وقفة عز

تيودورهرتزل في فيينا

نضال حمد

أطلقت النمسا اسم تيودورهرتزل على ساحة في العاصمة فيينا، فهي ليست إشاعة، لا بل انها الحقيقة كل الحقيقة لنا وللنمساويين وللعالمين من بازل حتى بروكلين.

هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وأباها الروحي، صاحب كتاب الدولة اليهودية الذي يعتبر المرجع الروحي والفكري والأساسي للاستعمار الذي اجتاح فلسطين وطرد أهلها بعدما قام بالتنكيل بهم وإحراق مدنهم وقراهم.

هرتزل اسم مشؤوم فهو للفلسطينيين كما اسم هتلر لليهود وللأوروبيين. فالأخير قاد باسم النازية حملة القتل والطرد وتهجير اليهود في أوروبا الى فلسطين المحتلة. لذا فهو اسم غير مقبول وغير مرغوب وحتى انه ليس مستساغاً. فمجرد ذكره يقودنا للمجازر والحروب والمذابح في فلسطين المحتلة .

هرتزل بالنسبة للفلسطيني يعني ما عناه ويعنيه اسم هتلر لليهودي. فهذا الاسم سرعان ما يذكرنا نحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وكذلك المسيحيين من أهل الشرق العربي بالنكبة الفلسطينية، وبعمليات التطهير العرقي والطرد والتهجير والقتل الجماعي، التهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم فلسطين بغية انشاء كيان (اسرائيل) حُلُم ومشروع هرتزل… اسمه يذكرنا بضحايانا الذين تم نحرهم-ن بسكاكين وحراب ورصاص وقنابل الغزو الصهيوني المدعوم من الغرب والشرق، ويذكرنا بمدننا وقرانا المستباحة والمنهوبة والمسلوبة، حيث صادر بالقوة والنار والارهاب أحفاد وأبناء هرتزل الوطن الفلسطيني وأقاموا فيه كيانهم الصهيوني المسمى (إسرائيل).

لماذا تطلق بلدية فيينا اسم هذا الشخص على ساحة في عاصمة بلد أوروبي عريق فيه حياة ديمقراطية وقانون وحضارة إنسانية؟

هل لأن هرتزل يهودي؟

هل لأنها تريد تكريمه؟

 إذا كانت تريد تكريمه فما هي الصفات التي وجدتها فيه حتى تكرمه؟

نحن لم نجد في أفكاره سوى الاجتثاث والاستئصال والتوسع والعنصرية والعداء للعرب والمسلمين والمشرقيين، والاستعلاء الفوقي والاستعمار الصهيوني. كما وجدنا أن نتيجة لأفكاره التي تربت عليها العصابات الصهيونية، قام هؤلاء عند تحقيق مشروعه بمساعدة التاج البريطاني وأوروبيين آخرين باحتلال فلسطين العربية وارتكاب عشرات أو حتى مئات المجازروالمذابح الكبيرة والصغيرة في فلسطين وجوارها. ولم يتوقف الحال عند ذلك. فاستمرت (إسرائيل) فيما بعد بسياسة العقاب الجماعي، والعزل والحصار، والتصفيات والاغتيالات، والاجتياحات، والترانسفير القسري الداخلي والخارجي، والتمييز العنصري، وأحياناً ما يشبه الإبادة الجماعية لأهل وسكان مناكق معينة في فلسطين العربية وجوارها. كما حدث في مخيمات صبرا وشاتيلا وجنين وفي قطاع غزة ومخيماته، وفي قانا وغيرها من الأماكن اللبنانية والعربية الأخرى.

ألأجل هذا يكرَّم الأب الروحي للإرهاب اليهودي المتمثل بالحركة الصهيونية الحاكمة في (إسرائيل) بيسارها ويمينها، مع تفاوت بالحدة والممارسة والتكتيك والحديث عن السلام، فاليسار يتكلم بلهجة معتدلة ويمارس على الأرض سياسة متشددة. أما اليمين فيتحدث بلسان متشدد ويمارس نهجه على الأرض بنفس الحميّة التي يتحدث بها أو حتى أكثر من ذلك؟ والأهم هل لهرتزل علاقة بالثقافة الإنسانية الحقيقية حتى تكرمه لجنة الثقافة في بلدية فيينا؟

لماذا لا يكرمون غيره من الشخصيات العالمية التي تستحق هذا التكريم، لدينا غاندي ومانديلا والشهيدة راشيل كوري (ناشطة السلام الدولية الأمريكية التي قتلها الصهاينة)، التي اغتالتها جرافات الدمار والهدم الصهيونية في رفح.

 لماذا لا يسمون تلك الساحة باسم أطفال فلسطين الذين يُحرَقون ويُقتلون ويُغتالون يومياً؟

فهؤلاء أحق بالتكريم وبالتسمية من شخص كهرتزل كرس حياته لخدمة فكرة عنصرية استعمارية أنجبت في الختام إرهاب الحركة الصهيونية.

في ذكرى وفاة هرتزل التي ستحل علينا يوم الثالث من يوليو (تموز) المقبل وبمناسبة إطلاق اسمه على ساحة في العاصمة فيينا، لا يسعنا إلا نتقدم من بلدية فيينا بالتعزية بوفاة العقل والمنطق والأخلاق والعدل والثقافة والتسميات في عاصمة النمسا الحديثة.

 الثامن من أيار-  مايو 2004 

hertzell