ثقافة وفن

بوركت عبلين بالفنّ وبالطاقات البنّاءة الراقية!- فاطمة يوسف ذياب

 

بمبادرة من النادي النسائيّ الأرثوذكسيّ في عبلين الجليليّة، وبالتعاون مع المعهد الموسيقيّ العبلينيّ، ابتهجت عبلين بالاحتفال الراقي بعيد الأم العالميّ، في قاعة الرشيد العبلينية للأفراح، بتاريخ 20-3-2017، وبحضور فاق التصوّر ومن مختلف الشرائح العمريّة، وبخفةِ الغزالةِ الرشيقةِ نرى الشاعرة آمال عوّاد رضوان مديرة النادي الأرثوذكسي في عبلين، تنتقلُ من المنصّةِ إلى زوايا القاعة الجانبيّة، مرّةً تلتقطُ الصورَ، ومرّةً تطمئنّ على سيْرِ الأمورِ، ومرّةً تُرحّبُ مع نساء النادي الأنيقاتِ بالوفود القادمة للاحتفال، فكنّ يحتفين بالأمّهات بطريقةٍ مختلفةٍ، فيُقدّمنَ لهنّ العسلَ والوردَ الجوريّ، كتعبيرٍ مجازيٍّ يُضفي لغتَهُ على كلّ مَن شاركَ الحفل، وتُوزّعنَ باقاتٍ من بسماتٍ شفافةٍ تتهادى بانتشاءٍ، وتزهو بعبلّينها التي بادلتها الحبّ بمليون قلب.

بدأ الاحتفالُ على وقع عزفٍ كشفيّ (سنير) في استقبال النسوة المكرمات، بمسيرة قصيرة من باب القاعة واعتلاء خشبة المسرح، ليعلو صوت العريفة آمال عوّاد رضوان مُرحّبة بالحضور من أمّهاتٍ وجدّاتٍ وأطفالٍ وآباء، وبكلّ المشاركين في إحياء الاحتفال، ولتتوالى فقراتُ البرنامج بحيويّةٍ وتصفيق المعجبين وتصوير لعروض ثلاث فِرق بالية التبعة لجمعية الكروان، لأجيال تتراوح ما بين الثالثة والعاشرة وبمرافقة المدرّبة النصراويّة يارا أبو سالم.

وقدّم المعهد الموسيقيّ مجموعة من طلابه العازفين: فِرقة العزف على الساكسفون قدّمت وصلةً موسيقيّة من تدريب الموسيقيّ سبيريدون رضوان، وتلتها وصلة لعازفي القانون بمرافقة الموسيقيّة القديرة مها عوّاد، ووصلة موسيقيّة لفرقة الكمان، وفرق الإيقاع بإشراف المعلّم كميل تيّم.

أما مفاجأة الاحتفال فكانت بما قدّمه النادي النسائيّ الأرثوذكسيّ من وصلةٍ غنائيّة تراثيّةٍ من الزمن الجميل، (هيهات يابو الزلف وميجانا)، ثمّ قمنَ بتكريمِ لفيفٍ من النساء مربّيات الأجيال، واللواتي وضعنَ بصمةً خاصّة في مدماك حياة عبلين: المعلمة سميرة عويّد (أم البهيج)، المعلمة جميلة سليم حاج (أم ديّان)، الروائية فاطمة ذياب، الأم سارة حاج (أم ناصر)، ومرتلة الكنيسة إيلا حبيب داوود (أم وديع).

ولا ننسى علوش الحبيب الذي حضرَ قاطعًا المسافات، ليُشاركَنا الحفلَ بصوته، ونُشاركُهُ الدبكة والرقص مع فرقة الدبكة جفرا العبلينيّة، ويقفُ الزمنُ بخشوعٍ يُطأطئُ رأسَهُ أمامَ لفيفِ النسوةِ المُكرّماتِ، وفي العيون تتراقصُ دموعهنّ بحروفِ شكرٍ وتقدير، مع الصوت الرخيم للفنّانة ألفت حاج وأغنية “ماما يا حلوة”، وبصوت الطفلة لميتا عوض تُلقي قصيدة “أحنُّ إلى خبز أمّي” للشاعر محمود درويش!

إنّها ليلةٌ مميّزةٌ، تربّعت فيها المشاعرُ على عرش الأمومة، فغدت القاعةُ راقصةً تموجُ بالفرح الأزرق، وكلّ امرأةٍ ترسمُ بمَلامِحها شارةً من الغبطةِ المؤثّرةِ بتكريمِ عزيزة لديها، هذه اللفتةُ الإنسانيّةُ تؤكّدُ حاجةَ الروحِ لفسحةٍ من وقتٍ يقولُ لهنّ: شكرًا سيّدتي، أنتِ العطاءُ ونحنُ الوفاء.

بهذه الحروفِ عبّرت الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان عن القائمين في العمل الفني المائز. باختصار، إنّها ليلةٌ تختلفُ بكلّ تَفاعُلِها وانفعالاتِها، أقولُ لكم فيها: شكرًا يا الأحبّة، ونحن على دروب الخير نلتقي ونواصل البذل بسخاء لمجتمع مُتعطّشٍ لهدأةٍ من هذا الصخبِ الجميل الذي يُدغدغُ الروح! إنّها ليلةٌ من ليالي العمر، تألّقتْ فيها الفعاليّات الفنيّة العبلينيّة، مِن عزف شرقي وغربي رقص باليه ودبكة وغناء، وأبدعت كأنّها تقولُ: كلّنا معكم بحِسّنا وأحاسيسِنا، فشكرًا لكِ عبلين بهذه الطاقات الراقية البنّاءة. شكرًا للنادي النسائيّ الأرثوذكسيّ في عبلين. شكرًا آمال عوّاد رضوان. شكرًا نبيه عوّاد. شكرًا لدكتور خالد رشيد سليم على دعمه السخيّ. شكرًا لشاهين شاهين (عسل شاهين) لتقديم العسل هدايا للأمهات. شكرا للمعلم جاسر عوّاد ولأعضاء فرقته الإيقاعيّة في سريّة الكشاف الأرثوذكسيّ في عبلين. شكرًا لرامي سبورت مارون على تقدمة دروع تكريم النساء. شكرا لفرقة جفرا الصغار ولمدربها محمود خطيب. شكرًا لصفوان مارون (s m הפקות)  على توفيره كلّ التجهيزات الصوتيّة والضوئيّة. شكرًا لكلّ من تبرّعَ ماديّا ودعم الاحتفال. شكرًا كبيرةً لجميعكم ولحضوركم، شكرًا لكلّ طفلٍ وطفلة، ولكلّ يافع ويافعة، ولكلّ من شاركنا ورسمَ الفرحةَ على الوجوه المتعبة!

وحول ذكرى عيد الأمّ وبعض ما قيل عنها جاء في عرافة الشاعرة آمال عوّاد رضوان: أهلا بكم في آذار الربيع، في آذار الثقافة والحياة. أهلا بكم في آذار الأمومة، فالأمومة هي أجمل كلمة اختزلت الوجود منذ الأزل وإلى الأبد! قالوا: أمُّ الكِتابِ الفاتحةُ، وأمُّ القُرى مكّة، والكنيسةُ أمُّ المؤمنينَ المسيحيّين، وحوّاءُ أمُّ البشرِ والأحياءِ، وقد حظيتِ الأمومةُ بالتفاتةِ أقلامِ الأدباء والشعراء على مرِّ العصورِ، فقالت ماري هوبكن: “الأُمُومَة أعظمُ هِبَةٍ خَصَّ الله بها النساء”. 

جوبير فيقول: “لو جرّدْنا المرأةَ مِن كلِّ فضيلةٍ، لكفاها فخرًا أنّها تُمثّلُ شرفَ الأمومةِ”. 

أمين سلامة: الأمومةُ أنصعُ رمزٍ لنجاحِ المرأةِ في دنيا البقاء والوجودِ”!

الأمّ هي الكائن الأرفعُ خلقًا وإبداعًا، جعلَ اللهُ الجنّةَ مِن تحتِ أقدامِها (الحديث الشريف)، وجعلَ الأمومةَ تاجًا متفرِّدًا على هامتِها، تتزيّنُ به وتتجلّى في ملكوت الأمومةِ، كما اعتقد العرب أنّ الهدهدَ أبرُّ الطيورِ بأمِّهِ، إذ جعلَ قبرَ أمِّهِ على رأسِهِ، فكافأهُ اللهُ بتاجِ الحبِّ والتفاؤلِ يكلّلُ رأسَهُ!

الكنيسة احتفلت بتوقيرِ السيّدة العذراء في أحدِ نصفِ الصومِ الكبير في إنجلترا، فكانَ يعودُ الأطفالُ في إجازةٍ مَرَّةً في العام الى بيوتهم، وهو الأحدُ الرابعُ مِنَ الصوْم الكبير لرؤيةِ ذويهم، وقد أُطلِقَ عليه أحدُ الأمّهات، ثمّ توقّف الاحتفالاتُ بسببِ الحربِ في الغربِ وأمريكا

آنا جارفيس كانت فتاة ضريرة، وعند موتت أمها عام 1905 بدأ ألمها، فجمعَتْ صديقاتِها وكتبتْ في رسائل وخطابات لجميع الوزراء ورجال السياسة تقول: عشتُ عمري كلّهُ ولم أشعرْ بأنّي ضريرة أو ينقصني شيء، حتّى حلّ يومٌ لاقت فيه أمّي ربّها. 

عام 1911 أعلن يوم عيد الأم عطلةً رسميّةً في الولايات المتحدة، ثم في المكسيك، كندا، الصين، اليابان، أمريكا اللاتينية وأفريقيا.

في ألمانيا، فإنّ هتلر جعل من عيد ميلاد والدتِهِ مناسبةً عامّةً لعيدِ الأمّ، لتشجيعِ النساءِ على الإنجابِ.

كانت مصر أوّل دولة عربيّة احتفلت به رسميًّا بـ 21 /3/ 1956م، مِن أجلِ نشرِ الشعورِ باحترامِ الأمومةِ في الأسرةِ المصريّة، وباقتراحِ الأخويْن “مصطفى وعلي أمين”، مؤسّسي دار أخبار اليوم الصحفيّة، بتكريس يوم 21/ آذار وهو أوّلُ أيّام فصلِ الربيع؛ ليكونَ رمزًا للتفتّحِ والصفاءِ والمشاعرِ الجميلةِ، ومِن منطلق علي أمين القائل: “لأنّني أحببتُ أمّي، مِن أجلِها أحببتُ كلَّ نساءِ العالم”. لقد تبلورتِ الفكرةُ مِن خلالِ رسالةِ أرملةٍ تشكو جفاءَ أبنائِها لها ونكرانِهم لجميلِها، ومِن ثمّ انتشرتْ هذه الفكرةُ في سائرِ الدولِ العربيّة، وفيه يُخصّصُ تكريمُ الأمّهاتِ المثاليّات اللواتي عِشنَ قصصَ كفاحٍ عظيمةٍ، مِن أجل أبنائهِنّ في كلِّ صعيد.

قال شوبير: ليستْ هناكَ في الحياةِ امرأةٌ واحدةٌ تهَبُ كلَّ حياتِها وكلَّ حنانِها وكلَّ حبِّها، دونَ أن تسألَ عن مقابلٍ إلاّ الأمُّ.

جميل الزهاوي: ليسَ يَرقى الأبناءُ في أمّةٍ ما لم تكنْ ترَقّتِ الأمّهات! حافظ إبراهيم: الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددْتَها أعددْتَ شعبًا طيّبَ الأعراقِ.

فولتير: مستقبلُ المجتمعُ بينَ أيدي الأمّهات والزوجةُ المُتعلّمةُ هي مفتاحُ البيت.

مصطفى لطفي المنفلوطي: علّموا المرأةَ لتجعلوا منها مدرسةً يتعلّمُ فيها أولادُكم قبلَ المدرسة، ويتربّى في حِجْرِها المستقبلُ العظيم.

أمّا ابنُ المُقفّعِ فيقول: بل، “مستقبلُ المجتمعِ بينَ أيدي الأمّهاتِ، وإن ضاعَ العالمُ، فهي وحدَها تستطيعُ إنقاذَهُ”.

هناك نساء لم يتزوجن نلنَ مِن حظّ الأمومةِ ما يفوقُ الوالداتِ، فغذّينَ أطفالاً وأجيالاً مِن ثديِ العقلِ والحنانِ والحكمةِ والبِرِّ والرحمةِ!

اترك تعليقاً