غير مصنف

جلسة حوارية مع البرفسور د أسعد ابو خليل – اعداد نضال حمد

جلسة حوارية مع البرفسور د أسعد ابو خليل

تصوير موقع الصفصاف

 ( العربي الغاضب )

 اعداد نضال حمد

أوسلو – الصفصاف : 17-06-2009

انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان احد الاشخاص يذيع من واشنطن

عن جورج حبش : التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده

عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر؟

الدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا

القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية

بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني

صار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل

ادوارد سعيد قال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين

مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع

الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني

 كنا نشكو في السابق اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة

 بدعوة من الهيئة الادارية للجالية الفلسطينية في النرويج ، وباعداد من موقع الصفصاف الاخباري العربي النرويجي تمت دعوة البرفسور أسعد أبوخليل المحاضر في كلية العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا الأمريكية لجلسة حوار في البيت الفلسطيني في اوسلو. حيث أدار الندوة مدير موقع الصفصاف نضال حمد ، بحضور مجموعة من المهتمين الفلسطينيين والعرب. تحدث خلالها أبو خليل عن تجربته مع الثورة الفلسطينية ، وعن الوضع السياسي عامة. فتطرق لكثير من الأمور الهامة .. نقوم هنا بنشر  وقائع الجلسة في جزئين ، الأول حديث د أبو خليل والثاني الأسئلة والأجوبة..  بدأ د أبو خليل محاضرته بالقول :

انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان  احد الاشخاص يذيع من واشنطن.

 لم يكن لي أن أتنصل من الدعوة هنا خاصة ان الاسم البيت الفلسطيني يعني لي الكثير ، انا جئت الى هنا (أوسلو) بدعوة من دار نشر نرويجية تقيم مؤتمراً أكاديمياً وهو نشاط يرتبط بوزارة الخارجية … مؤتمر يتعلق بالشرق الأوسط بشكل عام ،مع ان اوسلو في العنوان، انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان  احد الاشخاص يذيع من واشنطن. مؤتمر اكاديمي كل واحد يتحدث عن موضوع ، انا أريد أن احكي عن السياسة الخارجية السعودية اتجاه القضية الفلسطينية. أما بالوقت الذي متاح لي  هنا معكم ، سوف احكي نصف الوقت والنصف الباقي ندخل في حوار.

اللقاء مع جورج حبش : دائما أقول وقلت في رثائي له انني التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده ..

اول شيء كشخص ولد في لبنان وترعرع هناك انا مدين للشعب الفلسطيني بكثير من نموي الفكري والذهني ، لانني اعتبر أنه لم يكن لي ان اتعرف لما تعرفت له من أفكار ثورية ومن تعاطف مع الفقراء والمساكين ، القضايا التي كان ولايزال لبنان غائبا عنها الى حد كبير جداً.حتى في اوساط المقاومة الحالية في لبنان بدنا نحكي بصراحة حزب الله ،ما في تناصر لموضوع الفقراء والمسحوقين . يعني أنا بتجربتي بالقضية الفلسطينية في لبنان ،كان في نضال واهتمام مزدوج من ناحية في الصراع ضد اسرائيل ومن ناحية الصراع من أجل نصرة الفقراء اينما كانوا، طبعا اعتز بهذه التجربة.. واعتز أكثر انه تسنى لي وفي سن مبكرة ان ألتقي من دون اي مبالغة  واحداً من عظماء القرن العشرين وهو الدكتور جورج حبش ، وكان له أكبر التأثير علي وعلى نفسي. ودائما أقول وقلت في رثائي له انني التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده .. كان شخصا مميزا بالفعل. مميز على صعيد الممارسة وعلى الصعيد الشخصي. من النادر ان تتعرف على شخص وكلما تقترب منه تزداد اعجابا به ، عادة العكس… بتجربتي أنا عادة في كثير من الناس الي بتعرفهم عندما تقترب منهم اكثر من مرة تكتشف اشياء  (تنفر) وانا دائما أقول… في رفيق كان مساعد للحكيم لسنوات طويلة التقيته مؤخراً في عاصمة غربية وتحدثنا في الموضوع ، وقلت له انك عشت كل هذه السنوات مع الحكيم : ما شفت ولا شغلة سيئة فيه ، ازعجتك؟ اقسم انه لم يكن هناك اي جانب سلبي …مع انني دفعته كي يتصارح معي.

. عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر ؟

ساحكي بشكل عام..عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر ؟ بايجاز شديد سأقول الجوانب السلبية والايجابية في القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر . هناك لا شك جوانب سلبية .. نحن جزء من جيل الاحباط وجيل الهزائم يعني تاريخنا شخصي ، وانا اتذكر تاريخي الشخصي فأُعلم على مسيرتي الشخصية عبر الجرائم الاسرائيلية ، غزو ، عدوان و قصف ، هزيمة 1967 مع انني كنت ابن 7 سنوات ، لكنها افسدت علي وعلى بعض منكم الذين هم اصغر مني سناً. حرب82 قاسية جدا للذي كان في لبنان آنذاك ، للذي رأى مثلاً الأعلام البيضاء في منطقة جنوب لبنان ، على السطوح ، كان في استفهام للتعامل والتعاطي مع العدو الاسرائيلي ، والكثير من أدعياء المقاومة في لبنان اليوم ، مثلاً في حركة أمل، كانوا هم النافذين ، أنا في بلدة القليلة (من بيت ابوخليل) كنت اسمع بخلافات باوساط حركة امل ، كانوا في عهد سعد حداد يهددوا بعضهم بجيش الدفاع ، ما يسموا الجيش الاسرائيلي بل جيش الدفاع ،يقول للآخر أنا سأحضر لك جيش الدفاع.

الدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا

 الجوانب السلبية : هناك احباط .. والاحباط خطير.. الصهيونية والدعاية الصهيونية دائما تعول على الاحباط .والدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا. حتى لا يستقيم لنا عمل دؤوب في مواجهة الصهيونية. وقد كتبت عن الموضوع باللغة العربية. هناك كتاب صدر لمفكر صهيوني امريكي (بولاك) ولم يترجم عن الاساليب والاداء العسكري للجيوش العربية في مواجهة اسرائيل، وخلاصة الكتاب خلافاً لما يشاع انه لم نكن على المستوى المتدني الذي اشيع لنا من قبل اسرائيل لاحباطنا ،ومن قبل الانظمة العربية لتسويغ عجزها وعدم نيتها لمواجهة اسرائيل. نجد في الكتاب انه عندما اتيح للمقاتل العربي ان يقاتل حتى في الجيوش التعيسة التي عندنا (تعيسة القيادة ) قاتلت. ويخلص الكتاب بخلاصة يقول فيها : المشكلة كانت في القيادة السياسية، في عدم السماح لروح المبادرة .. مثلاً أنا عندي تلاميذ بيكونوا بالجيش الأمريكي ، بالمارينز بيدربوهم ،ان اذا كنتم اثنين واحد منكما قائد …  تصوروا التدريب؟ العالم العربي بتعرفوا انتم… ايام الثورة الفلسطينية ياسر عرفات لو في مكتب لفتح في صور بدو يشتري براد كان يصرّ أنه هو الذي يوقع. يعني ممنوع وعلى طريقة الانظمة العربية ، ممنوع السماح لروح المبادرة عند الفرد. انا لما شاهدت حرب تموز 2006 هذه الشجاعة والبسالة في قتال الاسرائيلي – كنت مؤخراً في واشنطن في عشاء مع صديق لي كان مناضل قديم في حركة فتح ولازال جسمه يحمل آثار الجروح من مواجهات مع اسرائيل – قلت له : طيب نحن كنا عايشين الوضع ، الم يكن بالامكان . يعني في 82 كم كنا نعرف اشخاص بواسل في فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وكل الفصائل ، الذين كانوا يقدروا انهم يواجهوا اسرائيل بغير الطريقة التي تمت المواجهة فيها ، لكن القيادة السياسية لم تكن تسمح بذلك. الدعاية الصهيونية كانت ان الاحباط عبر المبالغة في قوة العدو لدرجة ان يقال .. انا اتذكر دائما كم الاحباط قادر أن يؤثر على تغيير الناس ، كنا نعاني من اشخاص كنا نعرفهم ، والآن كنا بسيرة واحد منهم عندكم في اوسلو . ان المناضل السابق صار بوق للسعودية وفي منهم باوسلو ولندن وكل العواصم والمدن. السبب جزء منه ارتزاق وتكسب وجزء آخر فيه احباط . أنا أتذكر مرة كان في واشنطن صادق جلال العظم الذي شخصياً أنا نشأت على كتاباته النقدية ، خبرني احدهم انه سوف يتحدث امام اللوبي الصهيوني سنة 1993 ،فكتبت له وسألته هذل هذا معقول ؟ أجابني نعم .. قلت له كيف انت معقول تعمل هيك؟ قلت له انت المزايد الأكبر ، أنت الذي زايدت على الجميع كنت تتهم خصومك بكذا وكذا.. أخيراً قال لي يا أسعد : انهزمنا …انا دائما اذكر هذه المحادثة. وطبعاً صار مشاذة بيني وبينه وعاد هو وألغى الكلمة التي كان سيلقيها.الأمر الذي اريد قوله ان جو الاحباط المدعوم صهيونياً ومن الانظمة العربية تلاقى هذا الاحباط المقصود بهدف تيئيس الشعب.

القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية و ياسر عرفات وانور السادات هما اللذان وضعا لبنات التسويات المنفردة

 الأمر الآخر السلبي انه تحت شعار سيء جداً وهو استقلالية القرار الفلسطيني الذي كان ياسر عرفات دائما يكرره يعني هذا مثل كلام حق يراد به باطل ، وحتىكلام باطل انا برأيي ، استقلالية القرار الفلسطيني فماذا حدث؟ تحت سياسات عرفات .. الذي حدث ان القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية. الآن في وثائق تنشر من وزارة الخارجية الامريكية نكتشف اليوم الحد الذي كان فيه الملك فيصل ، تصوروا حتى في اوائل السبعينات لما كان الملك فيصل يحكي بالجهاد وقتها كان النظام السعودي يضغط فيه ويُسيير القرار في حركة فتح. الآن في وثائق لم نعرف الكثير عنها. تحت شعار استقلالية القرار الفلسطيني بينما لم يحصل على هذه الاستقلالية في الوقت الذي ادى هذا القرار الى شوفينية النظام الفلسطيني .. طيب انا ابن ال49 عاماً كنا في جو في لبنان في السبعينات مثلاً كان يتقاطر الى لبنان من كل الدول العربية للمساهمة في تحرير فلسطين ، كان المخيم التدريبي يضم ابناء وبنات من كل الدول. يعني مسألة انه هذا امر فلسطيني وهذا أمر عربي لم يكن موجودا ، فالذي حدث بهذه الشوفينية ، بهذا الشعار انه صار يشعر العربي وكأنه متطفل على موضوع النضال الفلسطيني. وطبعاً تكرس هذا الأمر بصورة كبيرة في المفاوضات التي تمت في هذه المدينة (أوسلو)..المفاوضات السيئة الذكر التي أدت الى أوسلو والتي تمت من دون اي مشاورة واي موافقة . في الوقت الذي كان النضال الفلسطيني عبر العقود على اساس انه حتى التسوويين كانوا يحكوا بالتسوية الشاملة فياسر عرفات وانور السادات هما اللذان وضعا لبنات التسويات المنفردة التي سمحت سمحت للتفريط بالحقوق العربية كاملة وجزئية.

صار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل

الجانب السلبي الثالث أنه للمرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني ، النضال الفلسطيني دائما مثل اي حركة تحرير ومثل أي حركة نضال ضد الاحتلال كان في متعاملين ومتعاملات ، دائما بكل الحركات بالجزائر وفيتنام بكل الثورات ، بفلسطين حتى بالمرحلة الأولى يعني بالثلاثينات مثل رغدي النشاشيبي ، بالسنوات اللاحقة مصطفى دودين بالسبعينات  و محمد علي الجعبري.. كان في متعاملين ومتعاملات مع الاحتلال.  وهناك كتاب صدر لكاتب نسيت اسمه الأول كوهين صدر له ترجمة عربية  بعنوان جيش من الظلال ، يتحدث فيه عن تاريخ الاستعانة الصهيونية بمتعاملين تحت ظروف مختلفة . طيب الأمر الجديد أنه صار عندنا نظام متعاملين ومتعاونين  هذا أمر جديد. في السابق كان المتعاملين مع الاحتلال مثل الجعبري ودودين يعملون ذلك بالخفاء وفي خجل شديد وكان العار يلاحقهم اينما ذهبوا . طيب الآن صار في عندنا نظام يتلقى الدعم العربي والغربي والدولي وغير منتخب ، او ذات صلاحية مثل  المدعو أبو مازن في يناير  .. هذا النظام يتلقى دعم عسكري وسياسي من كل العالم ، ويتكلم باسم الفلسطينيين، فصار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل. يعني هذه مسألة صعبة جداً في الوقت الحاضر في طبيعة التعاطي بمسالة الصراع ضد اسرائيل.

الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني

الجانب السلبي الرابع : نقول أنه لم نعش في مرحلة كانت فيها الأنظمة العربية متنصلة الى هذه الدرجة من أي دعم للقضية الفلسطينية. على العكس باتت مجاهرة بتبنيها للصهيونية ، الصهيونية العربية كانت دائما سمة في ثقافتنا السياسية في العالم العربي ، الصهيونية العربية ليست ظاهرة جديدة. النظام الاردني بني على اساس نظام عربي تبنى العقيدة الصهيونية. الكيان اللبناني بني على اساس نفس اقامة كيان رديف يتبنى عقيدة الوطن المسيحي كتوأم للحركة الصهيونية ، وتحت هذا الاطار وقعت البطريركة المارونية في عام 1946 وثيقة سرية تحالفية بين الحركة الصهيونية والبطريكية المارونية. الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني و الحلف السعودي العربي الصهيوني لم يعد خافياً على الاطلاق. المسألة واضحة مثلاً تفتح جريدة الشرق الأوسط  – قبل قليل وقبل حضورنا هنا كنا مع زميلة قادمة من فلسطين قدمت لنا جريدة الايام الفلسطينية – تفتح الجريدة فترى صفحة كاملة ترجمة لكتابات من الصهاينة في الغرب زليس الصهاينة في اسرائيل. هذه التعليقات في الجريدة وفي تعليق عن الانتخابات في لبنان من صهيوني في لبنان. هذا الجو .. أنا اذكر عندما انور السادات قام بماقام به ، أذكر عندما دخلت الى مبنى في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ولا اعرف إذا كان في أحد منكم يذكره ، كان في ملصق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كبير، رجل يشير بأصبعه للجمهور ويقول : السادات يخون الوطن أنت مطالب بالرد.. وقتذاك كنا نقول السادات هو الاستثناء ، اليوم على العكس هذه السياسة العربية الرسمية ، هذه هي عقيدة ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي هي من افكار الصهيوني توماس فريدمان. هذا جانب طبعا سلبي.

المؤسف اننا كنا نشكو في الستينات والسبعينات اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة

الجانب الخامس السلبي ان الثورة الفلسطينية كان لها مواقع يعني ماكان جورج حبش يسميه هانوي عربية ، محاولة انشاء هانوي عربية.. مثل قاعدة للثورة تنطلق منها في عملية تحرير فلسطين ، الآن هناك تضييق مش بس على امكانية الثورة الفلسطينية تضييق على خناق الشعب الفلسطيني نفسه. من الخليج الى لبنان الى سوريا .. الى كل مكان آخر .. وحتى لا أسترسل في الجوانب السلبية سأستدرك لأشير الى بعض النقاط الايجابية.التي تجعل مني شخص عاش طيلة حياته مواكباً القضية الفلسطينية تجعل منه شخصاً أكثر تفاؤلاً من قبل . هذه هي المفارقة ..انه بالرغم من حالات الهزيمة والاحباط التي عشناها في حياتنا في خمسين سنة ولكن هناك ايجابيات. وانا كنت دائماً متيقن من أن اسرائيل الى زوال ولا ازال ،وكنت متيقن انه لن تقوم قائمة للعالم العربي بوجود لدولة اسرائيل على اي بقعة من فلسطين شبراً كانت ام أكبر . ولكن لم اكن أحلم في يوم من الأيام بان اتشوق الى امكانية رؤية تحرير فلسطين في حياتي. ما حدث في 2006 بالغ الدلالة على أكثر من صعيد والتغيير الاستراتيجي اصاب العدو بالذعر. صحيح ان الميزان الاستراتيجي بمقياس تعداد الطائرات والدبابات يعني الى تدني لان اسرائيل تتسلح والأنظمة العربية ممنوع عليها ان تتسلح إلا ضد شعوبها.إذا اردتم اجهزة مكافحة الشغب وغيره موجود ، مثل ما يجري في جيش دايتون في فلسطين، يعني مكافحة ضد الشعب الفلسطيني ، كما يجري في لبنان ، اسلحة في مواجة الشغب وغيره. لكن ان تحدث مواجهة بين العدو وبين مقاومين الى ان نعيش في عهد نقرأ في الصحف الاسرائيلية ان المقاتل الاسرائيلي يخاف من المقاتل العربي ، هذا أمر جديد وامر بالغ الدلالة ويؤثر على طبيعة المواجهات المقبلة. يعني لو كان الاعلام العربي على غير ما هو عليه  من سيطرة سعودية صهيونية لكنا استخلصنا من الدروس الكثير. المؤسف اننا كنا نشكو في الستينات والسبعينات اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة. وذلك لأن النصر لا يتوافق مع المخطط العربي الصهيوني الامريكي..يريدون منا ان لا نثق بانفسنا وبقدرتنا على مواجهة وهزيمة اسرائيل. حتى ما حدث في غزة ، طبعا هناك فارق كبير ، وهناك تمرس في المقاومة في لبنان ، اكثر بكثير من تجربة حماس لا شك في ذلك ، لكن ما حدث في غزة ، هو خلاف لما كان يجري في السابق ، حيث لم تكن تستمر عمليات العدو سوى لأكثر من ساعات او ايام معدودة . وما حدث في غزة بالرغم من القصف والوحشية لم يجرؤ العدو على القتال المباشر وعلى الدخول. هذا امر بالغ الدلالة ، هذا تغيير استراتيجي.

نجاح يسجل للمقاومة الحالية لانهم استطاعوا ان يحموا انفسهم من الاختراقات الصهيونية المعتادة

الأمر الثاني انه يسجل للمقاومة الحالية خلافاً لتجربة مقاومة عاصرتها انا في لبنان في السبعينات والثمانينات ان العدو لا يعرف الكثير عن المقاومين الحاليين. هذا نجاح يسجل للمقاومة الحالية لانهم استطاعوا ان يحموا انفسهم من الاختراقات الصهيونية المعتادة . كان هناك مسؤول فلسطيني يقول عن حركة فتح وطبعاً انا لدي الكثير من الرفاق الذين ناضلوا في حركة فتح ، يعني ما عم نشمل كل الحركة بس كان هناك واحد فتحاوي يقول ان حركة فتح هي مجموعة من المتعاملين والزعران والخونة، ولكن هناك بعض الوطنيين فيما بينهم . بما معناه أنه كانت الحركات الفلسطينية مخترقة الى حد كبير. من اجهزة استخباراتية مختلفة عربية وعالمية ، بطريقة من الطرق المقاومة الحالية استطاعت أن تحمي نفسها من هذه الخروقات ، تعلموا من تجربة الثورة السائبة في الستينات والسبعينات التي عاشرناها. كانت الأخطاء جسيمة ولكن كان هناك من يراقب ويستخلص الدروس والعبر. وهذا الأمر بالغ الأهمية.

بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني

الأمر الثالث وهو أهم .. أنه بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني ، وهذا يسجل (ومش شعرياً عم نحكي ) ، انه لم يكن هذا العدو يتوقع انه بعد مرور قرن حتى مع الهزيمة والاحتلال انه لايزال المطلب هو ، هو بتحرير فلسطين..  حتى النظام المتعامل لايزال يتحدث بانه موضوع تحقيق دولة فلسطينية على 22% من ارض فلسطين الأصلية. لكن هذا الامر لم يكن في حسبانهم . لو عدتم الى كتاب وضعه ثيدور هرتسل قبل سنتين من موته في عام 1902 وهو كتاب غير معروف لأنه نحن نعرف كتابه ” دولة اليهود” وليس “الدولة اليهودية” ، هذه ترجمة خاطئة لعنوان الكتاب في الالمانية بالمناسبة ، الكتاب أصلاً اسمه “دولة اليهود”  لان ثيدور هرتسل لم يكن يقصد الدولة في فلسطين المحتلة اليوم. حتى هناك قسم في الكتاب يتحدث فيه الارجنتين أم فلسطين. ولكن بعد نشر  كتابه في 1896 عقد المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 وعندما جال في اوساط الجاليات اليهودية في اوروبا لم يكونوا اليهود المتدينين ليقبلوا بان يحضر المؤتمر ما لم يتم حسم الهدف بأن يكون فلسطين وليس مكان آخر. ولهذا حوروا فيما بعد ، بعد موته بسنوات من عنوان الكتاب.. وليست هناك ترجمات بالعربية تحمل اسم الدولة اليهودية. هذا خطأ عنوان الكتاب دولة اليهود ، التشديد كان على الدولة وليس على يهودية الدولة كما اراد الصهيانة فيما بعد ليسوغوا الاستيلاء على فلسطين. في كتابه الثاني بعنوان “الأرض الجديدة القدمة”. هرتسل كان يتوقع انه بعد سنوات من اقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين ان الشعب الفلسطيني سينسى الأمر. وهل هي المفارقة الكبيرة بتاريخ الصهيونية والتي افادتنا ولم تفدهم انهم راهنوا على زوال نار الشوق الفلسطيني الى الارض ولم يكن ليتوقعوا ان الشعب الفلسطيني حتى الذي او التي لم تطأ قدماها أرض فلسطين تناضل وتحلم بالعودة الى فلسطين وهذا أمر لم يكن في حسبانهم.

في الجامعات الأمريكية أقول لهم في امريكا أنتم لستم في طليعة العالم،انتم في مؤخرة هذا العالم

 الجانب الآخر الايجابي ان الراي العام العالمي تغير وانا دائماً أقولها في الجامعات الأمريكية أقول لهم في امريكا أنتم لستم في طليعة العالم. انتم في مؤخرة هذا العالم .. كل عام في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي غير مجلس الأمن الخاضع للضغوطات الأمريكية يكون هناك تصويت على امور قضية فلسطين كل عام.في الجمعية العامة ، ما هي طبيعة التصويت تكون عادة العالم كله في جانب وفي الجانب الآخر الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وماركيريزيا ومارشيال ايلاند ، دول صغيرة تحت امرة الولايات المتحدة. الرأي العام العالمي تغير حتى على امتداد العقدين الماضيين . من كان يتوقع الرأي العام مثلا في دول كانت مشهورة بالصهيونية مثل هولندا والدنمارك والسويد والنرويج ، فرنسا حتى المانيا ، كانت الدولة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية من أعتى مناصري الصهيونية. الرأي العام أصبح أكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني اكثر من اسرائيل باستثناء الولايات المتحدة. في العقد الماضي كذلك روسيا تغيرت التعاطف مع اسرائيل ازداد هناك. وللأسف ليس هناك من عمل مناهض واسباب التغيير في روسيا تعود الى طبيعة القتال وزيادة العنصرية ضد الاسلام بسبب ما حدث في الشيشان. ولكن بصورة عامة هناك تغيير مهم ذو دلالات

 مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع

الأمر الرابع وهو مهم أيضاً أن مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع والملك السعودي فيما كُتب له من كلام يعد العدو بانهم سيعطيهم تطبيع شامل وكامل مقابل ما يعطونه جزء من فلسطين العزيزة. لكن من يظن ان الملك السعودي يستطيع ان يسيطر على عقول الجالسين والجالسات هنا … هل في واردهم انهم سيفرضوا التطبيع ، أنور السادات لم يستطع ان يفرض التطبيع في مصر. او الهاشميين في الاردن أو حتى في لبنان بعد الاجتياح في عام 1982 عندما تبوأ الكتائبي الاسرائيلي بشير الجميل السيء الذكر واخوه من بعده التنصيب من قبل الجيش الاسرائيلي. لم يستمر العلم الاسرائيلي والذي ارتفع على مكتب تنسيق في ” الضبية” في لبنان ، لعار لبنان .. لم يستمر هذا الأمر إلا بضعة اشهر واضطرت الحكومة اللبنانية آنذاك العودة عن التوقيع والغاء اتفاقية 17 ايار بين لبنان واسرائيل..

من منا يتوقع ان دحلان ، أبو مازن أو صائب عريقات يستطيعون ان يفرضوا تسوية مهينة مثل تسوية الدولتين على شعب فلسطين

 سأكمل حتى افتح المجال قبل ان ننهي.. انا اجدني (ربما مسألة السن) ازداد تحرقا لمسألة تحرير فلسطين يعني حتى انني عندما يأتي الخبر في المرة الأولى أسأل ماذا سنفعل؟ في حرب تموز 2006 اسرائيل بدت على حقيقتها اكثر ضعفاً مما نظن مهما كانت ترسانتها هائلة ، ترسانة النظام العنصري في جنوب افريقيا كانت مماثلة للترسانة والقوة الاسرائيلية وماذا حدث؟ هناك متغيرات شديدة الثقة بالنفس عند من يقاوم اسرائيل ، ازدادت الى درجة لم نألفها من قبل ،التسليم العالمي بمسألة شعب فلسطين وقضية فلسطين مسألة جديدة. من يتصور انه في عام 1969 غولدامائير قالت لصحيفة بريطانية لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني.. في عام 1967 قرارا 242 لم ترد كلمة فلسطيني مرة واحدة في هذا القرار. الآن حتى في اسوأ القرارات والمؤتمرات لا يفكر احدهم أن  يتجاوز او يتنافى كلمة فلسطيني .  يعني حتى اعداؤنا مثل جورج بوش او اوباما او غيرهم يضطرون الى التسليم بما هو بديهي عندنا مثل وجود شعب فلسطيني وارض فلسطين . ولهذا انا اعتقد ان الحتمية التاريخية بان اسرائيل الى زوال ، لا يمكن لها ان تستمر . انا أعتقد وانا طبعاً لست من أنصار الدولتين،فأنا منذ كنت .. منذ حداثتي مع تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر.  لكن من الواضح ان اسرائيل ليس هناك فقط ما يسمى بالخطر الديموغرافي وهي كلمة عنصرية ولكن قدرة اسرائيل على فرض ارادتها بالقوة على الشعب الفلسطيني تتضائل .. و المجتمع الدولي حتى في أسوأ تجلياته يعترف اليوم في حق الشعب الفلسطيني، حتى وإن اختلفنا معه في تجليات وطبيعة هذا الاعتراف بهذا الحق. لهذا انا اقول كان يمكن لاسرائيل ان تصل الى تسوية في السبعينات أو الثمانينات ربما مع ياسر عرفات الى حل دولتين ولكن حتى هذا الحل الغير مقبول بالنسبة لي وبالنسبة للكثيرين من الفلسطينيين ، ولكن ياسر عرفات كان له القدرة للأسف أقول أن يفرض هذه التسوية الجائرة على شعب فلسطين . الفرصة أتت مرة واحدة وذهبت لا اعتقد أن هذه الفرصة ستأتي .. من منا يتوقع ان دحلان ، أبو مازن أو صائب عريقات انهم يستطيعون ان يفرضوا تسوية مهينة مثل تسوية الدولتين على شعب فلسطين؟.. هذه التجربة لن تعود ولهذا على العكس من ذلك انني ارى اصوات تزداد اقتناعا بان لا عدل إلا بحل الدولة الواحدة ، تحرير كل فلسطين ..

ادوارد سعيد قال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين

 هناك لدى اشخاص عاصرتهم  رأيت كيف تغيرت آراءهم.. انابداية وصولي الى امريكا في عام 1983 كنت دائما اختلف مع ادوارد سعيد..  حتى في ندوات عربية لِما كنت أتنسم منه من آراء تسووية ولكن اذكر انه في التسعينات بدأ يتغير.. أذكر أنني رأيته مرة كنت أناظر مراسلة صحيفة بنيويورك تايمز في نيويورك وبعد المناظرة كنا نمشي سوية وقال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين. ونذكر انه في اخر سنوات حياته كان ضد حل الدولتين وكان ضد اوسلو.هناك الكثير من الاشخاص الذين تعرفون واعرفهم تغيروا وباتجاه ضد حل الدولتين.باتجاه تحرير كل فلسطين .. وسأختم باستشهاد للفيلسوفة المفكرة الصهيونية اليهودية ” حنا اريد ” المعروفة في عام 1951 وهي كانت لاجئة من المانيا وعملت على مساعدة اللاجئين اليهود في اوروبا آنذاك ، وكانت صهيونية وتؤيد الحركة الصهيونية ولكنها كانت تستطلع الثقة بالقوة و العنف من قبل الحركة الصهيونية ضد شعب فلسطين. كتبت مقالة غير معروفة ولم تترجم للعربية للاسف في عام 1951 قالت فيها أنه من المؤسف ان الحركة الصهيونية تقوم على مبدأ أن اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب هي لغة القوة.  ونحن لانزال نسمع هذه المقولة من قبل الصهاينة والاستشراق و قالها جورج بوش و فؤاد عجمي وغيره من الصهاينة في امريكا. قالت هي في عام 1951 انظر الى ما حدث في ارض فلسطين ، يعني آنذاك في الخمسين سنة الأولى من الصراع ، قالت : “على العكس  الخلاصة الوحيدة على ما نرى ان اللغة الوحيدة التي لا يفهمها العرب هي لغة القوة”. ومن الواضح ان الشعب الفلسطيني لم يفهم لغة القوة ولم تستطع اسرائيل رغم ما استعملت من قوة لا يمكن ان تكون اكثر قوة مما استعملته واكثر عنفاً وبالرغم من ذلك لم يتحقق لها ما ارادت من قتل رغبة التحرير عند شعب فلسطين وشكرا لاستماعكم.           

يتبع قريباً الجزء الثاني من الجلسة

جانب من الجلسة في البيت الفلسطيني بأوسلو

خبر ذات صلة

لقاء حواري اقامته الجالية الفلسطينية مع د أسعد أبو خليل في أوسلو