وقفة عز

باريس كما يراها العرب … – نضال حمد – اوسلو

 

   انتهيت قبل ايام من مطالعة كتاب ( باريس كما يراها العرب ) للصديق الكاتب اللبناني فيصل جلول، الذي اشرف على اعداده ..

سعدت بلقاء الرفيق فيصل على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب 2015 في شهر كانون الأول المنصرم، حيث وقع كتابه في دار الفارابي ووقعت انا كتابي (خيمة غزة) الصادر في بيروت سنة 2015 عن داري ابداع ورؤى، في نفس المعرض. كما سعدت حين خصني فيصل بنسخة من هذا الكتاب مع اهداء منه. وقمت بالطبع باهدائه نسخة من كتابي مع اهداء مني. كما هي عادة الكتاب والاصحاب.

شارك في الكتابة في هذا الكتاب 13 كاتبا واديبا ومثقفا من دول عربية مختلفة من المحيط الى الخليج يقيمون او اقاموا في باريس. ومن هؤلاء الكتاب طراد حمادة، جمال الغيطاني فيصل جلول، المنصف المرزوقي، هيثم مناع، سامي كليب، محمد حافظ يعقوب، عمار مرياش، لويزة  ناظور، نايلة ناصر، مارال امين قطينة، قيس جواد العزاوي، وايمان الحمود.

 ينطوي هذا الكتاب على كتاباتهم ومعايشتهم في باريس عاصمة الانوار وملتقى الثقافات. سيدة الثورات عبر التاريخ، وحيث فيها الحريات وفيها ايضا المذابح باسم الثورات والحريات.

هؤلاء الكتاب من اعمار مختلفة وانتماءات واتجاهات سياسية ايضا مختلفة، احتفظوا بتجارب عديدة في المدينة وحولها رأى صاحب فكرة الكتاب الصديق فيصل جلول ضرورة تدوينها ونجح في ذلك بعد جهد سنوات ومشاركات مِن مَن احبوا باريس.

هذا الكتاب تعميم لشهادات متصلة بالقسم الأخير من الألفية الثانية ومطلع الالفية الثالثة. وتندرج هذه الشهادات في سياق عربي اسهم فيه رفاعة الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وتوفيق الحكيم ونزار قباني ومحمود درويش وغادة السمان وكثر غيرهم كما جاء في الكتاب القيّم والجدير بالمطالعة. ولعل تنوعها يفيد في رسم وجوه باريس المختلفة.

تم توقيع الكتاب بجناح دار الفارابي بمعرض بيروت العربي الدولي  وشارك في توقيع الكتاب كل من : سامي كليب، لويزة ناظور، طراد حمادة، إيمان الحمود، قيس جواد العزاوي، نايلة ناصر وفيصل جلول.

عندما قرأت هذا الكتاب ونصوص الكتاب والكاتبات المشاركون والمشاركات في اعداده شعرت بأنني مقصر نحو باريس العاصمة الجميلة. اقول ذلك لانني قمت بزيارتها مرتين على التوالي خلال السنوات التسع المنصرمة. ولم أكتب اي شيء عن زيارتي ولا عن عاصمة الثقافة والنور والتاريخ.

بعد انتهاءي من مطالعة الكتاب كتبت لاخي فيصل جلول انني مقصر اتجاه باريس .. وعزمت على كتابة شيء ما مستوحى من الزيارتين الباريسيتين ومن روعة كتاب باريس كما يراها العرب.

في زيارتي الخاطفة لباريس اول مرة صيف سنة 2007 رأيت المدينة على عجل ولم تسنح لي ظروف الزيارة بالتفسح كثيرا وطويلا في العاصمة. لكن الصديق والأخ التونسي علي ابو رفيق غمرني بحفاوة الاستقبال والتجوال والسياحة الرفاقية … اصطحبني الى برج ايفل والى كنيسة نوتردام والحي اللاتيني وسرنا على ضفاف النهر، وزرنا بعض الأمكنة الأخرى. كانت باريس كما عادتها في فصل الصيف تعج بالسياح والزوار من كل اصقاع الدنيا.

بالنسبة لي فإن رفيقي التونسي ( الفلسطيني القلب والتجربة والمعاناة ) ابو رفيق أهم من برج ايفل وكنيسة روتردام واحدبها وغجريتها وأهم من  متحف اللوفر الشهير، حيث ترقد كنوزالعالم المنهوبة واللامنهوبة….

ابو رفيق التونسي هو من حملني يوم كنت مضرجا بدمي على رصيف بيروتي سنة 1982 وانا ادافع مع مجموعة قليلة العدد من مقاتلي جبهة التحرير الفلسطينية العرب، فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وعراقيين وتوانسة ومصريين عن عاصمة المقاومة والحرية، التي استباحتها دبابات شارون الصهيونية عقب اغتيال بشير الجميل يوم 14-9-1982 .

ابو رفيق نقلني مع آخرين الى مشفى غزة في مخيم شاتيلا حيث كانت تدور مذبحة العصر الحديث في المخيمين صبرا وشاتيلا …

 يا أبا رفيق!

قدري ان أحب المغرب العربي الكبير.

في زيارتي الثانية لباريس سنة 2013 واثناء تجوالي وحيدا في احياء باريس تعرفت على النادل المغربي عزيز، في مقهى عربي يقدم الشيشة وكان ذلك فوق رصيف باريسي يعج بالحركة وبالمارة .. قدم لي شايا مغربيا معطرا و ترحيبا بي كفلسطيني ( شامي ) جعلني أخجل .. كما خجلت مؤخرا من الحب العظيم الذي يكنه لشعب فلسطين شعب الجزائر الشقيق والذي تجلى في التشجيع المثير للمنتخب الفلسطيني ضد منتخب بلادهم التي نحب الجزائر.

 يا عزيز كنت أجمل من جمال باريس …

بالقرب من كاتدرائية نوتردام دام وقوفي لدقائق عديدة وحتى وقت متأخر من ليل اضاءت عتمته انوار الكاتدرائية وأحيت صمته اصوات السياح والزوار الذين جاءوا ليحيوا مع فيكتور هيغو عالم روايته الشهيرة أحدب نوتردام.

هل يا ترى رأوا مثلما رأيت في فترة انتظاري عند الكنيسة العريقة، ازهارا ملونة جميلة تبعث الروح في الجسد من جديد؟

وهل رأوا مثلما رأيت وردة المكان وزهرته التي تفوح منها رائحة الطفولة والجمال؟

هل رأوا غجرية ساحرة ترقص خلف شبابيك الكاتدرائية؟

هل رأوا وجه “إزميرالدا” الذي انبعثت منه انوارااكثر اشعاعا وحضورا من انوار المكان؟؟

..

وهل شدهم اليه الطفل الأحدب، طيب القلب، قبيح المظهر، الطفل الذي يُدعى “كوازيمودو” ؟؟

يقولون يا فتى انك لقيط قبيح المظهر، وأن القس قام بتربيتك فى كنيسة نوتردام وهذا القس طيب القلب، يُدعى “الدوم كلود فرولو” دربك لتكون قارع الأجراس فى الكنيسة ذاتها.

عندما قرعت الأجراس ونحن ننتظر على بعد امتار من باب الكنيسة تذكرتك يا كوازيمودو وتذكرت اجراس كنائس الشرق العربي، من بيت لحم والناصرة والقدس في فلسطين المحتلة وصولا الى صيدنايا ومعلولة في سوريا التاريخ. وحضرني غسان كنفاني وابطال روايته الذين لم يقرعوا جدران الخزان. وتذكرت الممثل اللبناني الكبير الراحل ايلي صنيفر الذي لعب دور البطولة في مسلسل ( الاخرس ) المأخوذ عن رواية فيكتور هوغو ( أحدب نوتردام) .. فصورتك يا كوازيمودو بالنسبة لي كطفل ترسخت في ذهني بصورة ايلي صنيفر.

يقولون يا فتى انك همت في الغجرية الحسناء … ثم اصبحتما صديقين تغامران معا في باريس.

هل رأوا مثلما رأيت الأحدب والغجرية وهما يخوضان معا مغامراتهما على شوارع وفي ازقة باريس؟؟

عند بحثي عن تاريخ الكنيسة وجدت التالي :

 

Notre Dame

كنيسة نوتردام وترجمتها للعربية كنيسة سيدتنا (مريم العذراء), بنيت في القرن الثالث عشر، واستبدلت كنيسة نوتردام القديمة التي بُنيت في القرن السادس. الكنيسة مَبنية بالطراز الجوتي Gothic Style بإبداع بارسي مميز. كانت الكنيسة على مدى العصور مركزاً للصلاة, وللقاءات الثقافية. قبة الكنيسة ترتفع إلى 33 متراً ومَدعومة بأقواس بدون وجود أعمدة في الوسط.

في الكنيسة توجد الشبابيك الزجاجية الملونة (الوردية): و تحتوي كنيسة نوتردام على ثلاثة شبابيك زجاجية دائرية ضخمة، قُطر الشباك الشمالي والجنوبي 13 متراً وقطر الشباك الغربي 10 أمتار.

واثناء بحثي عن تاريخ الكنيسة وجدت ايضا التالي :

 برج نوتردام في باريس

عمليات بناء كنيسة نوتردام بدأت في سنة 1163, وفي بداية القرن الثالث عشر أصبحت أكبر الكاتدرائيات في فرنسا. ألأبراج تشكل الواجهة الرئيسية من هذا المبنى الجوتي الرائع . هنالك 422 درجة للوصول للغرفة العلوية من البرج الشمالي وفقا ً للمكتوب عند مدخل البرج (طاقم فرينشبيديا, عند تسلقه البرج, أحصى 383 درجه فقط!), لا يوجد مصعد!. الجاليري دي شيمرز Galerie des Chimeres في مطلع البرج عَبرت ترميمات في القرن التاسع عشر. غرفة البيلفاري Belfary تحتوي على البوردون The Bourdon, الجرس العظيم, ألذي يدعى عيمانوئيل وهو الوحيد ألذي بَقي بعد إختفاء باقي ألأجراس خلال الثورة الفرنسية. 78% من الجرس مصنوع من النُحاس و22% من القصدير , وزن الجرس 13 طن , وزن مدق الجرس 474 كيلو غرام وقطر الجرس 2.61 متراً. نُصب الجرس في الرابع عشر من تموز 1682 في البرج الجنوبي . كان قَرع الجرس عن طريق حبال تشد بأيدي 16 رجل. بين السنوات 1851 – 1930 أُستبدلت طريقة القرع بارجوحة يشغلها 8 رجال. في سنة 1938 بدأ استخدام محرك كهربائي لقرع الجرس, هذا المحرك اُستبدل في سنة 1953 بمحرك جديد. يُقرع هذا الجرس عشرة مرات في السنة في المناسبات المسيحية. من قمة البرج ينكشف أحد المناظر الخلابة المطلة على باريس.

نشأة باريس

نشأت المدينة أصلا في “أيل – دي سيتي” وهي جزيرة صغيرة يحتل جزءا منها الآن وزارة العدل وقاعة البلدية وكنيسة نوتردام – دي باري، وكانت قرية صيد صغيرة عند غزو قيصر، وسرعان ما نمت لوتيتيا باريز يورم، لتصبح مدينة رومانية مهمة، سمح الإمبراطور جوليان للفرنكيين وهم من القبائل الجرمانية بعبور نهر الراين والاستقرار على حدود الإمبراطورية الرومانية، وعندما بدأ الانحلال والتدهور في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي توغل الفرنكيين في أراضي الإمبراطورية، واستعمروا الأجزاء الشمالية من بلاد الغال ووصلوا إلى شمال مدينة باريس الرومانية، وكان من ملوكهم كلوديون الملتحي الذي انتصر على الجيوش الرومانية بقيادة أئسيوس ثم حكم بعده ميروفيوس الذي نسبت إليه السلالة الميروفنجية، وأصبحت باريس في القرن الخامس عاصمة الملوك الميروفنجيين، وفي عام 845 أغار الفايكنج على باريس، وحاصروها بين عامي (885 – 886)، كما خربتها إغارات النورديين في القرن التاسع. وبإعلان هيو كابت كونت باريس ملكا على فرنسا (مايو 987 – 24 أكتوبر 996)، أصبحت باريس العاصمة القومية وازدهرت كمركز تجاري وثقافي في العصور الوسطى، وفى 1120 تم تأسيس جامعة باريس ولكنها عانت الكثير في حرب المائة عام، احتلتها إنجلترا (1420 – 1436).

تميزت في كل تاريخها بروحها الثورية المتحررة، وظهرت هذه الروح في الحرب الأهلية بزعامة اتين مارسيل (1358)، وفى مقاومتها لهنري الرابع (1589 – 1593)، وفى الفروند الأول (1648 – 1649)، وثورات 1789 و1830 و1848، والحصار الألماني (1870 – 1871).

خطط معظم باريس الحديثة في القرن التاسع عشر البارون جورج هوسمان، احتلها الألمان (يونيو 1940 – 25 أغسطس 1944).

نضال حمد

* مدير موقع الصفصاف الاخباري الثقافي العربي النرويجي – اوسلو

اترك تعليقاً