الأرشيفبساط الريح

رسالتان من صلاح خلف إلى عرفات في حرب أكتوبر… المعارك والتسوية 1من2- معين الطاهر

لعلّي أضع بين يدي القارئ وثيقتين مهمتين، تُنشران لأول مرة، كتبهما القائد المؤسس في حركة فتح، صلاح خلف (أبو إياد)، بتاريخ 24/10/1973، وهما جزء من مشروع كبير لبحث وتوثيق القضية الفلسطينية، أعمل عليه مع زملاء لي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

كُتبت الوثيقتان قبل أن تضع الحرب أوزارها، لكنّ الحديث عن تسويةٍ مقبلةٍ، بدأ يعلو ضجيجه في القاهرة التي وُجد فيها أبو إياد منذ ظهيرة الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول، أي قبل الحرب بساعات، وحتى ما بعد كتابة هذه الوثيقة الموجهة إلى ياسر عرفات (أبو عمّار) وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح. ومن الواضح أنّ الدافع الرئيس لكتابتهما كان وضع عرفات والقيادة الفلسطينية في أجواء الحرب واحتمالات ما بعدها، وهو ما كان أبو إياد يفضّل عرضه مباشرة على القيادة الفلسطينية، لكنّ الرئيس المصري، أنور السادات، طلب منه البقاء في القاهرة لمتابعة ما قد يستجد.
الوثيقة الأولى رسالة معنونة بـ “الأخ أبو عمّار الأخوة الكرام”، جاءت بمثابة تمهيدٍ للتقرير الذي كُتب متلازمًا معها في التاريخ نفسه، وحمل عبارة “تقرير خاص وسري جدًا”، ويقسّمه أبو إياد إلى ثلاثة جوانب؛ إخباري ويصفه بأنّه المعلومات المجرّدة من دون تعليق منه، وتحليلي على ضوء اللقاءات المباشرة والجانبية التي قام بها، والمعلومات غير الرسمية التي وصلت إليه من الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل وسواه، ليخلص إلى اقتراحاتٍ يراها بحسب الاحتمالات التي تراءت له. ولعلهّا الوثيقة الأولى التي تتحدّث عن المشاركة المطلوبة من المقاومة الفلسطينية في عملية التسوية وبدايات تشكّل الموقف منها.
يعتذر أبو إياد عن تأخره في الكتابة، لأنّ الحوادث تتلاحق بشكل لا يتيح للإنسان أن يفكر في احتمالات الموقف، وكيف يمكن معرفة سير الأمور ونتائج ما يستجد من حوادث، مسجلًا

الوقائع كما حدثت، وتاركًا استنتاجاته إلى آخر الرسالة، لكنّه يريد أن يقرّر حقيقة واحدة، هي أنّ “الأمور تتطوّر بسرعة مذهلة، لا يمكن تخيّلها، إلى درجة أنّني كنتُ أبدأ كتابة الرسالة لأمزقها ثانية”، لتلاحق الحوادث، أكانت تتعلق بالجانب العسكري أو السياسي.

ويستذكر أبو إياد اللقاءات السابقة مع الرئيس السادات قبل معركة 6 أكتوبر، وبالتحديد في يوم 1/9/1973، حيث كان اللقاء الأول، وقدّم فيه السادات عرضًا للمعركة، أو كما سمّاها “الشرارة”، “ثمّ عرض بشكل سريع تفكيره حول مؤتمر السلام، وطلب أن يُعقد لقاءٌ آخر في برج العرب، بعد مؤتمر عدم الانحياز للتحدّث بالتفاصيل. وبالفعل تمّ اللقاء في 22/9/1973، ودار الحديث حول المعركة، وطلب منّا أن نشارك بالمعركة من الأرض المصرية، كما طلب أن نُقدّم طرحًا سياسيًا مرحليًا لقضيتنا، وكنّا في اللقاءين نميل إلى حرب استنزافٍ تتطوّر إلى معركة هجومية، بشرط أن يُخطَط لها لتكون حربًا طويلة النفس، واتُّفق على دخول قوات من فتح إلى الجبهة المصرية. واتفقنا على ما سنقوله له عند عودتي إلى القاهرة، ويوم وصولي أُخذت من المطار، لأُبلّغ بأنّ الحرب غدًا”.

وصل صلاح خلف إلى القاهرة يوم الجمعة 5 أكتوبر ظهرًا، ومن المطار إلى المخابرات العامة، ثمّ إلى المخابرات الحربية، حيث أبلغ بموعد المعركة، وهو يوم السبت 6 أكتوبر، وكاد يُصعق من النبأ، “إنّها مفاجأة” لم يتوقعها، ومع ذلك فكّر أن يُبلّغ أبو عمّار بالخبر في الليلة نفسها، وفعلًا أرسل رسولًا يُدعى “أبو بشار”.

وفي اليوم الثاني قابل صلاح خلف وفاروق القدومي (أبو اللطف) كلًا من مدير المخابرات الحربية، فؤاد نصار، ومدير المخابرات العامة، عبد السلام توفيق، وكان الحديث عامًا عن دور المقاومة في المعركة وحجم المعركة، ثمّ انتقلا مع مدير المخابرات لمقابلة السادات في الساعة السابعة من يوم السبت 6 أكتوبر في قصر الطاهرة.

في الطريق إلى اللقاء مع السادات، لاحت في ذهن أبو إياد احتمالات بشأن المعركة؛ هل هي صورية مخطط لها مع جانب أميركي، بشكل مباشر أو غير مباشر، أم هي تتسم بطابع المغامرة من دون حسابات دقيقة، متوقعًا أن يطرح السادات أسئلةً بشأن مفهوم العمل السياسي للمرحلة المقبلة، وكانت المفاجأة أنّه تحدّث عن المعركة بأبعادها كلها، وأنّه لن يوقف القتال مهما كانت الأسباب. سيطر على الجلسة جو المعركة. القوات دخلت كلها. الدروع سيكتمل دخولها في العاشرة مساءً. الخسائر لا تصدق. “كان السادات كالطفل الصغير يتابع التقارير التي ترده تباعًا، ويُعطينا إياها بعد الفراغ منها”. وفي وسط ذلك “سألني لماذا تأخرتَ بالحضور؟ وماذا حصل لقوات فتح؟ لماذا لم تصل بعد؟”. و”تحدّثت معه عن المفاجأة بالإنذار، وقلتُ له إنّ الضباط وصلوا من وقت مبكر، وأبو لطف لم يغادر القاهرة، وكان بالإمكان تبليغه بما سيحدث. ولكن مع ذلك سنعمل على وصول القوات بأسرع ما يمكن”.

ثمّ انتقل إلى موضوع المعركة، وكان عبور خمس فرق مشاة قد جرى بنجاح تام، إلّا أنّ الفرق المدرّعة لم تكن قد دخلت، فكان يتابع عبورها بقلق، ثمّ بادرنا بحديثٍ عام عن القوة وأثرها،

وعن حقده على إسرائيل، وعن “البهدلة” التي حصلت له بسبب المعركة، وتأجيلها أكثر من مرة، ولم يفتح معنا سوى حديث المعركة والقتال. وأكّد من جديد ضرورة حضور قوات من “فتح” لتقاتل مع المصريين في سيناء، “ثمّ طلب منّا (أبو لطف وأنا) أن نبقى في القاهرة لنكون قريبين من الصورة. وقال لنا ونحن واقفون: إنّ خطتي أن أعبر سيناء حتى المضائق، ثمّ أقف هناك لأقوم بعدها بحرب استنزافٍ طويلة الأمد. وانتهت الجلسة دون أن يطرح علينا موضوع العمل السياسي من قريب أو من بعيد خلال هذا اللقاء. وفرحنا بمعنوياته العالية، وخاصة ما يتعلق بالخطة العسكرية”.

تقاسم أبو إياد العمل مع أبو اللطف، بحيث داوم هو في العمليات الحربية ومع المخابرات الحربية، في حين تولى أبو اللطف الاتصالات السياسية.

سير العمليات العسكرية

يذكر أبو إياد أنّ العبور المصري للقناة كان رائعًا من حيث الشجاعة والخطة والتنظيم والإيمان والقدرة، ولقد كان من المُقدّر أن تكون الخسائر في حدود العشرة آلاف، لكنّها لم تتعدَ الأربعمئة شهيد، وسارت الأمور حسب ما هو مخطط لها لكنّ “التحرّك المصري العسكري توقف بعد العبور، كمن حصل على نصرٍ، ولا يريد أن يُخدش هذا النصر من قريب أو بعيد”.

يؤكد أنّ المعارك سارت بأخبارها الجيدة إلى أن كان الوقوف العسكري بعد تطهير حوالى خمسة عشر كيلومترًا على طول القناة، وكان الضغط النفسي بين صغار الضباط؛ لماذا الوقوف؟ وكان التفسير الذي يُعطى دائمًا “أنّ القوات لا يمكن أن تتجاوز حماية شبكة الصواريخ في الضفة الغربية للقناة، وأنّ العمل جارٍ لنقل وتركيب شبكة أخرى على جانبي القناة”.

ثمّ حصلت المفاجأة المذهلة، وهي عملية الاختراق، وقد تمّت وتطوّرت، كما يلي:

“يوم الاثنين 15 أكتوبر 1973، تسللت دورية الدبابات عبر البحيرات المرّة بوساطة الحوّامات، هوفر كرافت، إلى الضفة الغربية، وكانت تحمل إشارات الدبابات المصرية، ولقد تكرّر التسلل الذي اعتمد على نقطةٍ في الدفرسوار شرقًا، إلّا أنّ العسكرية الإسرائيلية استطاعت أن تجعل من هذه النقطة قاعدة اتسعت في الضفة الشرقية أكثر من اثني عشر كيلومترًا، لتمتد إلى الغرب في الضفة الغربية حوالى عشرة كيلومترات في العمق، وتتجه شمالًا باتجاه الإسماعيلية، على امتداد أكثر من عشرين كيلومترًا، وباتجاه السويس المدينة بالامتداد نفسه.
وبالطبع، كانت القيادة العسكرية المصرية تحاول التقليل من عملية العبور الإسرائيلية، وتصفها بأنّها عملية سياسية، وأنّها محدودة، لكنّ الواقع، ومعلوماتنا من مصادرنا الخاصة، كانت تشير إلى أنّ التعزيز عبر الثغرة أو من خلال الطائرات كان مستمرًا، وبشكل مكثف، إلى أن حلّ وقف إطلاق النار يوم الاثنين 22 تشرين الأول/أكتوبر، حيث كان الوضع العسكري في الضفة الغربية كما يلي:

1. وجود في الضفة الغربية للقناة على امتدادٍ في العمق، لا يقل عن خمسة عشر كيلومترًا، وامتداد إلى الشمال باتجاه الإسماعيلية، حوالى ثمانية عشر كيلومترًا، وباتجاه مدينة السويس بحدود خمسة عشر كيلومترًا.

2. عدد القوات يتراوح ما بين لواءين مدرّعين، ولواء مشاة، ومظليين، “والمأساة أنّ العدد الصحيح ونوع العمل الذي تقوم به هذه القوات ليس له مصدر رسمي، ولكنّها تقديرات فقط”.

3. رأس جسر ممتد على الضفة الشرقية، على طول البحيرات المرّة، وشمال البحيرات بحوالي خمسة كيلومترات، وكانت الثغرة تسدّ أحيانًا وتفتح في أكثر الأحيان.

هذا هو الوضع لغاية إعلان الطرف المصري قبول وقف إطلاق النار، وكنتُ أراهن أنّ الجانب المصري لا يمكن أن يقبل وقفًا لإطلاق النار، وهو على هذا الوضع، فماذا حصل بعد وقف

إطلاق النار؟ في الليلة نفسها، 22 أكتوبر، وحوالى الساعة الثالثة والدقيقة الثلاثين، مرّت قافلة تموين إسرائيلية عبر أحد الجسور التي أقاموها على القناة، وأُطلقت عليها النيران المصرية، وفجأة فُتحت النيران غرب وشرق القناة، وخاصة في منطقة العبور الإسرائيلية، وفي منطقة الجنوب، ومن ثمّ تطوّر الوضع حتى كتابة هذه السطور في الساعة الثانية عشرة صباحًا يوم الأربعاء 24 تشرين الأول/أكتوبر، إذ جرى “احتلال مطارات منطقة الإسماعيلية السويس (بغير طائرات طبعًا). العدو في مدينة الإسماعيلية تقريبًا، وعلى مشارف مدينة السويس. سيطرة تامة على الطريق الصحراوي الموصل إلى الإسماعيلية والسويس. انتقال قيادة الجيش الثاني والثالث من المدينتين. ارتباك مُخز في القيادة العسكرية، ولا أدري كيف يتطوّر الوضع بعد كتابة هذه السطور. لكن للأسف المعنويات شبه منهارة”.

يقول أبو إياد إنّ لقاءً آخر مع السادات قد جرى خامس أيام المعركة في غرفة العمليات الحربية، حيث كان موجودًا “وسألني السادات عاملين إيه أخباركم إيه؟ ولم يعجبني السؤال فقلتُ له: نتفرّج على المعركة ونصفق للمقاتلين، لقد تعبنا، يا سيادة الرئيس، ونحن نقاتل ويتفرّج علينا الآخرون، ومن حقنا أن نتفرّج الآن. وعرف أنّني متضايق من سؤاله، وأنقذ الموقف [المشير] أحمد إسماعيل، حين قال: الأخ أبو إياد متضايق علشان وجّهت نداءً للقوات المصرية والسورية ولم توجّه نداءً للقوات الفلسطينية ومعه حق. وهنا تدارك السادات، وقال: أصلنا كلنا علشانهم والدم ده الذي ينزل من أجلهم”. نقل السادات الحديث إلى ليبيا ومعمر القذافي، وشكا من أنّ أبوظبي قدّمت للمعركة مئة مليون دولار، بينما لم يقدّم معمّر سوى أربعين ألفًا، وتحدّث عن تقدّم القوات، وقال إنّ هناك خطة لحرب طويلة، مستدركًا “مش انتم عايزين كده؟ وكل شيء ماشي حسب الخطة”.

الإعلام المصري

يذكر صلاح خلف ملاحظة بشأن الإعلام المصري، ويميّز بين الإعلام الرسمي (إذاعة وتلفزيون)، ويعتبره غير مقصّر في إبراز عمليات المقاومة الفلسطينية، أمّا الصحف فيشكو من تجاهلها عمليات المقاومة بشكل لافت للنظر، حتى أنّه قال لمحمد حسنين هيكل إنّ هناك مؤامرة تخططون لها من أجل أن تخرج المقاومة من المعركة هزيلة. “على العموم هنالك همس في كل الأوساط الرسمية؛ أين المقاومة؟ أين عملها؟ لماذا لم يتحرّك الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهذه الأسئلة يرويها ويرددها بخبث فؤاد نصار”. ممّا اضطره للقول أمام مجموعة من الضباط: “نعم لم يتحرك شعبنا، لأنّه غير مصدّق أنّ المعركة جديّة، ولأنّ شعبنا ظلّ تحت الاحتلال وحده يقاتل بالوسائل الممكنة أكثر من ست سنوات، ولأنّ شعبنا يخاف أن تقطعوا فيه من منتصف الطريق”.

المهم، جاء خطاب السادات ومشروعه للسلام، وتجاهل في خطابه المقاومة الفلسطينية “واتصل بي الدكتور حسن [الزيّات] وحافظ إسماعيل وهيكل يشرحون أسباب عدم ذكر المقاومة في خطابه؛ لأنّه لا يريد أن يذكرنا ضمن الدول العربية”. أبدى أبو إياد عدم اهتمام بالموضوع، وقال: “نحن لا نريد شهادةً من أحد لنضالنا، ونحن لا نقاتل من أجل أن نأخذ تحية، على العكس، فنحن نحيي كل الذين يقاتلون معنا، ونأمل أن يستمروا”.

الوضع السياسي

لم يتطرّق السادات إلى أي حديث سياسي، أكان ذلك في أول لقاء، أو خلال لقاءاتٍ عابرة في

غرفة العمليات، أو في آخر لقاء بعد وقف إطلاق النار، كذلك لم يُطرح الأمر من أي مسؤولٍ مصري من الذين قابلهم ابتداءً من الدكتور [محمود] فوزي و[عبد القادر] حاتم وحافظ إسماعيل، وانتهاءً بهيكل وعثمان نوري وحسن صبري الخولي، إلّا أحاديث عامة حول القتال وسير المعارك، وأميركا والموقف العربي. إلّا أنّ هيكل في آخر لقاء يوم الثلاثاء ليلًا، وبعد حديث عن المعارك، “سأل عن رأينا بالمباحثات التي ستجري، وهل سنحضرها، وماذا سنقول لو حضرنا. وهنا سألته: هل اعتبر ذلك رسميًا من الدولة ومن السادات؟ فقال: لا، إنّما حديث أصدقاء”. أجابه أبو إياد إنّ الموقف السياسي هو نتيجة للموقف العسكري، ونحن نرى أنّ إسرائيل تحاول أن تهلهل الانتصار المصري، وتُفقده مضمونه، بالتالي ستغيّر الوضع العسكري لمصلحتها، وستماطل وتكسب مكاسب جديدة وتنازلات جديدة من العرب، من دون أن تتنازل عن نظريتها الخاصة بالأمن الإسرائيلي. “ومن هنا، فنحن نرى أن نهتم بالوضع العسكري، وإلّا سنكون خسرنا الحرب وخسرنا الموقف السياسي. وعلى كلٍ، فإنّ الأمر ليس واضحًا بالنسبة لنا، ولكن يستطيع الإنسان أن يقول إنّ حق تقرير المصير لشعبنا، دون أن يكون طرفًا في أي تسوية إلى حين أن يقرر بنفسه وفوق أرضه ما يريد، هي الصورة الوحيدة الواضحة بالنسبة لنا. (ملاحظة كان هيكل يكتب هذا الجزء من حديثنا)”.

انتقل الحديث مع هيكل إلى زيارة رئيس الوزراء السوفييتي، إليكسي كوسيغين، وكان الحديث في هذا الموضوع متصلًا بجلسات سابقة، وأهم ما في لقاء كوسيغين- السادات نقطتان:

1. “الطلب إلى السادات أن تكون خطوات السلام مبتدئة بوقف إطلاق النار، مع صدور تعهد من الدولتين (روسيا وأميركا) بالانسحاب وتطبيق قرار مجلس الأمن، ثمّ تكون المباحثات قبل الانسحاب، حتى تعرف إسرائيل إلى أين تنسحب، ثمّ ما هي ضمانات السلام بالنسبة لها. (وهذا مخالفٌ لرأي مشروع السادات الذي قال أولًا تنسحب إسرائيل، ثمّ بعدها يحضر، ومن يقتنع معه، مؤتمر السلام)”.

2. “هناك مشروع اتفقت عليه من الدولتان، ويتضمن وضع غزة تحت الوصاية [المصرية]، وتعود الضفة [الغربية] إلى الملك [حسين] ضمن مشروعه؛ المملكة العربية المتحدة، ويحدث استفتاءٌ عليه يكون بمنزلة تقرير المصير، وتُهيأ أوضاع غزة لشيء مماثل بعد فترة. ثمّ تكون الجولان إمّا منزوعة السلاح تحت السيادة السورية، أو دولية بعد الانسحاب. أمّا شرم الشيخ والقدس فهما دوليّتان، ولا يشمل الاتفاق كل القدس، إنّما القدس العربية فقط”.

هذه ملامح الاتفاق، ويكون ممثلو الشعب الفلسطيني ضمن الوفد الأردني. وطبعًا “هذه ليست معلومات دقيقة، إنّما هي محصلة اتصالات سياسية واسعة، ولكن بصفة رسمية لم نُبلغ بشيء إلى هذه اللحظة”. ويرى أبو إياد أنّ أخطر ما في الموضوع وجود “همس مصري خافت يقول: لماذا لا تتفاهم منظمة التحرير مع الملك حسين ضمن مصالحة وطنية على حكم الضفة الغربية والقطاع، ضمن الحكم الذاتي الفلسطيني في مشروع المملكة المتحدة، ويمكن بالوقت نفسه التفاهم على موضوع مؤتمر السلام ومن يحضره ضمن الوفد الأردني من المقاومة”. ويذكر أبو إياد حضور بهجت التلهوني (رئيس مجلس الأعيان) وعامر خماش (مستشار الملك حسين) إلى القاهرة، ونشاط عبد المنعم الرفاعي (مستشار الملك حسين) أيضًا لمعرفة دور الأردن في الموضوع، والتفاهم على الخطوات المقبلة. ويحدّد موقفه من هذا الهمس بثلاث نقاط:

– “نحن لسنا بصدد التفاهم مع [الملك] حسين مهما كانت الأحوال، وقد زاد من حدة موقفنا هذا موقفه من المعركة ودخول الفدائيين [حاول الرئيسان حافظ الأسد وأنور السادات إقناع الملك حسين في الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في الإسكندرية بتاريخ 10/9/1973 بترتيب علاقته مع المقاومة والسماح بعودة وحدات منها إلى الأردن] (يوميات عدنان أبو عودة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات).

– مقاومة إعادة السيطرة الأردنية على أي أرض فلسطينية بالوسائل الممكنة والمتاحة.

– المطالبة بحق تقرير المصير لشعبنا من دون أي وصاية عربية أو غيرها، مؤكدًا في الوقت نفسه رفض “التنازل عن حقنا التاريخي في فلسطين، وضد أن نكون جزءًا من التسوية”.