا وقوميا وتقدميا، واحسب أن مسلسل حارس القدس قد سجّل نقاطا وترك علامة كبيرة باتجاه الهدف: معركتنا مع العدو ثقافية وإعلامية كما هي عسكرية، ويجب أن نربحها بالتأكيد…

تنويه:

حرصت على مشاهدة جميع حلقات مسلسل ( حارس القدس) على فضائية الميادين. كاتب السيناريو هو الصديق حسن م يوسف، وهو يضع الميم بين الإسم والكنية حتى يميز نفسه عن حسن يوسف صديقنا الفلسطيني اللوباني السيناريست والروائي، وهو شقيق صديقنا الناقد الكبير يوسف اليوسف الذي غادر مخيم اليرموك بعد احتلاله من الإرهابيين لاجئا من جديد، ولعل هذا قد أوجع قلبه وفجعه وأودى بحياته في أحد مخيمات لبنان.

المخرج باسل الخطيب المعروف بروائع قدمها ملتزما، منها : أنا القدس..والغالبون..وغيرهما الكثير، عني دائما بتقديم فن نظيف يخدم قضايا الأمة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.

الفنان الذي قام بدور السيد المطران إيلاريون كبوجي هو الفنان رشيد عساف، وقد أتقن الدور حتى سرحت أحيانا وشعرت بأنني في حضرة السيد المطران، ولرشيد أن يفخر بدوره هذا كعلامة في مسيرته الفنية.

أمّا كاست العمل ( الفريق) فقد انتقاه المخرج ببراعة وانتباه وحرص وخبرة..ولذلك جاء الأداء مبهرا حقا..حتى أن الفنان الشاب الذي قام بدور عطا ابن أم عطا، والذي لم ينطق بكلمة واحدة طيلة المسلسل..كان ينطق بعينيه و..بحركات جسده..وترك انطباعات رائعة على أدائه.

سررت باستضافة الميادين لي في حلقة بعنوان( حلقة خاصة) حول المسلسل الساعة التاسعة مساء الأحد مع الدكتور أليف صباغ من داخل فلسطين.

كان صدى المشاركة رائعا..تعليقات..واتصالات هاتفية من سورية، ولبنان، وداخل فلسطين..ومن الأردن حيث أعيش.

تكلفة المسلسل متواضعة، والفنانون المشاركون جميعا رضوا بالقليل لتقديم هذا العمل الوطني المقاوم المشرّف..لهم أجمل التحيات والتقدير.

الموسيقار سمير كويفاتي رافق العمل بموسيقى متميزة كما يفعل عادة في كل مشاركة فنية..والسيدة ميادة بسيلس كانت رائعة وهي تغني كلمات من قصيدة الشاعر الكبير يوسف الخطيب المهداة للسيد المطران عندما كان أسيرا وراء القضبان ( أبتي) ..وصوتها الهادئ العميق يدخل القلب بسلاسة لأنها تغني وترتل وتنشد من ( روحها).

وبعد: أتمنى مشاهدة مسلسلات متميزة باستمرار عن شخصيات كبيرة لها حضور في تاريخنا..شخصيات مقاومة من بلاد الشام..وغيرها.