الأخبارالأرشيف

بيت لعائلتين – احمد مجدلاني وابراهام بورغ

السلام يحتاج إلى الاعتراف بصدمات الماضي بأن نتذكر ونحترم ذكريات ومآسي بعضنا
احمد مجدلاني وزير عند عباس في رام الله وابراهام بورغ صهيوني من كيان الاحتلال – 
نحن الاثنين ولدنا في الوضع الذي سبق حرب الأيام الستة. أحدنا ولد كلاجيء بعيدا عن ارضه، والآخر، إبن عائلة لاجئة في دولتها الجديدة. واحد داخل النشوة والآخر داخل تراجيديا شعبه وعائلته. ومنذ ذلك الحين شاهدنا الحروب وسفك الدماء، وكنا جزءا من الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها والاخلال بها، انجررنا مع الأمل، احترقنا بنار خيبة الأمل، وما زلنا نمتليء بالتفاؤل. الغد سيكون أفضل، وفي نهاية المطاف الشعبان سيحصلان على السلام الذي يستحقانه.
ما هو هذا السلام؟ احيانا نحلم بأن يأتي يوم بعيد، يسود فيه التجانس بين جميع البشر، حيث لا يمكن أن يستمر العداء إلى أبد الآبدين، لكن حتى يأتي ذلك السلام، نحن ملزمون بسلام جزئي. سلام لا يعتمد على القوة والمصالح، بل على المباديء والقيم. سلام يعتمد على العدالة ويعتبر أن جميع الناس متساوون.
إن كل شخص يعيش في المكان المشترك بين النهر والبحر سيحصل على نفس الحقوق. ومن حق كل انسان بالحرية والمساواة ينبع حق كل شعب في تقرير مصيره، شريطة أن يكون تقرير المصير لهذا الشعب لا يضر بتقرير المصير للشعب الآخر. يجب أن يكون الامر واضحا للجميع: نحن نريد دولة فلسطينية سيادية، لا أكثر ولا أقل. دولة ذات سيادة مع جميع الصلاحيات والرموز، تعيش بسلام وجيرة حسنة إلى جانب دولة اسرائيل التي تملك كل هذه الامور.
نحن لا نتجاهل الصعوبات المعروفة ـ الاعتراف باسرائيل، الحدود، اللاجئون والقدس ـ لكن لا حاجة إلى الدخول اليها انطلاقا من نفس المواقف التي أدت إلى الوضع الحالي. نحن نريد السير في طريق جديدة ومن موقع آخر.
محطتنا الاولى هي التفهم والحساسية. كل سلام مستقبلي يحتاج إلى الموافقة على صدمات الماضي التي اصابتنا كجزء من الوضع الراهن.
أنا، أحمد، أعرف وأنا حزين بسبب كارثة الشعب اليهودي، وأدرك الجرائم الفظيعة ضد الانسانية التي قام بها البشر ضد اشخاص آخرين. أقدم التعزية لكل واحد من جيراني اليهود الذين هم ضحايا النازية الأبرياء.
وأنا أبراهام، أدرك التراجيديا الكبيرة للشعب الفلسطيني، التي ولدت مع ولادة دولتي. أنا حزين ومسؤول عن نصيبي في دمار مئات الجاليات والشتات واللجوء، الامر الذي ما زال مستمرا حتى الآن. من منطلق هذا الاعتراف المتبادل، نحن نريد خلق غد أفضل لأبنائنا. نحن نتذكر الماضي ونحترم ذاكرة بعضنا، ولن نقوم أبدا بـ «تنافس الصدمات».
المحطة الثانية: نحن على قناعة بأنه يمكن اصلاح الماضي دون التسبب بفظاعة جديدة، تجعل الاجيال القادمة تعيش في سنوات من العداء. اعترافنا المتبادل ببعضنا البعض ليس بفعل النفي والتراجيديا، بل هو اعتراف ايجابي. نحن لا نزعم بأنه يمكننا تغيير التاريخ. أنا أعترف بحق وانتماء الشعب الفلسطيني لهذه الارض الرائعة والاماكن الجيدة، وأعترف بعلاقة وحق الشعب اليهودي في تجديد حياته في نفس الاماكن. لأننا ولدنا في هذا الواقع ونحن نعمل على اصلاحه.
المحطة الثالثة: نحن نريد استبدال طبيعة العلاقة بيننا. لا مزيد من الفصل والجدران والكراهية، بل علاقة جيرة جيدة، أساسها المكان المشترك. الاماكن المفتوحة، البنى التحتية، الطبيعة وايضا اجزاء معينة من اجهزة تعليم أولادنا يجب أن تكون مشتركة ومناسبة. أما النظام والثقافة والتقاليد والعلاقات الاجتماعية الداخلية فستكون منفصلة. بكلمات يفهمها هنا الكثيرون: نحن نريد بيتا لعائلتين. جزء منه يكون خاص للفلسطينيين والاسرائيليين، وجزء منه يكون مشتركا للجميع. أي دولتين سياديتين مستقلتين للشعبين، لهما علاقة خاصة فيما بينهما من اجل مصالح الشعبين ورفاههما.
نحن لا نتجاهل المصالح المشتركة والمتناقضة، لكننا نريد تجاوزها. لا مزيد من الصراع، الذي يكون انتصار أحد الطرفين فيه يعني هزيمة الطرف الآخر واهانته. بل عدد من الحلول التي تؤدي إلى فوز الجميع، صحيح أنه ليس في كل شيء، بل في معظم الامور.
إن الامر الأهم من الشؤون السياسية والقومية والاقتصادية هو الوضع الانساني: الاخوة. لقد تعلمنا من التجربة الصعبة أن الحسم في حوار المصالح هو عرض للعضلات ويعتمد على القوة، أما حوار الاحترام بين المتساوين والاستماع والاقناع فهو أداة حقيقية لمواجهة هذا الامر. هذا هو التغيير الايجابي في علاقة الأمتين. من العنف والاستبعاد والتجاهل والمواقف المسبقة ـ إلى الاعتراف والاحتواء والقيم الديمقراطية للجميع. لقد فهمنا منذ زمن أن القيمتين الاكثر أهمية للثورة الفرنسية ـ الحرية والمساواة ـ لم يكن يمكنهما التحقق بدون القوة التي تجند الأخوة. قوة المختلفين، الذين يتوحدون معا من اجل المصلحة الجيدة المشتركة للجميع.
نحن نقترح دائرتين للتضامن، كل واحد منا لديه حب ومسؤولية نحو أبناء شعبه وجاليته وارثه الذي يجب الحفاظ عليه. وأن نضيف إلى ذلك الأخوة مع الشركاء في نفس الارض والسماء، الذين يحلمون أحلام متشابهة بلغات أخوة. مثل قصيدة محمود درويش «وأنت تدير حروبك، فكر بغيرك/ لا تنسى من يريدون السلام… عندما تعود إلى البيت، إلى بيتك، فكر بغيرك/ من ينامون في الخيام». ومثل قصيدة شاؤول تشرينيحوفسكي، نحن ما زلنا نؤمن بـ «ايضا بالانسان، ايضا بروحه، روح شجاعة». لا شك لدينا أنه من داخل هذا الصراع المحزن ستولد روح جديدة وكبيرة للشعبين. سينشأ جيل منا ومنهم كي يحطم قوانين العداء، ويحل السلام وتحل البركة على الشعبين.
بعد مرور خمسين سنة قد يكتب أحفادنا خلاصة العقود الخمسة التي تبدأ الآن. إذا استمر جيلنا بالفشل، لا سمح الله، فستكون خلاصتهم مشابهة لخلاصة هذه الايام: الحزن والانكسار واليأس. واذا نجحت طريقنا فستكون هذه خلاصة مليئة بالسعادة، تتحدث عن قدرة الشعوب المصابة، على التغلب على الخوف والندب، وتحويل الصراع المحلي إلى حل يمنح الالهام لشعوب كثيرة.
هآرتس 5/6/2017