ثقافة وفن

حوار صحفي مهرجان المسرح الامازيغي الدار البيضاء

.

المسرح الأمازيغي في حاجة إلى مخرجين جادين يؤمنون بكونه رؤية للعالم،  وليس حقلا لتقديم استمنائهم المسرحي

 

س: بداية، من هو محمد بلقائد امايور ؟

ج: ابن مدينة تيزنيت من مواليد 01/05/1981، عاشق للمسرح .

 

س: ﺷﺎﺭﻛﺘﻢ ﻣﺆﺧﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎء ﻟﻠﻤﺴﺮﺡ ﺍلأﻣﺎﺯﻳﻐﻲ. ودخلتم غمار المنافسة على الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية -صنف المسرح . ما تقييمكم لمستوى هذه الدورة ؟

 

ج: بالفعل، كانت مشاركة محترف درامازيغ للبحث الدرامي في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح الأمازيغي المنظم من طرف فضاء تافوكت للإبداع بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، باعتبار هذا الأخير المؤسسة التي تمنح تلك الجائزة للاعمال المسرحية المنتجة خلال السنة الماضية ( 2017). أسدل الستار على الدورة التي كانت مناسبة للتعرف عن كثب لجل الأعمال المسرحية الأمازيغية المنتجة خلال السنة المنصرمة، وأيضا لبعض الأعمال التي أنتجت خلال هذه السنة، والمشاركة خارج المسابقة.

الدورة الرابعة لهذا المهرجان كانت في عنوانها العريض: إصرار على العودة لمسايرة الطريق، بعد أن توقف المهرجان لمدة ليست بالقصيرة؛ وكل تقييم لمستوى الدورة لا يجب أن يغفل هذا المعطى، وقد لمسنا من خلال تفاعلنا مع المنظمين الذين لم يدخروا جهدا لاستضافة الفرق في أحسن الظروف، إصرارهم الجلي وعزيمتهم القوية لتدويب كل الصعاب، نتمنى صادقين أن يعود المهرجان إلى سابق عهده وان يجود طرق اشتغاله وتنظيم فعالياته، وهو بالتأكيد قادر على ذلك مادامت تتوفر الإرادة والعزيمة والكفاءة في أعضاء فريق العمل الساهر على تنظيمه.

س: كيف مر عرضكم المسرحي” تيساتين”، وكيف استقبله جمهور الدار البيضاء ؟

ج: مر في ظروف جيدة، رغم  قلة الحضور أثناء مشاهدة كل عروض المهرجان وليس عرض تيساتين فقط، ربما لأسباب تتعلق كما أسلفنا الذكر بتوقف المهرجان في السنوات الماضية، ثم لظروف ما بعد العيد، بالإضافة إلى ظروف تزامن المهرجان مع مسؤوليات الدخول المدرسي وانشغال الأسر بهموم تمدرس الأبناء..الخ؛ مع ذلك حضر من تمكن من الحضور وكان الحضور نوعيا، من ممارسين مسرحيبن ومتابعين وباحثين ومختلف المهتمين بالشأن المسرحي الأمازيغي بل والمغربي بصفة عامة، فحضر من يتقن الأمازيغية ومن لا يتقنها، باختصار حضر المهوسون بالمسرح بشقيه الأمازيغي والدارج، ولم نلمس الفرق بين الجمهورين باعتبار أن الفرجة المسرحية التي قدمناها حاولت تجاوز التصنيفات اللغوية والثقافية الضيقة إلى التوجه لمتلق نموذجي واحد، يختلف فقط من حيث خلفياته المعرفية المرتبطة بالظاهرة المسرحية. ثم أن العرض أيضا كان مبنيا لتجاوز هذا التأطير في قالب محدد ومحدود. إننا ننظر إلى المسرح باعتباره فنا مرئيا يبني العلامة المسرحية لتشاهد أكثر ما يبني العلامات المسموعة أو المرتبطة باللغة الطبيعية، بل أكثر من ذلك بنينا بعض مشاهد العرض بلغة مشكلة ذاتيا، بمعنى أنها لغة مجردة من كل دوال  سابقة على العرض، لغة عبارة عن تركيب لحروف بشكل يبدوا على أنها لغة ما، لكنها ليست سوى أصوات لا تندرج ضمن أي تركيب لغوي. ورغم ذلك لم يكن ذلك حاجزا في تلقي العرض، فكان المتفرج متفاعلا يبحث بين ثنايا العلامات لتركيب معناه الخاص.

س: لماذا سلكتم هذا المسلك لتشكيل مشاهد بلغة خاصة؟


  هذه محاولة لتحقيق مسعى ظل هاجسا لدينا في محترف درامازيغ، وهو كيف نقدم فرجة مسرحية تتجاوز اللغة الطبيعية إلى بناء لغة بصرية قابلة لإدهاش وإمتاع المتلقي من خلفيات لغوية متعددة؟ بمعنى أن محاولتنا تسير في أفق الدفع بإلغاء سلطة النص بوصفه ملفوظات لغوية خاضعة للتسنين اللغوي الأمازيغي، مدركين ونحن في هذا المسار أن الرهان على اللغة الطبيعية لن يقدم الإضافة إلى المسرح الأمازيغي وسيحد من قيمة العرض، وهذه المحاولة ضمن أخريات، في مشروع طموح آمنا بقدرته وإمكاناته لتطوير المسرح الأمازيغي، محاولة بعد أخرى سينضج المشروع وتتضح معالمه مع توالي العروض التي سيقدمها المحترف في القادم من التجارب.

س:  يجرني جوابكم إلى طرح إشكالية، ظلت بؤرة للنقاش، حول أهمية النص في العرض المسرحي، وهل بإمكان المسرح أن يغني اللغة ؟

الجواب مرتبط بكيف ننظر إلى المسرح؟ فإذا كان زاوية النظر هذه تعتبر المسرح جنسا أدبيا، فالرهان سيكون على النص واللغة والشعر، وسيتأسس تشكيل العلامات على اللغة الطبيعية، وستحوز اللغة الطبيعية – بموجب هذا التصور- الريادة والمرتبة الأولى، وهنا يمكن أن يفيد نشر النص لهدف القراءة الأدبية، سواء كان المتلقي ملما بالعملية الإخراجية أو لا، ويمكن للنص أن يساهم في التعريف ببعض المصطلحات المنسية أو غير المتداولة على نطاق واسع، أو حتى نحث مصطلحات جديدة، أو تعابير مسكوكة جديدة، أو ما إلى ذلك مما يدخل في عملية بناء وتطوير اللغة الطبيعية.

أما حين يتم اعتبار النص عنصرا من بين عناصر متعددة في العرض المسرحي، حينها سيشغل جسد الممثل مكانة الريادة والمركز، وسينظر إليه بوصفه عنصرا أساسيا يمكن أن يتفاعل مع العناصر الأخرى – بما فيها النص- دون أن يتحمل هذا النوع من المسرح إمكانية تصنيفه في خانة الآداب. وستتضافر كل العناصر لبناء العلامة المرئية المرتبطة بما يشاهد وليس بما يسمع فقط؛ وحينها تعطى الأهمية للغة الجسد وامتداداته (الصوت، والإيقاع..)، وللسينوغرافيا، والأكسيسوار، والصمت…الخ، بمعنى إلى كل لغات العرض المسرحي عوض لغة الآداب: اللغة الطبيعية.

والفرق بين التصورين جوهري ومهم للغاية، في الحالة الأولى ننتج نصا مسرحيا أدبيا، ينتصر للكلمة باعتبار أن مادة تشكل النص الدرامي هي اللغة المبنية بواسطة الكلمة والجملة، ونسير في مسار بناء العلامات من خلال كل الإمكانات التي يمنحها الآداب، والفارق بين هذا النص المسرحي كجنس إبداعي وبين الأجناس الإبداعية الأخرى (الرواية، القصة، الشعر…)، يكون في وجود الإرشادات المسرحية فقط..

 أما التصور المقابل في الضفة الأخرى – وهو التصور الذي نتبناه- فإن النص ليس سوى أرضية للإشتغال، ويمكن أن يكون النص أي شيء:  لوحة تشكيلية، فكرة، رسومات وتصاميم….الخ، في هذه الحالة فإن السيميوزيس المسرحي يتم بناؤه انطلاقا من تفاعل اللغات التي لا تنتمي إلى الآداب حتى وإن كان النص الدرامي أحد عناصر هذا التفاعل، شريطة أن يخدم بناء العلامة المرئية عوض مثيلتها الأدبية المرتبطة باللغة الطبيعية، فعبر الصراخ (مثلا)، والتلفظ بلغة السحر والطقوس، أو ما يدعوه أرطو “بالميتافيزيقا”، أو اشتغال الجسد لبناء لغته الخاصة انطلاقا من ما يسميه يوجينيو باربا “بما قبل التعبير”، هو وحده الذي سيمنح للمسرح جدارة الانتماء إلى الفن.

س: مالذي ينقص المسرح الأمازيغي للدفع بعجلته إلى الأمام؟

ج: ينقص الكثير، لكنني سأختزل الإجابة في مستويين: مستوى مرتبط بالدولة وبمؤسساتها، وآخر مرتبط بالفرق المسرحية العاملة في الحقل المسرحي الأمازيغي؛ في المستوى المرتبط بمسؤولية الدولة، يمكن اختصارها في:

 أولا، إرادة سياسية واضحة من قبل الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها، بهدف إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي في كل المجالات، باستراتيجية محددة الآفاق والأهداف من أجل تحقيق المصالحة الفعلية مع كينونة الذات المغربية، والاعتزاز بتعدد روافدها الغنية؛ ثم تثمين الرصيد الثقافي الأمازيغي، بكل أطيافه من طرف كل القطاعات الوزارية التي تشتغل على الثقافة بمفهومها العام.

 ثانيا، ضرورة الرفع من عدد الفرق المسرحية الأمازيغية المستفيدة من دعم الوزارة المكلفة بقطاع المسرح، من منطلق أن إنتاج واستهلاك الثقافة والفن حق من حقوق الإنسان، ومن حق إمازيغن في كل جهات الوطن أن ينتجوا ويستهلكوا فنهم وثقافتهم، وأن تصلهم العروض المسرحية الجديدة بشكل مستمر، وأن يشاهدوها أيضا في القنوات العمومية باعتبارها ملكا لكل المغاربة.

 ثالثا، يتعلق بالفنان الأمازيغي، الذي يجب أن توفر له الدولة الحماية الكفيلة بحفظ كرامته، عبر توفير موارد قارة باعتباره إنسانا منتجا، إلى جانب كل القوى العاملة الأخرى المساهمة في بناء الوطن والمواطن، مع استحضار أن الثقافة الأمازيغية قد عانت لقرون من الحيف والاستبعاد القسري، وحكم عليها في “سوق الثقافة والفن” بالدونية والاحتقار والتبخيس، واليوم، لن يكون مجرد فتح الأبواب – إن سلمنا جدلا بوجود نية حسنة لفعل ذلك– أمام الفنان الأمازيغي، مادامت معاهد التكوين الفني لا تدرس الثقافة والفن الأمازيغيين، وما دام مقرر التعليم بكل أسلاكه يصف التعابير الفنية الأمازيغية بالفلكلور..الخ.

أما في المستوى الثاني، والمرتبط بالفرق المسرحية المشتغلة في الحقل المسرحي الأمازيغي، فيمكن إجمالها في ما يلي:

أولا: ضرورة التنظيم والتنسيق بهدف الترافع لتحقيق كل المطالب المرتبطة بمستوى تدخل الدولة ( ما أشرنا إليه في المستوى الأول).

ثانيا:  أن يدرك الفاعل المسرحي الأمازيغي، أن التكوين وتشكيل خلفية معرفية قبل ممارسة الإبداع أمر محوري، والفرق التي لا تمتلك مشروعا مسرحيا – لا أتحدث هنا عن مشاريع التوطين- بأفق واضح، سيحكم عليها باجترار التجارب دون فائدة، والحديث هنا عن بعض الفرق التي تُشغل مخرجين ممن ارتفع سهمهم في ”سوق الثقافة والفن” المغربي، حيث نلاحظ تميز وجدة عروضهم المسرحية بالدارجة أو بالفصحى، لكن حين يأتون إلى الحقل المسرحي الأمازيغي ينتجون عروضا هزيلة؛ لماذا؟ ببساطة، لأن لسان حالهم يقول: “هادوك غير شلوح”. إنه معطى سوسيولوجي مرتبط بواقع موضوعي تحميه الدولة، وتُفعله عبر مؤسسات التنشئة التي تمتلك اليد العليا فيها، بتكريسها للتمايز الثقافي والفني، وكل مستويات التراتبية الذي تنتصر لها  وتسيج حدودها باستمرار ؛ هو واقع مؤسف تُستثنى منه القلة القليلة من المخرجين الجادين الذين يشتغلون بتفان؛ أتحدث عن المخرجين عوض التخصصات الأخرى، لأن المخرج الذي يملك تصورا متميزا، ويحس بانتمائه إلى الحقل المسرحي الأمازيغي، وهو يقود العملية الإبداعية، لا يمكن إلا أن يبدع بإصرار وجدية، فكلنا نعلم أن جل الثورات في تاريخ المسرح، قد قام بها مخرجون أو في بعض الحالات القليلة كتاب المسرح، لذا فالمسرح الأمازيغي في حاجة إلى مخرجين جادين يؤمنون بكونه رؤية للعالم، وليس حقلا لتقـديم استمنائهم المسرحي.

ثالثا: يرتبط بالمواكبة االنقدية، رغم ضعف منجزها، حيث أن ما يكتب على المسرح الأمازيغي، لا يتجاوز الاهتمام بالنص الأدبي، أو الاهتمام بالمستويات السطحية في العرض، كدراسة الحكاية واللغة الطبيعية الموظفة  في العرض. لذا نعتقد أن المدخل الأساسي لتطوير المسرح الأمازيغي في مستوى النقد، هو دراسة تشكل العلامة المرئية في العرض المسرحي باعتباره فنا، وليس أدبا، وذلك لن يتأتى دون وجود باحثين متخصصين، ذوي تصور متقدم للمسرح، نقاد يمتلكون من الأدوات المنهجية والإجرائية ما يكفي وفق آخر فتوحات البحث المسرحي، من إبدالات جديدة ومفاهيم معاصرة في الحقل المسرحي، نقاد يواكبون باستمرار ما يشهده الحقل المسرحي العالمي من تراكم مستمر للمعرفة الشاملة والدقيقة بكل عناصر ولغات العرض المسرحي ولكل تمفصلات العملية الإبداعية المسرحية برمتها.

س: ماذا عن مشاريعكم المستقبلية؟

ج. مسرحية “تيساتين”، ستستمر في العرض فيما سيأتي، ونعتزم المشاركة في الأسبوع المقبل، في ملتقى “أفولاي” للمسرح الأمازيغي، بتزنيت. ونستغل الفرصة للتنويه بهذا المولود الجديد الذي نتمنى له صادقين أن يساهم في تجويد الممارسة المسرحية الأمازيغية، وهو قادر على احتلال مكانة مرموقة في الأجندة المسرحية الوطنية، ولما لا العالمية. لأنه من الملتقيات القليلة التي تمتلك تصورا خاصا للمسرح الأمازيغي بأفق طموح، فقط ينقصه الدعم وتضافر جهود الفاعلين المسرحيين.

أما فيما يخص المشاريع المسرحية الجديد الخاصة بالمحترف، فسيكون ذلك في مطلع السنة المقبلة، بعد أن يكتمل التصور العام للعرض الجديد.

س: كلمة أخيرة.

شكرا على هذه الفسحة، أتمنى صادقا أن تخصص كل المنابر الإعلامية، مساحة خاصة بكافة الفنون، لأن ما نعيشه اليوم من بؤس على كامل المستويات، هو نتيجة لغياب التربية، والتعريف، وتقريب قيم الجمال من كل الشرائح الاجتماعية، ومن كل الفئات العمرية.   

 

أجري الحوار يوم: 23/09/2018