الأرشيفوقفة عز

رئيس السلطة وقطيع الأبقار؟

نضال حمد

جاءت التصريحات الأحدث لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية التي أعرب فيها عن موافقته على التخلي عن حق عودة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي شردوا منها، لتعلن بداية مرحلة فلسطينية عصيبة جديدة.  إذ أبدى عباس استعداده للتنازل عن حقهم بكل معانيه القانونية، والتاريخية والوطنية. مع العلم أنه حق فردي وجماعي نصت عليه قرارات الشرعية الدولية. بالإضافة لكون عباس لا يملك صلاحيات التخلي عن هذا الحق حتى لو كان منتخباً بنسبة 99,99% من قبل شعب فلسطين. فهو حق فردي للاجئ وذريته.

تصريحات عباس لم تكن مفاجأة لأنه بكل بساطة صاحب التفاهمات مع بيلين سنة 1995 ثم سنة 2004، ومن جديد في البحر الميت. التفاهمات التي ولدت مبادرة جنيف. وتلك المبادرة من بنات أفكار عباس وشريكه الصهيوني بيلين. لذا فأن السيد عباس متمسك بخياره التفاوضي بالرغم من تدميره للقضية الفلسطينية، وتحطيمه للمجتمع الفلسطيني، وتقزيمه للنضال الوطني الفلسطيني، وتغييبه لدور منظمة التحرير الفلسطينية، وتفتيته لحركة فتح، وكذلك مشاركته في تشديد الحصار على قطاع غزة نكاية بحماس، التي بدورها استولت على القطاع بقوة السلاح، ثم أقامت فيه دويلة تحكمها بشكل أحادي. غير آبهة بكل الأطراف الأخرى سواء كانت مقاومة أو غير مقاومة.

موقف عباس الأحدث والأكثر تفريطاً بأهم ثابتة من الثوابت الوطنية الفلسطينية يعتبر لطمة قوية لمرافقيه من الفصائل الفلسطينية. هؤلاء الذين كانوا معه في زيارته الأخيرة الى لبنان. وبالذات الى السيد عبد الرحيم ملوح نائب امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، الذي كانت مواقفه متعاطفة ومهادنة لعباس منذ خروج ملوح من السجن الصهيوني.

كذلك هي صفعة قوية لبقية اعضاء اللجنة التنفيذية واشباههم من فصائل ” المرحومة” منظمة التحرير الفلسطينية. هؤلاء وللأسف الشديد يصرون على البقاء في لجنة تنفيذية مهمتها تزوير كل شيء وتمرير الاتفاقيات مع العدو. بالإضافة لذلك فأن معظمهم بلا مهمة محددة وليس مسؤولاً عن أي دائرة من دوائر المنظمة، هذا إذا استثنينا الدائرة المشتبه بها، التي أوكلت رئاستها الى السيد تيسير خالد ممثل الجبهة الديمقراطية في اللجنة التنفيذية. ونعني هنا دائرة المغتربين المبتدعة. ومن المحتمل أن تكون غاية عباس من تأسيس هذه الدائرة على أنقاض دائرة اللاجئين، وسيلة لترجمة مشروعه المشترك مع يوسي بيلين والذي مَثَلَهُ فيه على الأرض شريكه في عملية أوسلو وما تلاها، عضو اللجنة التنفيذية عن حزب فدا المدعو ياسر عبد ربه.

ومعروف أن ياسر عبد ربه لم يتصرف لوحده ولا بشكل شخصي بل كان مرسلاً من قبل قيادته السياسية السابقة والحالية. فذهب الى جنيف مع يوسي بيلين برفقة جوقة من المطلبين الفلسطينيين الذين لم يجرئوا في يوم من الأيام. على مواجهة الرئيس الراحل ياسر عرفات أو قول لا له.. هؤلاء منهم من انتهى أمره برحيل عرفات ومنهم من إستمر كما هو حال ياسر عبد ربه، الذي يتصرف وكأنه رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة. ورغم معرفة معسكر عباس فياض وعبد ربه بأن الشعب الفلسطيني يقف لهم بالمرصاد ويرفض كل ما جاء في مبادرة جنيف، إلا أنهم يواصلون سياسة استبعاد الشعب من دائرة القرار ويتصرفون وكأنهم الأمناء والأوصياء على الشعب والقضية.

ما هو موقف حركة فتح من تصريحات عباس المعيبة والمهينة والتي تعتبر أكثر المواقف سقوطاً وتفريطاً بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وبميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وقرارات مجالسها الوطنية المتعاقبة بما فيها مجلس غزة اللا شرعي الذي ألغى الميثاق الوطني للمنظة على شرف كلنتون ونتنياهو… وما هو موقف اعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح؟

 ما هي مواقف فاروق القدومي وأبو ماهر غنيم وأبو الأديب سليم الزعنون ومحمد جهاد وصخر حبش وهاني الحسن؟؟

وكيف سيتصرفون مع هذا التطور الخطير في مواقف محمود عباس؟

وهل سيغلبون مصلحة فتح على مصلحة الشعب الفلسطيني أم أنهم سيقولون في النهاية ما يجب أن يقال بحق عباس ومعسكره، ويقوموا بعمل ما يلزم عمله خدمة لمصلحة الوطن والقضية واللاجئين والمنظمة وفتح وشعب فلسطين… فإن صحت الأخبار التي تسربت عن نيتهم الدعوة لعقد جلسة لاعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في عمان لسحب الثقة من ياسر عبد ربه، فإن الأولى بهم أن يسحبوا الثقة من محمود عباس أولاً لأنه رأس الأفعى، وليس من الموظف ياسر عبد ربه فهذا الأخير يسقط بسقوط رئيسه.

ما هي مواقف الفصائل الفلسطينية من هذا التطور التاريخي الخطير جداً في موقف عباس الذي هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ويعتبر نفسه كذلك قائدا عاماً للثورة الفلسطينية ولحركة فتح؟

هل سيبقى هؤلاء يلهثون للقائه كما حصل اثناء زيارته مؤخراً لدمشق ولبنان؟…

من الواضح أن لهاثهم للقاء به عزز القناعة لديه بأن هؤلاء ليسوا سوى أرقام يمكن تجاوزهم والقفز عنهم. فإن جاءوا إليه وتركوه بحاله يكون الأمر جيداً. وإن عارضوه على نفس طريقتهم فإن هذا لن يؤثر على خططه وبرامجه. لأن أقواهم حركة حماس، معزولة و مشغولة بدويلتها في غزة وبالحصار الخانق المفروض عليها وعلى الشعب الفلسطيني في القطاع. كما أنها لم تتعلم ولم تستفد من التجربة ومازالت تتصرف بأحادية. حتى أن حماس وحدها لن تستطيع التأثير على عباس، إذ يلزمها التعاون بجدية واحترام مع الفصائل الأخرى يغية عمل شيء ما لمواجهة هذا الاستحقاق التاريخي. ولا بد أنها مناسبة تاريخية للانقضاض على عباس ومعسكره والقضاء عليهم بعملية ديمقراطية سلمية تشطبهم من دائرة القرار وتستعيد المنظمة والموقف الوطني الفلسطيني الغائب. لكن هذا التغيير يتطلب مواقف حاسمة وواضحة اتجاه عباس ومعسكره وكل من يهادنه ويمرر له تنازلاته.

 الموقف مطلوب من قبل كل الفصائل ويجب أن تجمع عليه الفصائل. وأن تعلن عبره بوضوح:

وقف الحوار مع عباس حتى يعتذر أو يتراجع عن تصريحاته. والدعوة لانتخابات شعبية تحدد ممثلي الشعب الفلسطيني في المجلس الوطني.

السيد عباس يعتبر شعبه الفلسطيني قطيعاً من الأبقار يقوده كيفما يشاء. وإذا بقي الشعب الفلسطيني متسامحاً ومتساهلاً مع مواقفه وخاصة الأخيرة التي وضع نفسه فيها مع أولمرت في نفس الخانة، فأنه بالتأكيد سوف يتحول الى قطيع من الأبقار والأغنام. فاعترافات عباس بأنه يحاور الصهاينة حول أرقام وأعداد اللاجئين الذين يمكنهم العودة، جاءت لتضع حداً للشكوك التي تراكمت عند البعض حول موقفه الحقيقي من حق العودة.

أما الفصائل الفلسطينية فإذا لم تقم بتحديد موقف واضح وعملي وجريء من تصريحات عباس، سوف تكون بالتأكيد جزءا فعلياً وأساسياً من قطيع الأبقار الذي يعتقد عباس أنه يقوده.

 

  نضال حمد

07/09/2008