عربي وعالمي

“خطة الأقاليم الثلاثة” …ومصيرها في ظل الرد السوري؟

العميد د. امين محمد حطيط 
 

بات جليا ان اميركا بدأت فعليا في سورية تعمل باستراتيجية “جوائز الترضية والانتقام”، بعد ان عجزت عن الفوز بسورية كلها كجائزة كبرى للعدوان الكوني الذي شن عليها بقيادة أميركية وتحالف خلفها دول وكيانات اطلسية وإقليمية عربية وإسلامية ومعهم واسرائيل.

 جوائز الترضية  هذه هو ما باتت اميركا تريد الحصول عليه لها و لأدواتها و اتباعها  الذين تسميهم إعلاميا “حلفاء” او شركاء ، و قد اضحت هذه  الجوائز ثلاث ، بعد الرفض الروسي للعرض- الرشوة الأميركية التي عرضها وزير الخارجية الأميركي تيلرسون و تضمنت الاعتراف لروسيا بحق السيطرة و الإدارة للمنطقة السورية الساحلية وصولا الى حمص شاملة اللاذقية  وطرطوس ، عرض رفضه الروس و اتبع  بتمسك روسي صارم  بسورية الموحدة و بحكومتها الشرعية بقيادة الرئيس الأسد ، مع رفض ساطع لا ي عمل  تقوم به أي جهة كانت لتقسيم سورية او تغيير نظام حكمها  حكامها بالقوة العسكرية على حد ما جاء في المؤتمر الصحفي الأخير لوزير الخارجية الروسي لافروف .

اما المناطق الثلاث التي تسعى اميركا لاقتطاعها من سورية واقعيا لاقامة كيانات وظيفية هجينة عليها ترتبط بدول الجوار او بكيانات سياسية مستحدثة فقد باتت كما يلي:

أ‌.     “إقليم الجنوب” وتخطط اميركا لان يشمل محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة ـ ويضم مليوني مواطن سوري، والهدف منه أقامة منطقة عازلة في الأرض السورية لتامين الامن لإسرائيل وتثبيت احتلالها للجولان وتكريس قراراتها بضمه اليها، كما ان هذا الإقليم الذي سيكون تحت سيطرة وإدارة خلفية اردنية سيؤمن للأردن سهل زرع خصب ونبع ماء لا ينضب، ولهذا ترى الأردن وإسرائيل ان انشاء هذا الإقليم سيكون جائزة ترضية معتبرة تحصلان عليها بعد الفشل في اسقاط الدولة السورية.

ب‌.   “إقليم كردستان سورية” وفي الخطة الأميركية إقامة إقليم شمال شرقي سورية على مساحة من الأرض بشكل مثلث تقع بين نهر الفرات والحدود مع كل من العراق وتركيا، ويقطنها مليون كردي ومليون ونصف مليون عربي، ووظيفة الإقليم قطع شرقي محور المقاومة عن غربيه وتامين كيان سياسي للأكراد السوريين يحاكي الكيان الكردي في العراق. ويحرم سورية من جزء هام من ثروتها النفطية كما ويحد من استثمارها ثرواتها المائية والزراعية ما يجعلها واهنة ضعيفة عاجزة عن تامين احتجاجاتها بطاقاتها الذاتية.

ج.  “إقليم الشمال الغربي” وترى اميركا اهمية إقامة هذا الإقليم على مساحة محافظة ادلب وأجزاء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشرقي ليكون مثابة أداة تحريك واضطراب يعمل بها ضد مركزي ثقل نوعي استراتيجي لسورية هما حلب (مركز الاقتصاد) والساحل (البوابة الى الخارج) كما يلعب الإقليم الذي سيكون تحت سيطرة وإدارة خلفية تركية دور الحزام الأمني الذي يجعل اقتطاع لواء الإسكندرون عن سورية نهائيا وابديا.

لقد بات واضحا ان معسكر العدوان على سورية بقيادة اميركا انقلب الى اقامة “الأقاليم الثلاثة ” لتكون تعويضا له عن فشله في تحقيق اهداف مشروعه الاساسي الذي استهدف سورية، لكن قيادة العدوان ورغم قرارها هذا تبدو انها تتهيب الموقف، ما جعلها تتباطأ في اطلاقه تنفيذيا، وفي الوقت ذاته تحجم عن تقديم أي تسهيل للتقدم على مسار ما اسمي “العملية السياسية” لحل الازمة السورية والتي بدأت في جنيف وأسندت باجتماعات استانا. فما هو سبب التردد هذا وما هو مآل العلية السياسية او لنقل اجتماعات استانا وجنيف وتاليا ما هو مصير خطة الأقاليم الثلاثة؟

لقد أعلنت اميركا صراحة عدم جهوزيتها للمشاركة في اعمال استانا و امتناعها عن تقديم أي جهد لإنجاح اعمالها او لاحقا اعمال جنيف ، و قد التقط ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الإشارة و امتنع عن الدعوة الى جنيف 6 كما كان قد وعد و حدد موعدا مبدئا في الأسبوع الأول من أيار المقبل ، و السبب الرئيس لإحجام الأميركي عائد و من غير كثير بحث و تدقيق  ، الى ان اميركا تشعر انها لا تملك الان في الميدان السوري أوراق قابلة للصرف في العملية التفاوضية و هي على يقين ان من لا يملك في الميدان  مكسب لا يستجب له في مطلب ، و لهذا و امتداد لسياسة وقف التفاوض و اشعال الجبهات التي بداتها اميركا في نبسان\ابريل 2016 ، فان اميركا تركز اليوم على الميدان لفرض  الإقليم الثلاثة و بعدها تذهب للتفاوض .

ولهذا فأننا، لا نتوقع الكثير من استانا 4 التي تعول عليها روسيا لتوسيع دائرة المشاركين وتفعيل منظومة المراقبة والمعالجة لانتهاك وقف العمليات القتالية، خاصة وان تركيا لن تعمل في هذا اللقاء بمعزل عن الإرادة الأميركية وكما سعت الى افشال استانا 3 ستكرر التجربة في استانا 4. وبالنتيجة لن يكون موضوعيا ترقب دفع يعطى للعملية السياسية قريبا في استنا او في جنيف6 الذي لم يحدد موعده بعد. فما هو رد معسكر الدفاع عن سورية حيال هذا السلوك؟

يستطيع الباحث و المتابع ان يستنتج  الموقف السوري ومعه  كامل معسكر الدفاع عن سورية من مشاهد متعددة أولها ما  اعلنه الرئيس بشار الأسد مؤخرا عبر كشفه لمعلومات بين يديه لجهة فضح ما يجري في الأردن من تحضيرات عسكرية بقيادة واشراف مشترك أمريكي بريطاني و طبعا اردني اسرائيلي ما يؤكد ان الخطة مكشوفة و ستواجه ، و ثانيها ما يقوم به الجيش العربي السوري و حلفاؤه في الميدان من عمليات عسكرية متعددة الجبهات على كامل المساحة السورية ، و ثالثها ما قام به حزب الله في لبنان من جولة للإعلاميين عل امتداد الحدود مع العدو الإسرائيلي ، و أخيرا المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الروسي الرافض لأي تقسيم لسورية او تغيير لنظامها بالقوة .

وعلى هذا الأساس نستطيع ان نتبين ان الرد على الخطة سيكون في الأساس في الميدان دون اهمال السياسة حيث ان الجيش العربي السوري وحلفاؤه ماضون قدما في لأسقاط خطة الأقاليم الثلاثة، وتاليا إعادة فتح الطريق امام العملية السياسية وبالشرط السورية ووفقا لقواعد السيادة الوطنية والمحافظة على وحدة سورية ولذلك نسجل وباهتمام بالغ ما يلي “:

1)   الإنجازات العسكرية السورية الهامة التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه والتي لم تكتف بإجهاض العدوان على ريف حماه لاستهدف المدينة ذاتها، بل توسعت الى الحد الذي جعل الجيش العربي السوري على بعد 20 كلم من الحدود الإدارية لمحافظة ادلب، مع تعزيز الوجود في محيط جبل الزاوية مقترنا مع تحريك جبهة عفرين من الشمال، في مشهد يؤكد ان ادلب ستستعاد ولن تكون للإرهاب مقرا ولن تكون لتركيا جائزة ترضية.

2)   العمليات العسكرية المتواصلة والمؤثرة التي ينفذها الجيش العربي السوري حلفاؤه في درعا ومحيطها مقترنة برفع مستوه جهوزية قوات الدفاع عن المنطقة وتعزيزها معطوفة على قرار المقاومة بدمج الجبهتين اللبنانية والسورية في مواجهة إسرائيل، كل ذلك وجه رسالة المعتدي ان إقليم الجنوب لن ويمر، وهذا ما حمل الأردن على نفي ما اتهمه به الرئيس الأسد، نفي قد يوحي بتراجع او اقله تردد في التنفيذ.

3)    الثبات العسكري السوري في دير الزور ومحيطها واستعصاء المواقع العسكرية السورية على كل مواجهات الإرهاب المدعوم بالطيران الأميركي، ثم استمرار توسيع نطاق الحيطة حول تدمر، كما واستمرار الحال في الحسكة ومحيطها بالشكل الذي يعرقل خطة اميركا، معطوفا على الرفض التركي الذي ترجم اعتداء على مواقع كردية على الأرض السورية، ما أدى الى تصاعد التباين في مواقف مكونات “التحالف العدواني”، كل هذا يقود الى القول بان إقامة الإقليم الكردي ليست كما تتوقع اميركا.

وفي الاستنتاج نرى ان الازمة السورية ستستمر في تأججها الميداني ما يحجب العمل السياسي الجاد، وسيكون على حلفاء السورية الاستمرار في العمل ميدانيا بقوة لإجهاض “خطة الأقاليم الثلاثة” التي قد تكون اخر ما في جعبة قيادة العدوان، والتي بعدها سيكون الذهاب الى العملية السياسية امنا ومنتجا.

اترك تعليقاً