بساط الريح

المقاومة الشعبية الفلسطينية – بروفيسور عبد الستار قاسم

يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته مسرور جدا بتعبير المقاومة الشعبية السلمية، ويكرره باستمرار حيثما حل وحيثما ارتحل، وهو دائما يشدد على صفة السلمية ربما ليؤكد للدول المعنية بخاصة الكيان الصهيوني أنه لن يحمل السلاح، ولن يقبل بنشاطات حمل السلاح لتحقيق الأهداف الفلسطينية. لكنه لم يتوقف يوما عند التعبير ليشرح للناس معناه ومحتواه ومتطلباته وما الذي سيعمله تحقيقا لهذه المقاومة، وتعامل معه على أنه مفهوم من قبل جماهير الناس، وهم يعون ماذا يعملون للالتزام بمضمونه.  وتكرر تعبير المقاومة الشعبية في الاتفاقيات الفلسطينية التي تتم بين حركتي فتح وحماس، إنما بدون توضيح قاطع أو حصر واضح لمعنى التعبير. يأتي التعبير في سياق الاتفاقيات على أن الموقعين يقفون مع المقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال نحو استعادة الحقوق الفلسطينية أو بعضها، ولا يتبع ذلك محاضرات وندوات، أو لقاءات إعلامية مع مسؤولين من كلا الفصيلين لتوضيح معنى المقاومة الشعبية، وما يترتب علي ذلك من مسؤوليات وواجبات على المستويين الفردي والجماعي، الرسمي وغير الرسمي.

من الملاحظ أن العديد من الناس يرون أن المقاومة الشعبية هي مقاومة سلمية، ولا تستخدم السلاح أو وسائل العنف الأخرى التي قد تؤدي إلى سفك دماء. وهناك من يرى أن المقاومة الشعبية عبارة عن بعض المظاهرات ضد الجدار ومصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني، وإقامة خيم الاحتجاج في الميادين الرئيسية في المدن، وإصدار البيانات الورقية وغير الورقية ضد الاحتلال.

أرى أن تعبير المقاومة الشعبية تعبير غير محدد المعنى، ويخضع للعديد من التفسيرات، وهو قد يشمل المقاومة المسلحة وغير المسلحة حيث أن المقاومة المسلحة عبارة عن مقاومة شعبية أيضا. لكن إذا أردنا استثناء استعمال السلاح من فكرة المقاومة الشعبية، وحصرناها فقط بالمواجهات السلمية، فإنه من المتوقع أن يقوم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة -علما أن غزة ليست تحت الاحتلال- بما يلي من الإجراءات والخطوات. أي أن المقاومة الشعبية تأخذ تعريفها من الإجراءات التي يمكن أن يتخذها الشعب الفلسطيني والنشاطات التي يمكن أن يمارسها في مواجهة الاحتلال لتفريغ الاحتلال من مضمونه وطرده في النهاية من الأرض المحتلة/67. ما دام الهدف هو دحر الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة، فإن المقاومة الشعبية تعني القيام بكل جهد يساهم في قهر الاحتلال وإجباره على الخروج من الأرض المحتلة مهزوما دون الانتقاص من الحقوق الوطنية الثابتة. وفيما يلي الخطوات التي يمكن اعتمادها كمكونات أساسية للمقاومة الشعبية:

أولا: المقاطعة الاقتصادية للاحتلال إذ تعتبر هذه المقاطعة خطوة المقاومة الأولى التي يستطيع الشعب الأعزل القيام بها ودون عنف. الشعب الذي يريد مقاومة عدوه مقاومة مستمرة وجادة يبدأ أولا بالمقاطعة الاقتصادية التي تلحق ضررا باقتصاد العدو، أو تحول دون إفادة العدو اقتصاديا، وتشجع المنتوج المحلي الذي يعتبر أحد أركان استمرار المقاومة. يتطلب هذا وعيا وطنيا بالمسؤولية الفردية والجماعية، وتغليب القيم الوطنية على القيم الاستهلاكية. هنا تتوارى مبررات شراء المنتوج الصهيوني مثل نوعية السلعة أو عدم توفرها في السوق المحلي. هذا لم يصر الشعب الفلسطيني عليه منذ عام 1967. شراء البضائع الصهيونية يشكل دعما مباشرا للاقتصاد الصهيوني، وكذلك العمل في المنشآت والمعامل والمزارع الصهيونية. المستهلك الفلسطيني يشتري عوامل ضعفه لأن  قوة الاقتصاد الصهيوني تعني قوة الجيش الصهيوني، وقوة الجيش الصهيوني المتزايدة تعني مزيدا من الضعف الفلسطيني النسبي. والعامل الفلسطيني الذي يعمل في المزرعة الصهيونية ينتج عوامل ضعفه أيضا . وهنا لا أقصد لوم العامل لأن تكاليف المعيشة عالية جدا، والجانب الفلسطيني الرسمي لم يجد ولم يجتهد لتوفير مصدر عيش للعديد من العاطلين عن العمل.

ثانيا: مقاطعة العدو في مختلف المجالات ووقف التطبيع تماما. تفترض المقاومة الشعبية عدم إقامة علاقات مع العدو مهما كان نوعها وعلى رأسها المفاوضات والتنسيق الأمني، وحمل سلاح بترخيص منه وحمل بطاقة VIP (very irresponsible person) ، والاعتراف بوجوده، الخ. كيف يمكن لشخص أن يدعي أنه منخرط بالمقاومة الشعبية وهو يتعايش مع الاحتلال، ويقيم علاقات اجتماعية معه، وويطبع العلاقات على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية؟ وكيف لمسؤول فلسطيني أن يدافع عن فكرة المقاومة الشعبية وهو كبير المطبعين مع العدومن خلال المفاوضات. المفاوضات تشكل أكبر عمل تطبيعي لأن فيها ما يكسر الحواجز النفسية المانعة لقبول العدو والاحتلال، وفيها ما يرضخ له الفلسطيني الرسمي تثبيتا لأقدام الاحتلال على الأرض الفلسطينية. وألا يخجل المسؤول الفلسطيني عندما يتحدث عن المقاومة الشعبية ويمجدها وهو ينسق أمنيا مع الاحتلال بهدف الدفاع عن الأمن الصهيوني؟

ثالثا: التوقف عن العمل في المصانع والمعامل الصهيونية سواء كان ذلك في الأرض المحتلة/48 أو المحتلة/67 لأن قوة العمل الفلسطيني يجب ألا تكون أداة قوة اقتصادية للعدو على حساب الفلسطينيين. وهذا يعني تطوير اقتصاد فلسطيني بدائي أو منزلي يتبنى فكرتي الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي، ويولد فرص عمل للجميع. فالعامل الذي يريد إطعام أطفاله ينتظر بدائل للعمل في إسرائيل والمستوطنات. هناك إمكانية لتطوير اقتصاد فلسطيني تحت عنوان اقتصاد الكفاية وليس اقتصاد الرفاهية. وحقيقة من يقع تحت الاحتلال لا يلزمه اقتصاد رفاهية، إذ عليه أن يحرر نفسه أولا من الاستعباد والذل، ومن ثم ينتقل إلى تطوير أوضاعه المعيشية عل وعسى أن يصيب بعض النغنة. من يريد مقاومة شعبية يطور مصادره المعيشية، ويتوقف عن الفساد وسوء الإدارة وتبذير الأموال، ويتوقف أيضا عن احتكار الوظائف العامة، ويتعامل مع الناس على أسس العدالة والمساوة وليس على أسس فصائلية قبلية تعصبية تحتكر القرار والمال والمناصب.

رابعا: تمزيق بطاقة الهوية الإسرائيلية التي يحملها الفلسطينيون الآن حتى لا يتمكن العدو من التعرف على أحد. بطاقة الهوية التي يحملها الفلسطينيون الآن تحمل ترويسة السلطة الفلسطينية، لكنها في الحقيقة هي ذات الرقم الإسرائيلي، ولم تختلف سوى الترويسة. أما الذين يحصلون على بطاقات حديثة فإن أرقام هوياتهم يتم تحويلها للإسرائيليين عبر الأطر الإدارية.

خامسا: النضال من أجل شراء البضائع التي يحتاجها الناس والضرورية من الأردن ومصر. وهذا ينسجم مع فكرة مقاطعة البضائع الإسرائيلية حتى تلك التي تستوردها إسرائيل مثل السكر والشاي.

سادسا: التوقف عن استعمال العملة الإسرائيلية واستعمال العملتين الأردنية والمصرية.

سابعا: إعادة هيكلة دوائر ومؤسسات السلطة الفلسطينية بطريقة تخدم المقاومة الشعبية، والعمل على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بطريقة تؤدي إلى حسن التوزيع والاستثمار الزراعي وتحقيق الاعتماد على الذات.

ثامنا: إعادة النظر بالمناهج التعليمية لكي تصبح مناهج وطنية تفتح الطريق أمام الوعي الوطني والوعي بالمسؤولية. هذا ينطبق على المدارس والجامعات.

تاسعا: إقامة لجان شعبية في مختلف الأحياء والقرى والمدن كبدائل إدارية شعبية في حال انهيار الإدارة الرسمية. بل من المتوقع الانهيار بسبب ممارسات الاحتلال في مواجهة المقاومة الشعبية.

عاشرا: البحث عن بدائل للكهرباء الإسرائيلية، ويجب الإصرار على مولدات تعمل بإرادة فلسطينية.

أحد عشر: حفر آبار مياه جمع كبيرة على النمط الروماني لأنها تفي بجزء من المتطلبات المائية.

ثاني عشر: التخلص من الأمريكيين والأوروبيين الذين يعبثون بمستقبل الشعب الفلسطيني والذين يتواجدون بكثرة الآن في الضفة الغربية. مؤسساتنا وأحياؤنا وقرانا وجامعاتنا يجب أن تكون محرمة على قناصل الدول التي تدعم إسرائيل.

ثالث عشر: تكوين آلية إعلامية على كفاءة عالية لدعم المقاومة الشعبية محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا.

رابع عشر: وقف التعامل مع الأنظمة العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع إسرائيل.

خامس عشر: اتباع سياسة الحرمان ضد كل فلسطيني يتعاون مع إسرائيل بأي شكل كان. أي من الضروري مقاطعة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية التي يقضي القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعدام رموزها رميا بالرصاص. ويجب أن نسأل: هل يريد أصحاب المقاومة الشعبية تطبيق مختلف ضوابط وتعليمات وقوانين منظمة التحرير، أم نقبل انتقائيا وفق ما يلبي المصالح الذاتية؟

سادس عشر: على الجميع أن يتوقعوا إجراءات إسرائيلية قاسية، لكن على الذي يريد انتزاع الحرية أن يتحمل.

هذه نقاط جوهرية لكنها ليست جامعة مانعة. هناك خطوات أخرى تظهر لنا في الطريق ونحن نقاوم شعبيا، وعلينا أن نكون قادرين على التطوير والمناورة.

هل هذه المقاومة ستتم؟

لا يوجد لدي قناعة أن مقاومة شعبية ستحصل لأن مثل هذه المقاومة تتطلب قيادة غير القيادة، وسياسات غير السياسات، ومدارس غير المدارس، وجامعات غير الجامعات، وربما جيلا غير الجيل. هناك من يظن أن المقاومة الشعبية هي مظاهرة في كفر قدوم أو نعلين، أو خيمة مناشدات للإفراج عن الأسرى في دوار نابلس. وهناك من يظن أن المقاومة الشعبية هي التبطح على شواطئ نتانيا وتل أبيب. الوضع الفلسطيني العام ليس جاهزا لمقاومة.

أعي تماما أنه يتم استخدام مصطلح المقاومة الشعبية لتبرير عدم المقاومة وللهروب من المستحقات النضالية التي يجب أن يتحملها كل فلسطيني، ولهذا مطلوب من المسؤولين الذين يدعون إلى المقاومة الشعبية ألا يعبثوا بعقول الناس، وعليهم أن يتوقفوا عن مساخرهم. مطلوب من رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته أن يتوقف عن العبث بعقول الناس. فهو مطبع ومنسق أمنيا مع الصهاينة ويتعايش معهم، وهو يمقت المقاومة، ويرى أن لا سبيل لتحصيل بعض الحقوق الفلسطينية إلا بالمفاوضات الفاشلة، وأعلن مرارا أنه لن يسمح بقيام انتفاضة جديدة، وهو يعلم أن الاتفاضات عموما سلمية واحتجاجية وليست حربية.  مصيبة الشعب الفلسطينية دائما في قياداته التي تجعل من الباطل حقا فتورط الشعب بالمزيد من الويلات.

المقاومة الشعبية الفلسطينية – بروفيسور عبد الستار قاسم

20/آذار/2012