الأرشيفثقافة وفن

حفريات الوعي حمدان طه وصَحبه من الآثاريين – مازن مصطفى

حفريات الوعي
حمدان طه وصَحبه من الآثاريين
نهجٌ جديد في معنى أن تكون فلسطينياً
————————————————-
في لحظة يأسٍ، أعربتُ للصديق د حمدان طه، عن جوعي إلى سجالٍ فكريٍّ ونقاشٍ في راهن مسألتنا، يتجاوز عموميات(Zoom) وما أحسه من استسهالٍ في التناول، وربما، محضُ ربما! أنه يخفي طموحات ذاتية دفينة للمشاركين ، ويفضح توجهات دولانية إقليمية ودولية وربما( ما أحلى كلمات التشكك في لغتنا العظيمة، كم توفر من حماية) تشاوفات و”عَرَاضات/استعراضات” أقرب إلى(Pseudointellectual) تثير، لغير المتخصص وقليل الخبرة مثلنا، الحيرة والالتباس.
هبّ حمدان لنجدتي، فأهداني أحدث نتاجاته(A New Critical Approach to the History of Palestine) ،{نهجٌ نقديٌّ جديد لتاريخ فلسطين } وهوكتاب من تحريره ومعه صحب من أهل الاختصاص في علم الآثار،وهو الثمرة الأولى من مشروع معرفي (Palestine History and Heritage Project)ولن أتردد في القول ان قراءتي للعشرين دراسة في الكتاب، عززت ما كنت ولا ازال أراه ضرورة حتمية في فهم فلسطين وأعني ذلك التناول، ولنسمِّه “الشمولي” أو “المزجي” (interdisciplinary) الذي يحلل الحالة الدراسية بأدوات ما أبدعه الفكر الانساني في الحقول المعرفية المختلفة مجتمعة. على أن يُضاف إليه من جانب القاريء ، عشق الوطن بشاعرية رقيقة وبتبَتّلٍ صوفيّ. وحالَ إتمام القراءة سيلمس القاريء ذلك المعنى الجديد المقصود والمتكون. فلا بد أن يجد القاريء في نهج التناول المقترح والجديد،جانباً من جوانب تخصصه، الأكاديمي أو اهتماماته. فاللسانيات والأنثروبولوجيا والاجتماع والجغرافيا والاثنوغرافيا وعلم الآثار الطبي( السلالات والحمض النووي) والتاريخ، والتاريخ الشفوي،وتقرِّي الأثر القديم أو المتهدم حديثا الذي يواظب عليه الاحتلال، وغيرها من حقول المعرفة ، تتآلف لتصنع النهج الجديد .


الكتاب جزء من مشروع معرفي واسع ينطلق أساساً من تحرير تاريخ فلسطين ودراسة آثارها من أسر الأيدولوجيا الصهيونية والدينية الأصولية التي لا ترى في تاريخ فلسطين سوى ما يعزز الأسطورة التوراتية ويعيد انتاجها كغطاء لطموحات كولونيالية صارت مكشوفة ،وارتباط ذلك بفلسفة الأرضوية (Irredentism) التي استند اليها الاستيطان الاستعماري في الكشوفات الجغرافية . لكن هذا الانكشاف لم يمنع من أن يكون لها أتباع ، ونحن نرى المثال للمعنى التوراتي والأرضوي في توجهات علنية لإدارة ترامب ونائبه ووزير خارجيته ومعظم شخوص إدارته.
يتشكل الكتاب من أربعة أقسام، الأول في نقاشات الأيدولوجيا والدين وما أحدثته الأيدولوجيا الصهيونية في الآثاريات التوراتية من تشويه وتزوير. والثاني يتناول المواثيق الأخلاقية حال تناول التعددية العرقية لميراث الفلسطينيين مع تركيز على العصر البرونزي، والذي تؤكد ابحاث الحمض النووي استمرايته في الفلسطينيين . والقسم الثالث هو حقل جديد في علم الآثار وهو يتقرّى القرى المدمّرة حديثاً ومساجدها، بمنهج الآثاريات المجتمعية. وكذلك الآثارية البيولوجية في فحوصات الحمض النووي وعلم السلالات، والاستدلال على أنماط الحياة والاجتماع والحضارة في تعاقب الأزمنة. والقسم الرابع يستفيض في تاثير الأيدولوجيا والأرضوية على الموروث التاريخي الفلسطيني.
أكثر ما شدني هو استراتيجية البحث التي يقترحها العلامة الآثاري الأشهر ثوماس ثومبسون ، والتي إن تحققت من خلال المشروع المقترح ، فستخلق تواصلاً متماسكاً مهمّاً لسيرورة التاريخ الفلسطيني من بداياته الأولى وإلى اليوم. وتحَصّلتُ على لذةٍ لا توصف وأنا أحاول أن أكسو الهيكل العظمي لاقتراحاته الاستراتيجية لحماً بما لدي من معارف ، في كل الحقول المذكورة، وعندي من التخصصات الأكاديمية ما يحفّزني لفعل ذلك متذكّراً تلك المساقات الستة في علم الآثار ،(تخصص فرعي ضمن دراستي الشرق الأوسط في بيرزيت) تلميذا عند أهم مؤسسً لعلم الأركيولوجيا الفلسطينية في تحرر من التشويه الأيدولوجي التوراتي وأعني به البروفسور ألبرت غلوك (سيكون لي عودة إليه اعترافاً بكل ما أورثني من فهم لفلسطين- إضافة إلى الشعر والصوفية تبتّلاً في حُبها- وللأبحاث الأولية التي قدّمتها له وباشرافه).
وإنه ليثلج الصدر ويثير الاعتزاز أن أتذكر وأن أقرأ لتلاميذ فلسطينيين له أو على نهجه مشاركين في الكتاب(مع حفظ الألقاب) من أمثال حمدان طه بالطبع ، وزياد منى وهاني نور الدين، وعصام الحلايقة، ومحمود عيسى، وعصام نصّار وفيحاء عبد الهادي وناديا ناصر نجّاب وايمان السقّا وعيسى ساري وغطاس الصايج. وهذا الجمع العالِمُ يذكرني أيضاً إلى جانب ذِكر البرت غلوك، الدكتور مروان خلف ، وهو من درّسنا ما له علاقة بآثار القدس من عهد يبوس إلى الآن، والقراءات التي تؤسس راهناً لفهم القدس ومكانتها وما يحاكُ ضدها في كتابات الدكتورالصديق نظمي الجعبة.ولم أذكر الأساتذة الأجانب المشاركين على أهميتهم الجوهرية وتركت ذلك إلى مستقبل قريب مقبل.
المستقبل القريب هو ما بشرني به د حمدان طه من ان الكتاب في طور الترجمة الأخير وسيصدر باللغة العربية قريباً جدا.
لك الشكر صديقي حمدان، أعدت لي صوابي، حين أعدت لي وصحبك، بالنهج الجديد وعياً يكاد يضيع.

المصدر: بروفيل مازن مصطفى في فيسبوك