من هنا وهناك

الوضع المعيشي للاجئين في مصر – د. عادل عامر


 تنتشر بين أوساط الجماعات اللاجئة، مجموعة من الأمراض التي تعد فى حقيقتها انعكاساً للأوضاع أو الظروف المعيشية التي كانوا يعيشونها قبل الهجرة أو بعدها، فقد كان لظروف الاضطهاد والقهر وأعمال العنف التي يوجهها اللاجئون الأفارقة بفعل الحروب الأهلية أثراً كبيراً فى انتشار بعض الأمراض العضوية والنفسية والعصبية بين هذه الجماعات، كما كان للأوضاع المعيشية المتردية التي يعيشها هؤلاء بعد الهجرة أثر فى انتشار كثير من الأمراض، قد استطاعت بعض الدراسات تحديد أكثر الأمراض انتشاراً بين الجماعات اللاجئة.


 يعانى اللاجئون السودانيون من أمراض مثل فقر الدم المزمن والصداع والأرق وارتفاع ضغط الدم واضطرابات المعدة، يعانى الصوماليون من الصداع المزمن والأرق وآلام المعدة، ويرجعون أسباب المرض لصراعهم ومحاولاتهم الدائمة للإقامة والاستقرار فى مصر، بالإضافة لإصابة بعضهم بجروح نتيجة للحروب الأهلية، ويعافى آخرون من مرض السكر ومشاكل فى الجهاز التنفسي والأمراض النفسية.


 وقد كان للأوضاع المادية الميسرة التي يعيشها اللاجئون العراقيون أثر كبير فى اختفاء أمراض سوء التغذية بين أسر العراقيين، فلم تتعد نسبة من يعانون من أمراض مثل مرض الأنيميا والفشل الكلوي ومشكلات الكبد وهى أمراض تعد فى حقيقتها مؤشراً على نوعية الحياة، ورغم تعدد وسائل وطرق الحصول على الخدمة الصحية فى المجتمع المصري ما بين قطاع صحى حكومي وآخر خاص ومدنى وتعدد أساليب العلاج.


 يفتقر اللاجئون إلى الوعى الكافي بالمساعدات الطبية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية، وقد يرجع ذلك إلى عدم إعلان المؤسسات عن نفسها، وعن الخدمة الصحية التي تقدمها للاجئون بشكل كافي، أو انخفاض المستويات التعليمية للاجئين بما لا يؤهلهم لمعرفة حقوقهم القانونية فى المجتمعات المضيفة والخدمات التي تقدمها لهم كثير من المؤسسات والمنظمات.


 ويلجأ اللاجئون إلى الطب الشعبي أو إلى الصيادلة لتشخيص أمراضهم ووصف العلاج بسبب ضيق مواردهم المالية. كما أن الأماكن التي توجد بها الجهات التي تقدم الرعاية الصحية للاجئين تكون بعيدة عن أماكن تجمع اللاجئين، فموقع مكتب منظمة أفريقيا والشرق الأوسط التي تقدم الخدمة الصحية بعيد إلى حد ما عن أماكن تجمع بعض الجماعات اللاجئة، مما يجعل اللاجئين يجدون صعوبة فى الوصول إليه وغالباً ما يكون على اللاجئ أن يأتي أكثر من مرة للحصول على الخدمة الطبية أمر صعب خاصة بالنسبة للاجئين الذين يعانون ظروفاً صحية سيئة، كما يجد اللاجئون المقيمون بصورة غير شرعية صعوبات عند الاقتراب من المكتب بسبب خوف هؤلاء اللاجئين من قوات الأمن الموجودة فى المنطقة. كما تتطلب عملية حصول اللاجئين على الخدمة الصحية من المستشفيات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني قيام اللاجئين بمجموعة من الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على الخدمة تجعل المريض يحجم عن العلاج.


 فقد أعربت الأسر العراقية عن شكواها بشأن الإجراءات المعقدة الكثيرة التي تعوق حصولهم على خدمة كاريتاس بالتحويل إلى أحد المستشفيات أو باسترجاع ما دفعوه فى العلاج الخاص، وقد دفع هذا بغالبية الأسر العراقية اللجوء إلى الخدمات الصحية الخاصة. كا يشكو اللاجئون السودانيون من طول الإجراءات اللازمة للحصول على الخدمة الصحية من مؤسسة كاريتاس وكذلك من مكتب منظمة أفريقيا والشرق الأوسط لدعم اللاجئين.
شكاوى من أسعار العلاج


 تتمثل الشكوى الرئيسية للاجئين فى ارتفاع أسعار الخدمة الطبية وارتفاع أسعار العلاج مما قد يدفع البعض منهم إلى الخروج من المستشفيات قبل الشفاء لعدم قدرتهم على الدفع، فقد أكد 90٪ من العراقيين أن المشكلة الحقيقية التى تعترض حصولهم على الخدمة الصحية فى المجتمع المصري هى ارتفاع التكلفة العلاجية بينما يعانى الفلسطينيون من صعوبة الحصول على الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، واضطرارهم إلى شراء الأدوية غير المدعمة ذات التكلفة العالية، وبالرغم من الخدمات العلاجية المدعمة التي تقدمها مؤسسة كاريتاس للاجئين تغطى 50٪ من مجموع النفقات الطبية، إلا أن الكثير من اللاجئين لا يستطيعون حتى دفع نصف القيمة ومن ثم يتعين على كاريتاس إما تحمل التكلفة كاملة أو يتخلى اللاجئ عن الرعاية الطبية. كما أن المؤسسات التي تقدم الخدمة الصحية للاجئين تعانى من عدة صعوبات أبرزها العجز فى الميزانية بما يؤثر على الخدمة الطبية التي تقدمها، فمثلاً يعانى مستشفى فلسطين المسئول عن تقديم الرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين من عجز هائل فى موازنته، التي خضعت إلى عدة تخفيضات بسبب الأولوية التي أعطاها الصندوق الوطني الفلسطيني عام 1955، إلى إنشاء المراكز الصحية فى غزة والضفة الغربية، وجاء على حساب الخدمة المقدمة للاجئين فى مصر، كما أن الرواتب التي كانت تقتطع من موظفي منظمة التحرير الفلسطينية، لم تكن ترسل إلى الهلال الأحمر مقابل الخدمات المقدمة لهم، وينطبق ذلك على المبالغ التي كان من المفترض أن تحولها السلطة الفلسطينية لدعم اللاجئين الفلسطينيين فى مصر.


اللاجئون والسكن


 يعانى اللاجئون من مجموعة صعوبات أكدتها الدراسات التي تعرضت للمشكلات السكنية للاجئين فى المجتمع المصري، تتركز المشكلات الرئيسية التي تواجه اللاجئين عند السكن فى الاستغلال المفرط من جانب ملاك العقارات للاجئين، والذى يظهر فى الزيادة المستمرة فى قيمة الإيجارات وعدم ثباتها فى ظل انخفاض دخول اللاجئين، التهديد المستمر بالطرد والإبعاد، صعوبة التقاضي أمام المحاكم، السكن فى الأحياء الهامشية والفقيرة.
 وفى ظل المشكلات التي يواجها اللاجئون فى حصولهم على عمل، وانخفاض المستوى العام للأجور يصعب على اللاجئين الارتقاء بنوعية حياتهم وتحسين أوضاعهم ومع استغلال ملاك العقارات الذين يتحكمون فى قيمة الإيجار مما يدفعهم إلى السكن فى الأحياء الهامشية والفقيرة التي تفتقر إلى مقومات العيش مثل الخدمات الأساسية والمرافق إضافة إلى ما يفقده اللاجئون من شعورهم بالأمن الاجتماعي الإنساني الناتج عن غياب الرقابة فى بعض الأحياء.
 يعيش الغالبية العظمى من اللاجئين فى تجمعات سكنية توجد على أطراف المدن وتبعد عن المراكز الحضرية وتفتقر إلى شبكة مواصلات كافية ترتبط بين هذه التجمعات وبين المراكز الحضارية، فأبناء الطبقة الدنيا من اللاجئين الفلسطينيين يقطنون الأحياء الفقيرة فى شبرا والعباسية وعين شمس، بالإضافة إلى العيش فى محافظة الشرقية فى مناطق محددة مثل أبو كبير والزقازيق وفاقوس وفى سيناء بمناطق رفح والعريش والشيخ زويد، أما اللاجئون السودانيون فيقطنون فى عدة أماكن بمصر، إلا أن جميعها من المناطق الهامشية الخالية من أية خدمات عامة، بالإضافة إلى ضيق الحيز المكاني وارتفاع عدد الأفراد الذين يسكنون بداخله فعلى سبيل المثال فى منطقة الكيلو 4.5 يعيش كل أربعة أفراد أو أكثر فى غرفة واحدة.


 وتجدر الإشارة إلى أن سكنى اللاجئين فى الأماكن الهامشية والفقيرة يختلف باختلاف جماعات اللاجئين، بل وداخل الجماعة الواحدة باختلاف الوضع الطبقي للأفراد، فمثلاً لا يسكن العراقيون فى الأحياء الهامشية، بل على العكس فالغالبية العظمى منهم وفقاً لنتائج مسح العراقيين يقطنون الأحياء الراقية مثل السادس من أكتوبر والشيخ زايد، ويعيش بها نحو 49.2٪ من العراقيين ومدينة نصر التي يقطنها نحو 13.2 ومدينة الرحاب 9.4٪، ويعيش الأثرياء من اللاجئين الفلسطينيين فى القاهرة بأحياء مدينة نصر.
عجز الجمعيات الأهلية


 تفتقد منظمات المجتمع المدني المعنية بشئون اللاجئين والتي تتنوع ما بين منظمات دولية وجمعيات أهلية ومؤسسات دينية، إلى التنسيق فيما بينها وبين الحكومة تتركز كثير من تلك المؤسسات فى العاصمة.
 بما يعيق اللاجئين المقيمين خارج القاهرة عن الحصول على الخدمة الصحية، وتضع بعض الجمعيات الأهلية شروطاً على حصول اللاجئين على خدماتها كالدين والعرق كما فى حالة اللاجئين السودانيين الذين ينشئون مجموعة من الجمعيات تفرق بين سكان الجنوب والشمال وبين المسلمين والمسيحيين عند تقديم خدماتها، 


 كما أن لطبيعة النشاط الخدمي المزدوج الذى تقدمه بعض الجمعيات الأهلية التي تشمل مساعداتها المصريين واللاجئين أثر كبير على عزوف الكثير من اللاجئين عن طلب الخدمة من هذه الجمعيات، إذ عادة ما يشعر اللاجئون باستياء من معاملة هذه الجمعيات لهم وكأنهم طالبو خدمة من الدرجة الثانية، فعلى سبيل المثال دائماً ما يرجئ مركز الهداية الخيرى عملية الكشف الطبي على اللاجئين أصحاب الحالات غير الحرجة إلى الشهر التالي، خاصة عندما يزداد أعداد طالبي الخدمة الصحية. 


 افتقار معظم الجمعيات الأهلية للموارد المادية والثابتة اللازمة لتمويل المشروعات التي تتبناها الذي يؤدي الي انسحاب أعضاء الجمعيات من عضويتها أو الي العمل التطوعي بما يجعل الجمعيات أو المؤسسات تعجز عن تحقيق أهدافها توجد بعض الأسباب مرتبطة باللاجئين أنفسهم مثل تدني أوضاعهم المادية.


أوضاع اللاجئين فى المجتمعات المضيفة


 تتأثر أوضاع اللاجئين فى المجتمعات المضيفة تأثراً كبيراً بتطور الأحداث السياسية بين هذه المجتمعات والمجتمعات الأصلية للاجئين، فأي تطور فى العلاقات الدولية سواء بالسلب أو بالإيجاب تنعكس آثاره على اللاجئين، وقد كان لتطور العلاقات المصرية ـ الفلسطينية أكبر الأثر على السياسة التعليمية المتبعة فى التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، فمنذ عام 1945 فتحت الجامعات المصرية للطلبة الفلسطينيين وحتى عام 1978 تمتع الفلسطينيون بحق مساو للمصريين فى الالتحاق بالتعليم الحكومي بجميع مراحله مجاناً،


إلا أن تطور الأحداث السياسية الذى جاء كنتيجة لضلوع بعض الفلسطينيين فى اغتيال وزير الثقافة يوسف السباعي عام 1978، وما تلا ذلك من انضمام منظمة التحرير الفلسطينية إلى جبهة الصمود والتصدي المعادية لمصر مع كل من جنوب اليمن والعراق وسوريا والجزائر فى القمة العربية بطرابلس، كما قام الفلسطينيون بأعمال شغب فى فترة حكم الرئيس السادات لمصر احتجاجاً منهم على سياسته مع إسرائيل، ففي يناير 1972 قام أعضاء نقابة الاتحاد العمالي الفلسطيني بالانضمام إلى الطلاب المصريين فى أعمال شغب واسعة النطاق احتجاجاً على سياسة الجمود التي يتبعها السادات لا حرب لا سلام مما أدى بالسادات إلى اعتقال الكثيرين منهم على اعتبار أنهم المحرضون على هذه المظاهرات، كما تظاهروا ضد اتفاقية سيناء الثانية فى سبتمبر 1975، 


 والتي أدت إلى ترحيل عدد كبير من الطلاب الفلسطينيين وتقليص حاد لأنشطة الاتحاد العمالي الفلسطيني، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات العقابية التي خفضت بشكل كبير من عدد الطلاب الفلسطينيين فى مصر، وفى نوفمبر 1977 أغلق الاتحاد العمالي أثناء زيارة السادات للقدس.


 وأطلقت الحكومة المصرية حملة إعلامية مناهضة للوجود الفلسطيني ومجموعة قوانين جديدة أثرت على الفلسطينيين كقانونيي 47 و48 اللذين ألغى بموجبها كل القوانين التي تساوى بين المصريين والفلسطينيين فى كثير من المجالات كان من أهمها التعليم. وأصبح الطلاب الفلسطينيون فى مصر مطالبين بسداد الرسوم الجامعة بالجنيه الإسترليني وحاول بعضهم التحايل على تلك المشكلة بدخول الامتحانات دون سداد الرسوم الدراسية إلا بعد الوصول للسنة النهائية أو الانتظار لصدور قرار عفو وزاري، واشترط القرار الوزاري الصادر عام 1978 على الطلبة الفلسطينيين الانتقال من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، وقد كان لكل هذه القرارات أثرها على انخفاض عدد الطلاب الفلسطينيين، بينما كان عدد الطلاب الجامعيين فى الفترة من 1965 ــ 1978 يصل إلى نحو 20 ألف طالب انخفض هذا العدد ليصل عام 1985 إلى 4500 طالب فقط.
وضع اللاجئين السودانيين فى مصر 


 وبالمثل فقد كان لتطور الأحداث السياسية بين مصر والسودان الأثر نفسه على وضع اللاجئين السودانيين فى مصر، فقد كان لضلوع بعض السودانيين فى محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995، أكبر الأثر على تدهور العلاقات المصرية السودانية، فقد كان للسودانيين قبل هذا التاريخ الحق فى دخول مصر بدون تأشيرة سفر ولكن منذ ذلك التاريخ حرم السودانيون من هذا الحق، وأصبح دخولهم إلى مصر يتطلب جواز سفر وأوراقاً رسمية وانعكست هذه الأحداث بعد ذلك فى سلسلة من القرارات لتنظيم عملية اللجوء من السودان إلى مصر.


 كان من بينها القرارات الخاصة بتنظيم عملية حصول اللاجئين السودانيين على فرص العمل، التي بمقتضاها تم معاملة اللاجئين السودانيين معاملة الأجانب، وأصبح حصولهم على فرصة عمل فى مصر يتطلب حصولهم على تصريح عمل، وبعد ذلك توالت القرارات كان آخرها فى عام 2004 إذ غيرت الحكومة المصرية من شكل تأشيرة الدخول، و غير مصرح بالعمل على تصاريح إقامة اللاجئين السودانيين المقبولين، ومن ثم تصبح أية محاولة من جانب اللاجئين السودانيين للحصول على فرصة عمل محاولة غير قانونية، وبعد عدة محاولات جادة لأكثر من عام نجحت المفوضية فى إقناع السلطات بإلغاء الختم الجديد فى مايو 2005 وحاول اللاجئون السودانيون الالتفاف حول هذه العقبات القانونية عن طريق حصولهم على أراض زراعية لاستصلاحها وزراعتها.


 ويتمثل رد الفعل الطبيعي لفشل اللاجئين فى الالتحاق بسوق العمل الرسمي فى انخراط اللاجئين فى مزاولة الأنشطة غير الرسمية التي تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم، ولكن افتقاد هذه القطاعات إلى وسائل الحماية الكافية التي يتمتع بها القطاع الرسمي يمثل عقبة رئيسية أمام هؤلاء اللاجئين، ونظراً لحساسية وضعهم كلاجئين تجعلهم عرضة لاستغلال أرباب الأعمال الذين يجبرونهم على العمل لساعات أطول بأجر أقل مما يتقاضاه المصريون الذين يزاولون أعمالهم نفسها. وتشير بعض الدراسات إلى تعرض اللاجئين السودانيين للمعاملة غير اللائقة من جانب أصحاب العمل للعاملين فى القطاع الخدمي ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فقد تجنب اللاجئون العراقيون عدم السماح لنسائهم بالعمل فى الخدمة المنزلية فى مصر بالرغم من حاجتهم الشديدة لهذا المصدر من الدخل تفادياً لإساءة المعاملة