الأخبارالأرشيف

رمضان في اوسلوستان! – عبداللطيف مهنا

أغلب الفضائيات ذات السمة الدولية، أكانت رسمية معلنة، أو مموهة بالخصوصية، أو حتى خاصة، تراعي، إن هي لم تخدم بالأساس، رؤى واستراتيجيات بلادها، الكونية، أو مصالح مموّليها، في مخاطباتها للآخر. ولتسهيل وصولها للمتلقّي تختار من المقبِّلات التي تدغدغ شهيته ما يوصلها لوجدانه، مع الحرص في اختيارها لمراسليها المحليين، وفي سائر الأماكن التي تتوجَّه إليها، من أولئك المَرْضيِّ عنهم من قبل سلطاتها، أو أقله خفيفي الظل، أو المحترفين من منزوعي دسم المواقف، أي المراعين لما تريده الفضائية التي يعملون في خدمتها، وتحتمله لحدٍّ ما معدة السلطة التي هم من رعاياها..

هذا ما تفعله كل الفضائيات، الصديقة والعدوة والما بين بين، وهو طبيعي ومنطقي ولا يمكن أن يكون بخلاف ذلك.. وعليه، هذا هو حال فضائية “روسيا اليوم”، أو التي، كما هو معروف، تبدَّلت إلى (rt)، ويتبدَّى جلياً في اختياراتها لاختلافات مواصفات مراسليها (الفلسطينيين) التي لا تتشابه في كلٍ من القدس ورام الله وغزة.

من هاته “المقبّلات” الرائجة تناولاً في مثل هذا الشهر الفضيل هو ما اختارته مراسلتها في رام الله.. جالت مع كاميرتها متصفّحةَ ومنوّهةً بمشاهد مما تكدَّس ولذ وطاب من اطاييب الموائد الرمضانية العامرة (في فلسطين)، والمقصود هنا تحديداً رام الله، والأبعد ما يكون عن مخيَّم جنين والعرّوب وعقبة جبر.. كما وفي جولاتها هذه تجنَّبت البيوت واختارت المطاعم، ومن هذه تلك التي يقصدها سراة القوم واثرياء المرحلة الأوسلوية، ومثلاً:

سألت المراسلة فتاة لا يبدو أنها عرفت ذات يوم زقاق مخيّم عن انطباعاتها الإفطارية فأطنبت هذه في وصف استمتاعاتها مفاخرة بأنها واسرتها الكريمة حتى الآن لم تتناول طعام الإفطار في البيت إلا مرتين والباقي كله في مثل هذه المطاعم الرائعة..

كما لم تنس أن تتحفنا بصاحب مطعم فأتحفنا هذا بدوره بتعريضه بالإعلام في الخارج الذي لا يرى في فلسطين، (أو فلسطينه التي هي مطعمة في رام الله) إلا “الاجتياحات”.. و، و، وما شابه، ولا يلتفت إلى تلك الجوانب الأخرى التي تعكس روعتها أجواء مطعمه البهي العامر.. ومن بعد جالت الكاميرا تلاحق زحام الحركة التي تلت ما بعد أوقات الإفطار، والتي تعكس انطلاق المتسوّقين في سياق الاستعدادات السعيدة لملاقاة العيد المقترب..

.. وانا اشاهد عرضاً المقابلة ذات النكهة السياحية، استفزتني حتى الثمالة.. وتملكني شعور مرير الحزن ولا أستطيع وصفه بغير مزيج قاهر من الإحساس المقيت بخلطة من القرف والمهانة والغيظ.. وكان أول ما خطر ببالي هو ترى ما هو إحساس من يشاهده الآن مثلي من عشرات الألوف من العائلات الفلسطينية الصائمة التي تتضور جوعاً من أهلنا في غزة المحاصرة، ناهيك عن فقراء مخيَّمات شعبنا ومشرَّديه في عموم الداخل الفلسطيني المحتل وسائر ديار الشتات في أرض الله غير الواسعة ومنها اللافظة لهم..

..

الكارثة الأوسلوية خلقت إنسانها وكوَّنت شريحتها المرتبطة مصالحها مع مصالح المحتل وسائر جبهة أعداء شعبها.. فلسفت بصفاقة مزرية تشوُّهاتها. وإذا انحرفت، وفرَّطت، وتنازلت، وتحوَّلت أداةً في خدمة المحتلين، كانت وتظل تساوي ما يدعى “الانقسام”، وهي الانقسام بعينه، ووجودها بحد ذاته لا يؤبده فحسب، بل والبوَّابة الرحبة لما تدعى “صفقة القرن” التصفوية والمقتربة تجليَّاتها البحرانية التي ترفضها، وترفضها لأنها ولجت من اوسلويَّتها إلى دنيا الأنظمة الانهزامية والعميلة والمطبّعة وتجاهلتها ولم تلتفت إليها.. حيَّ على المقاومة.

 

رمضان في اوسلوستان!

عبداللطيف مهنا