الأرشيفثقافة وفن

رشاد أبو شاور في رواية ترويض النسر – قراءة الدكتورة نجمة حبيب

رشاد أبو شاور في رواية ترويض النسر

 
تثوير للراسخ من القيم المجحفة وتحريض على النظام المخابراتي 

الدكتورة نجمة حبيب 

ترويض النسر(2019) حلقة جديدة في مشروع رشاد أبو شاور الروائي الملتزم بالقضية الفلسطينية اولاً، ومن ثم بهموم وقضايا المجتمع العربي، إذ كانت رواياته الأربع الأولى بمثابة رواية واحدة طويلة تحكي رحلة النضال والتغريب الفلسطيني. حكت رواية العشاق الإرهاصات الأولى للمقاومة مذ كانت عملاً عفوياً تسيّره العاطفة والمبادرة الفردية والانتقام الشخصي، إلى ان أصبح عملاً منظماً تديره مخططات حكيمة واعية. وأكملت الدرب رواية البكاء على صدر الحبيب فعرضت لحالة الاغتراب التي عاناها المقاتلون بعد طردهم من الأردن عام 1970. ورافقت رواية الرب لم يسترح في اليوم السابع رحلة النفي الثالثة للمقاومين في خروجهم من بيروت إلى تونس عام 1982 التي تمت بعد وقف إطلاق النار بينهم وبين القوات الاسرائيلية. وأرخت شبابيك زينب لانتفاضة الحجارة التي انطلقت في 8 كانون الأوّل 1987 إثر قيام مستوطن اسرائيليّ بدهس ثمانية عمّال فلسطينيّين من مخيّم جباليا في قطاع غزّة عند حاجز إيرز. وتميزت هذه الرواية بطرحها السؤال الصعب: هل يجوز أن يتبرَّع شاب فلسطيني ميت سريرياً، بقلبه، لصالح شخص إسرائيلي!..

أما أكثر ما يـميّز أعمال أبو شاور الروائية- إضافة إلى كشفه عن معاناة المقاتلين وإحباطاتهم بعد الهزائم المتكررة- فهو إبرازه لدور المرأة المقاتلة وغربتها في مجتمع ذكوري منافق يدّعي التحرر والتقدمية ويـمارس ضدهما. ورؤيته نقدية قاسية. هجى وشهّر بالفساد الذي عمّ مؤسسات الثورة الفلسطينية ( على حد تعبيره) وأبرزها الجهاز الأمنـي المعروف بـ”الـ17″، فكشف بصدق واقعي جارح وصل حد تسمية المسؤولين بأسمائهم الحقيقية. ركّز أبو شاور على عروبة الثورة الفلسطينية، ففي كل مراحل النضال، وعند كل مفاصل الخيبات، كان هناك دائمًا لبنانيون وسوريون وأردنيون وعراقيون ومصريون ويمنيون وغيرهم يشاركون ويدعمون ويؤازرون. وظلت روايته حتى في أحلك الظروف متمسكة بأمل التحرير والعودة.

في روايته الأخيرة (2019) ترويض النسر كما في سابقتها سأرى بعينيك يا حبيبي ينطلق أبو شاور إلى فضاءات أبعد من فلسطين، فيتقصّد قضايا وهموماً اجتماعية تطال المجتمع والنظام في دول العالم الثالث عامة وفي الوطن العربي على وجه الخصوص. وتتمحور الرواية حول قطبين رئيسيين هما: النظام المخابراتي الشرس المستشري في الوطن العربي، ودوره في تخريب الذات الجمعية وتقزيمها بهدف إبقاء المواطنين في الدرك السفلي من السلم الحضاري لتسهل قيادتهم؛ وثانيهما، تثوير للمرأة وتحريض لها على التمرد على وضعها البيولوجي والمجتمعي ودعوتها لتنتقل من دور الضحية العاجزة المستسلمة لثقافة تفوق القضيب الذكوري إلى دور الند القادرة على الدفاع عن كرامتها وأخذ حقها بيدها. ويصل الكاتب إلى رؤيته بصورتين شعريتين هما النسر والضبع.
تحكي الرواية قصة عائلة مؤلفة من أب وأم وثلاثة أبناء يعيشون في قرية ما من الوطن العربي، وبطلها الابن الثاني لهذه الأسرة ويدعى منصور وهو مهندس مدني يعمل على تخطيط وتنفيذ مشروع شق طريق متاخم لبعض القرى النائية المهملة في دولة لا يسميها. خلال عمله، يتعرض لمضايقات من رجال السلطة يحاولون إغراءه بتحويل مسار الطريق لصالح أحد مشاريعهم الاستثمارية. وإذ يفشلون في استمالته يبدأون بخلق المتاعب له بتحريض خطيبته عليه حيناَ، وبتحطيم زجاج سيارته في ثانية وبتسميم نسر كان يستضيفه في بيته في ثالثة. ومن خلال عمله، نتعرف على الشخصية المركزية الثانية في الرواية “أمينة” التي غرر بها أحد رجال المخابرات قصد جرها الى التعامل معهم والإبلاغ عن رفاقها وأساتذتها في الجامعة. كما نتعرف على المهندسة الزراعية وداد التي استمالتها نزاهة منصور. ومن الشخصيات الغائبة التي يصير الحكي عنها بضمير الغائب، الأب (والد منصور) الذي توفي قبل سنتين من زمن السرد والابن الأكبر حمزة الذي تبتدئ الرواية به مغيباً في سجون المخابرات والأخ الأصغر الذي يتهيأ للانتقال إلى العاصمة لدخول كلية الطب. يعيش منصور حالياً (في زمن السرد) في بلدة قريبة من المشروع الذي يعمل به ويستخدم سيارة متواضعة في تنقلاته من وإلى مكان عمله. في احدى الليالي سرقها او بالأحرى استعارها أحد رجال الأمن ليلاً وردّها فجراً ليظهر بعد ذلك أنه استخدمها لإغراء تلميذة متفوقة في كلية الزراعة نسيت دفتر محاضرتها في السيارة، فيكون هذا الدفتر الطريق للتعرف على الفتاة وعلى ورطتها ومن ثم التعرف على الاستاذة الجامعية وداد التي ستصبح في النهاية حبيبته وخطيبته.

يمارس عنوان الرواية “ترويض النسر” علينا غوايته وبثير فينا فضولاً نقف إزاءه متسائلين، من هو ذاك المروِّض الشرس الصلب الذي يتصدى لهذه المهمة الصعبة؟ فالنسور حسب المتداول في ثقافتنا الشعبية عصية على الترويض. ثم تتدخل العتبة الثانية ( الغلاف) لتضئ عتمات العنوان وتجليها. فالصورة المرسومة في إطار أسود والوجه المليء بالكدمات تشي أن هنالك عملية تعذيب عنيفة ترمي إلى غاية ما. وبعملية ذهنيّة بسيطة، يمكن استنتاج العلاقة بين هذا الوجه المشوه وترويض النسر. وبذلك تكون هاتين العتبتين قد حققتا المهمة التي أرادها لهما عالم السيميائيات جوزيف بيزا كامبروبي في أن يكونا المفتاح الأساسي ونقطة الإرسال الأولى بين المرسل والمرسل اليه الذي يحدد هوية النص ويعين قصديته. فتوقُفُنا عند هذا العنوان، سهل علينا التقاط الرمز في حكاية النسر الجريح الذي التقطه منصور وهو في طريقه إلى بيته بعد محاورة حامية مع رجل المباحث. ثم تأتي الألوان (الأسود والأحمر والأخضر الداكن) “لتخلق أجواء النص ولتبث خيوطه وإشعاعاته فيه وتشرف عليه كما لو أنها تضئ العتمات و تجليها”. فالوجه المغضن بالكدمات الحمراء والسوداء أثارت فينا مشاعر سلبية وأوحت بعمل بشع أغلب الظن أنه من فعل عصابات مافيا أو جهاز قمع حكومي. ثم يجيء اللون الأخضر الباهت ليبعث بصيص أمل في خير ينوس في الأفق

 

تحكم رواية ترويض النسر رؤية مجتمعية نقدية تتخفى أحياناً خلف رمزية مستمدة من البيئة المحلية يسهل على المتلقي التقاطها، وتبرز أحيانا واضحة جلية ملتزمة الأدب المسؤول الذي أراده رئيف خوري دفاعاً عن الحقيقة على اعتبار أن الحقيقة ليست واقع الحال فقط بل هي الحال أيضاً. وهي ذات رؤية صادمة للمجتمع البطريركي ودعوة إلى كسر التقليد المجحف الذي يحمل المرأة وزر العلاقة غير الشرعية، إذا أن الرواية صوّرت أمينة التي سلمت نفسها لأحد رجال المخابرات بطلة. فأمينة لم ينته بها الأمر منتحرة أو ساقطة أو مقتولة غسلاً للعار، وإنما إمرأة صلبة قوية تنجح في قتل الرجل الذي غدر بها بحنكة ودهاء، تستدرجه وتقتله وتنجو بفعلتها طامسة عارها ومكملة مسيرة حياتها كما يجب أن تكون. حافظت على تفوقها في الجامعة وحازت على منحة أهلتها لإكمال دراستها العليا في الخارج. وأبو شاور في تعاطفه مع أمينة إنما يحرّض على بتر الشر دون مهادنة مؤمناً بالحكمة الجاهلية “القتل أنفى للقتل”. وإن كانت نظرية أبو شاور هذه لا تتوافق مع قوانين الدولة الحديثة، وإن كان العالم المتمدن يرى فيها همجية وجاهلية متخلفة، فهي واجبة في مجتمع متخلف يرى فض البكارة معادلاً للحياة والمجرم فيه هي الأنثى وحدها حتى ولو كانت ضحية ومغتصبة. فأمينة الفتاة القروية المحدودة التجربة انطلت عليها خدعة شاب وسيم المظهر مارس عليها دهاءه وادعاءه الكاذب في أنه أستاذ مدرسة مجاورة، وفي أنه سيتزوجها بعد التخرج، فتطرب لكلامه وتقع في حباله ليتخلى عنها بعد ذلك كاشفاً لها عن حقيقته: (أنه رائد في جهاز أمني، مهمتي استقطاب الفتيات الذكيات الرائعات للعمل في الجهاز). وهو لن يتزوجها ويريدها مخبرة على الناس، والحل عنده أن يُـخْرِج ما في بطنها ويزوجها لأحد رجاله وويستمر في مضاجعتها. فأوغر حقيقته صدرها، واتخذت من ضعفها قوة قلبت الأدوار: حاكمت وحاسبت واستقوت ودعت بنات جنسها إلى قلب الصورة النمطية التي تختصر قيمة المرأة إلى مجرد نافلة في جسدها إن فقدت سقط حقها في الحياة: تقول مخاطبة صديقتها علياء:

” كان أبي يردد على مسامعنا وهو يحكي لنا حكايات عن الضبع: ينتصر البني آدم على الضبع إذا بقي عقله صاحياً ولم يفقد شجاعته. وأنا يا علياء عقلي صاحي، وبدأت شجاعتي تملأ قلبي وعقلي وروحي. أنا بت أراه مجرد ضبع خسيس جرحني، وأن عليّ أن أتجاوز هذا الجرح و..أهزمه، وأدفعه ثمن ما تسبب به لي من ألم ومهانة. خلال أيام أتخلص مما في بطني، ولا بد أن يحدث ما يجب أن يحدث. البني آدم قوي..يا الله ما أقواه عندما يدافع عن حياته. هذا ما علمني إياه أبي، وأنا أدافع عن روحي وشرفي وكرامتي يا علياء”.

 

يدور المحور الثاني من الرواية حول صراع المثقف العصري مع السلطة المستبدة. والمثقف العصري حسب إدوارد سعيد ليس فقط الناقد لسياسة الحكومة، بل الذي يرى في المهنة الفكرية حفاظاً على حالة من اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تسير المرء معها. هو بمعنى آخر مناهض طبيعي للحاكم المستبد وما يمثله من قمع للحريات وفرض لمفاهيم ورؤى تخدم أهدافه التسلطية بقولبة عقول الناس وتجهيلها لتسهيل حكمها. لذلك يسعى هذا الحاكم لترويض المثقف العصري بأعنف الطرق وأكثرها لاإنسانية حتى يتم له سحقه. ومن ثم على المثقف أن يصمد. وهكذا كان منصور (بطل الرواية) نداً صلباً لرجل المخابرات، لم ترهبه ولم ترغبه عروضه بكل ما فيها من مؤثرات ممسرحة: سيّارة رانج روفر تمر مسرعة فتثير الغبار. يد ضخمة طويلة تشير للهدف (منصور) أن يتوقف (نعلم لاحقاً انه رائد أمني اسمه عبد الهادي). كتلة هائلة، طويلة، عريضة المنكبين، رياضيّة الجسد، تخرج من السيارة (هو رامبو مرافق عبد الهادي) ويقترب صاحب الجسد الضخم حاملا زجاجة ماء وسخّانا وأكوابا بلاستيكية يأمره سيده بتقديم الضيافة إلى منصور تمهيداً لعرض الصفقة. وإذ يصمد الضحية أمام هذه الحرب النفسية يدور الرجل ذو العضلات أمامه يرقّص عضلات صدره تحت قميصه نصف الكم، كأنه يتوعده بعضلاته الهائلة. وإذ تنتهي المقابلة برفض عنيد من منصور، يصفق عبد الهادي راحتيه بحركة تمثيليّة ويوجه كلامه إلى رامبو قائلآ:

“رامبو: المهندس منصور يرفض مساعدتنا!

صفق رامبو حصاة بمقدم حذائه فطيّرها بعيدا، ومعاً عبد الهادي ورامبو ركزا نظرهما عليها وهي تتدحرج بعيدا، وكأنهما يوحيان له بما ينتظره .. “

 

ثم تتوالى المضايقات، بدءاً بتحريض خطيبته عليه وانتهاءً بمحاولة تسميم النسر الذي يأويه، مروراً بتكسير زجاج سيارته. وجرياً على ما عهدناه في كلاسيكيات الخطاب الديني والمجتمعي التقليدي، تسند الرواية إلى سناء دور المرأة الماكرة التي تقود خطيبها إلى المعصية، بالمباشرة حينا وبالدهاء حيناً آخر:

“أود لو نختصر الزمن ونعيش معاً في بيت ريفي حوله أرض فسيحة يضم مسبحاً ونأتي بفلاّح ليعتنى بالأرض، وخادمة لتحلب الأبقار وتربّي الدجاج، وامرأة ماهرة في إعداد الطعام تطهو لنا كل ما نشتهيه، ويكون لنا أولاد وبنات: أربعة، ولدان وبنتان
– و..فيلا في المدينة..في حي راق (قال هازئا)!

– ولم لا؟ ألا نستحق؟!

– تحلمين..ها؟!

-حلم ممكن التحقق لو أردت!. . . أنت مهندس، وما عليك سوى أن تغيّر مسار الطريق حتّى يتحقّق كل ما نحلم به”.

وفي محاولة منه لإيقاظ ضميرها يذكّرها بما كان بينهما من عهود فبقول:

“كنت أحلم بأن أهندس بيتناً من موّاد الأرض كما اقترح المهندس المصري العظيم حسن فتحي، أبو هندسة الفقراء، وأنت كنت تحلمين بتعليم أبناء الريف في قريتي التي ولدت على أرضها والتي سنعيش على مقربة من أهلها. قلنا بأن سيّارة متواضعة ستحل مشكلة زيارتنا للمدينة للالتقاء بالأصدقاء، أو لنتفرج على فيلم أو مسرحية، أو للاستمتاع بسهرة غنائية، أو أمسية شعرية. أما كانت هذه أحلامنا البسيطة الممكنة التحقق؟.”

وكان كلما أصرت وتمادت لجره لتبني موقفها يزداد تشبثاً بعقيدته حتى انتهى معلناً طردها من حياته:

 

“أخي في السجن من أجل المبادئ، وكان بمقدوره أن يكون رئيسا لتحرير صحيفة كبيرة في البلد، أو حتى وزيرا للإعلام، ووالدي وأمي علماني أن الشرف هو أهم ما يمتلكه الإنسان، وأن القناعة كنز لا يفني، والأمانة تحمي البني آدم من الزلل والطمع، وأخي الصغير خالد يتهيأ لدراسة الطب ليعالج فقراء قريتنا والقرى المجاورة. نحن عائلة شريفة يا سناء..وأنت صرت بنظري مثل عبد الهادي ورامبو اللذين حاولا إغوائي وتخويفي واستدراجي للانحراف خدمة لمآرب أسيادهم! لقد سقط الحب في الامتحان يا سناء! أنت لا تلزمين لي في حياتي.”

 

يصل الكاتب إلى رؤيته برمزين متاضدين هما النسر والضبع، متخذاً من النسر صفات الأنفة والعزة والكبرياء، ومن الضبع صفات الضعة والنتانة والغدر. فالنسر الذي اقتناه منصور رغم ضعفه ومرضه أنف عن مقايضة حريته بما قدمه له منصور من داء وغذاء: ظل “في نظرته اتقاد ناري وفي عينيه توجس وحذر” رغم حفاوة التكريم. ولم يروض وظل ابن الفضاء الرحب، فاستحق من منصور لقب أبو عرب. لقب جليل لا يستحقه عند رشاد أبو شاور إلا كل شهم شريف صاحب عزة وعنفوان.

وتقول أمينة في وصف غريمها رجل المخابرات

“إنه يطاردني كالضبع في الحكايات التي كان والدي يحكيها لنا في ليالي الشتاء ونحن حول الموقد. الضبع خبيث، الضبع لا يخرج من مخبئه إلّا في الليل، لأنه يخاف الضوء ويهرب من الشمس، فهو في النهار خوّيف وفي الليل يتسربل بالعتمة ويتربص في الظلام. المهم أن يتماسك الإنسان ويقتنع بأن الضبع ليس سوى كلب متوحش، وأنه يمكن الإفلات منه بمواجهته. ولكن يا أبي هذا الضبع يظهر في النهار، ولا يتخفّى بالليل، فما سر قوته يا أبي، وكيف أفلت من كيده ومطاردته لي؟!”

 

ومأساة أمينة ليست في الضبع فقط بل في هذا المجتمع المتخلف الظالم الذي سيحكم عليها بالموت رغم أنها الضحية: “لا أستطيع اللوذ بك يا أبي، فهذا الضبع زرع فيّ شيئا غير الخوف، ولو علمت يا أبي بما فعله معي فلربما قتلتني أنا ابنتك الوحيدة الحبيبة، ولمزّق أخوتي الثلاثة جسدي بخناجرهم درءا للعار الذي جلبته أختهم الوحيدة المدللة عليهم!”. ولئن كانت أمينة لا تزال تقيم وزناً للسلطة الذكورية فتناجي والدها بدعة ولهجة اعتذارية، فإن منصور نفض يده من هذه السلطة وأدانها بصورة شعرية بسيطة ومحببة: “لماذا استكان العربي في الوحل وصار دودة ؟ من استلّ منه روح النسر يا صاح ؟!

إضافة إلى ما في رواية ترويض النسر من رؤية تثويرية تحريضية وصور رمزية تنير الرؤية وتخرجها من بوتقة التنميط، فهي أيضاً سَلِسة في سردها، سريعة الإيقاع تصل إلى مبتغاها قبل أن يدرك قارئها /قارئتها الملل. وهي، وإن لم ترُق لدعاة الحداثة نظراً لما فيها من مباشرة ولغة بسيطة بعيدة عن فذلكات المحدثين وغموضهم، فهي محببة وأثيـرة لطائفة كبيرة من القراء الذين يرون الأدب ممارسة اجتماعية يلتزم فيها الكاتب بالدفاع عن الحقيقة التي هي ليست واقع الحال فقط بل هي الحال أيضا كما يجب أن يكون. وَتَصَوُّر الحال كما يجب أن يكون، لا يشير الى نظرية في الأدب بل يشير الى وظيفة الكاتب في تصور أخلاقي للعالم. والتصور الأخلاقي يتعامل مع مفهوم الحقيقة، لأن نقيض الحقيقة هو الكذب، والكذب، كما الحقيقة، لا يشرح الممارسات الاجتماعية، والأدب ممارسة اجتماعية مشروطة بجملة من الممارسات الاجتماعية.

مكتبة البحث 

أبو شاور، رشاد. ترويض النسر، ط/1، عمّان: دار الشروق، 2019

 

— العشـاق، ط/6، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004 [1977]

— البكاء على صدر الحبيب، ط/3، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000 [1974]

— الرب لم يسترح في اليوم السابع، ط/2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999 [1986]

— شبابيك زينب، ط/1، بيروت: دار الآداب، 1994

 

أبو حاقة، أحمد. الالتزام في الشعر العربي، ط/1، بيروت: دار العلم للملايين، 1979
 

\خوري، رئيف. “الأديب يكتب للكافة”، الكلمة، عدد/10، أكتوبر 2007

http://www.alkalimah.net/login.aspx?rurl=/article.aspx?aid=799

— الأدب المسؤول، بيروت: دار الآداب، 1968

درّاج، فيصل. “الانعكاس والانعكاس الأدبي”، ألف، عدد/10، 1990، ص 29-53

سعيد، إدوارد. صور المثقف محاضرات ريث سنة 1993، نقله إلى العربية، غسان غصن، راجعته، منى أنيس.، منتدى وشبكة التنويريين العرب، بدون تاريخ.

 

نجمة خليل حبيب

سدني أستراليا

15/11/2019