وقفة عز

جهل الجاهلين في فلسطين

نضال حمد

  بعد خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأخير والذي جاء بمثابة اعتداء صارخ على الشرعية الفلسطينية، وعلى العملية الديمقراطية في فلسطين المحتلة، وكذلك على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حكومته المنتخبة. وجاء ليكون بمثابة إهانة لخيار الشعب الديمقراطي، حيث انتخب الشعب مجلسه التشريعي بحرية وبشكل ديمقراطي حضاري. فكانت النتيجة فوز من أرادهم الشعب لأنه رأى فيهم ضمانة وطنية لحقوقه الثابتة. حقوقه التي لا تقبل التصرف.

بعد خطاب عباس وقبله محاولة اغتيال هنية صار مشهد العار والألم والوجع والجهل والغباء والحقد واللا وعي، واضحاً وضوح الشمس على شوارع فلسطين المحتلة.. إذ أصبح قتل الأنفس التي حرم الله ومعه الوطن قتلها شيئا عادياً ومشهدا مألوفاً. فهناك بكل أسف همجية وتخلف ولا عقلانية وحقد في استعمال السلاح من قبل بعض الفلسطينيين ضد اخوتهم. وهذا ينطبق على الطرفين من مسلحي فتح وحماس. وبالذات أمن ال17 الرئاسي سيء الصيت والسمعة والتاريخ. هذا الأمن الذي بدى في رام الله اثناء قمع المصلين من حماس وكأنه يحارب أعداء الشعب الفلسطيني، مع أنه يقف متفرجاً أو يختبئ ويختفي عند وصول أول دورية صهيونية إلى دوار المنارة أو مبنى المقاطعة في رام الله.

لكن ورغم هذا القرف نقر بوجود طوابير عملاء ومرتزقة تصب الزيت على نار الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي في فلسطين المحتلة. لتزداد حدة وسوداوية المشهد من ساعة لساعة، ومن يوم ليوم. فعمليات القتل والخطف والاعتقال والهجمات المتبادلة على الأرض، وفي أجهزة الإعلام، كل هذه الأعمال كفيلة بإشعال النار في فلسطين، نار لا تحمد عقباها ولا توقفها أية مبادرات مؤقتة، فالحل يجب أن يكون جذرياً.

إن كل الأحداث الأخيرة التي جرت ومازالت تجري في فلسطين يتحمل مسئوليتها الأولى بشكل أساسي جناح الرئيس عباس في فلسطين، خاصة أن هذا الجناح يتألف من مؤسسات وشخصيات أثبتت فشلها، وعدم قدرتها على قيادة السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح مع شقيقاتها القاصرات من الفصائل الحليفة.

لقد تورطت شخصيات مقربة من عباس ومازالت في موضع القرار بمعيته في قضايا فساد مالي وإداري وسياسي. ومن هؤلاء مجموعة منبوذة ومرفوضة فلسطينياً لأنها تآمرت في السر وبالعلن على حق العودة  والأسرى واللاجئين والقدس ومسائل أخرى تعتبر من الثوابت الفلسطينية.

لقد عصفت تصريحات أبو مازن أثناء اجتماعه بالوزيرة الأمريكية كونداليسا رايس بكل شيء، فهو تباهى أمامها بفشل الحوار الوطني. وكأنه يقول لها بدأنا الحرب الأهلية يا سيدة الأقمار السوداء فهل ستمطر السماء دولارات؟؟.. ثم بعد ذلك تابع عباس انقلاباته الخطيرة، ببيان اللجنة التنفيذية فاقدة الشرعية. الى أن جاء خطابه الذي يعتبر خطاب فتنة. خطاب مليء بمفردات تستعمل عادة من قبل أسوأ رموز مدرسة الفساد والاستسلام في فلسطين. خطاب كأنه إعلان حرب أو انقلاب، حيث يبدو أنه نال رضا واستحسان البيت الأبيض الأمريكي وأوروبا. لأنه جاء بعد فشل سياسة الحصار والتجويع ضد الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة. وكذلك جاء بعد جولة أولى عربية إسلامية ناجحة لرئيس الوزراء إسماعيل هنية. جاء الخطاب بعد أن أصبح هناك حديث في الشارع ووسائل الإعلام عن دور لجماعة الرئيس عباس في محاصرة الحكومة، وتجويع الشعب، ومحاولات منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، الذي لازال تحت رحمة وسيطرة وتحكم سلطات الاحتلال ونظام كمب ديفيد في مصر.. لقد شاهدنا منع رئيس الوزراء من الدخول إلى بلده ومنعه من إدخال أموال جمعها لشعبه. فأي استقلالية وأي حرية وأي قرار؟؟؟..

رئيس السلطة الفلسطينية رجل إداري ولم يكن في يوم من الأيام فدائيا، فهو لم يحمل سلاحاً ولم يجلس في كهف أو مغارة، ولم يدخل معسكراً ولا حرش، أو قاعدة للمقاومة لا في جرش وعجلون والأغوار، ولا في جنوب لبنان والجولان، ولا حتى في فلسطين المحتلة.

رئيس السلطة بخطابه الأخير جهل فوق جهل الجاهلين، وفتح ملفات كانت مغلقة مثل ملفه مع بيلين، فهو شخصيا حضر وجهز لتفاهمات بيلين عبدربه التي تتنكر لحق العودة. فهو البادئ وعبد ربه المُكمل مع بيلين حتى تمخضت عنهم تفاهمات، فوثيقة جنيف المذكورة.

وعبد ربه يمارس دوراً عدوانياً وتحريضياً ضد المقاومة والحكومة، وضد القوى التي ترفض مبادرته التنازلية. وللعلم فقد أقدم أبو مازن قبل أيام من خطابه (الفتنة)، بمكافئة ياسر عبد ربه عبر تعيينه أمينا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهذه اللجنة بطبيعة الحال ليست شرعية، كما انها تمارس عملية تزوير واحتلال واغتصاب للمنظمة لا مثيل لها. فهي الآن بقراراتها تعتدي على الحقوق والثوابت الفلسطينية، وتعادي نهج المقاومة في فلسطين. لذلك على شعب فلسطين المعطاء، الذي قدم الأسرى والشهداء ان يجهز نفسه لتكنيس المنظمة من أصنام ودُمى المراحل السابقة. وأن يُعدَ نفسه أيضاً لتنظيف البيت الفلسطيني من الوباء الاستسلامي الذي دخله. ولتعقيم الوطن الفلسطيني وتطعيمه ضد داء ما بعد خطاب أبو مازن. وعلى الشعب الفلسطيني أن يجهز نفسه لمواجهة احتمالات إرغام القابضين على جمر الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي، على الدخول مكرهين ومجبرين في حرب داخلية أهلية، لا ترحم ولا توفر أحداً. ولا ترضي شعبنا لكنها بالتأكيد سوف تفرح معسكر الأعداء..

ان المشاهد الصعبة والمفجعة التي نراها كل يوم على الشاشات وفي الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية، تثير الاشمئزاز والمخاوف. إذ يبدو ان القلوب ليست عند بعضها، وأن هناك تراكمات تاريخية وثأرية من الطرفين. وقد بدا واضحاً هذا الشيء في الثقافة الغريبة بالتعامل مع سلاح يفترض انه موجه للاحتلال. فبدلاً من ذلك نرى هذا السلاح يوجه لغير مكانه الصحيح. كما هناك أيدي سوداء وعابثة توجه بعضه إلى صدور الفلسطينيين لتمد النار المشتعلة بالحطب المطلوب. وما زلة لسان وزير الوقائيين ومسئول أمنهم القومي مؤخراً، في معرض رده على اتهامه بمحاولة اغتيال هنية، سوى خير دليل على أن لهؤلاء مصالح يجب حمايتها، ومصالح هؤلاء ليست مع مصلحة الشعب والقضية، بل مع الذين حولوا قضية فلسطين لقضية شعب متسول، ينتظر الأموال والهبات والمساعدات من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.ويجب ان يتذكر أهل فلسطين ان سبب مأساتهم وحربهم الداخلية واقتتالهم هذه الأيام ، هو الحصار الجائر والظالم ، الذي يفرضه العالم على حكومتهم المنتخبة بغية إسقاطها بالتجويع والتركيع. لكن شعب فلسطين المجرب يظل عصياً ويموت واقفا وصامدا وجائعاً ولا يركع.

 

Tuesday 26-12 -2006