الجاليات والشتاتوقفة عز

رمضان وبعض اليسار – نضال حمد

لا تنظروا الى صيام أحد ولا الى صلاته…ولكن انظروا الى صدق حديثه إذا حدث والى أمانته اذا اؤتمن… (عمر بن الخطاب)

صدق الخليفة العادل … فلطالما تعجبت من الذين لا يصوم ون ويقومن بذم الصائمين. انسانية الانسان تظهر في رمضان لكن بالتأكيد ليس فقط في شهر رمضان عند الناس الانسانيين. على صعيد آخر هل نرجسية البعض تخولهم التهكم على الآخرين، فقط لمجرد أنهم صاموا رمضان مع أنهم يحملون أفكاراً يسارية وعلمانية أو بلغة يسار زمن المرحوم اليسار أفكاراً تقدمية. هل مقياس إدعاء اليسارية والتقدمية يكمن في التهكم على الصائمين بغض النظر أكانوا صادقين أم غير صادقين؟ فهذه مسألة بينهم وبين ربهم. وبين اليسار الذي انتميت إليه صغيراً والذي لا زلت أحمل أفكاره الانسانية والثورية كبيراً وبين شعبنا أصبح هناك مسافة كبيرة للأسف الشديد.

أليس الأجدر بالانسان التقدمي تقبل الآخرين واحترام حقوق المسلمين والمؤمنين والصائمين؟

وهل إنكار الشخص للاسلام وللصيام وأكثر وأبعد من ذلك يجعل منه يسارياً وتقدمياً؟.. بالتأكيد لا..

كل شخص حر بما يؤمن به وبما يفعله. هنا أيضاً أعود لقول مأثور للخليفة العادل عمر بن الخطاب:”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟”.

إذا صام الشخص عن قناعة وايمان وبحريته أو تصنعاً أو للدعاية والاعلان أو ايماناً وقناعة فهذه مسألة تخصه وحده فقط لا غير، ولا يجوز لشخص آخر أن يحشر نفسه فيما لا يخصه. ولا أن يوزع الاتهامات على الصائمين. فالمثل الشعبي العربي يقول “إذا بليتم فأستتروا”. أما شهر رمضان فهو عند المسلمين والعرب شهر للتطهر من الآفات والآثام ولغسل الروح ومسحها بالحنان والبر والاحسان. ونحن الذين تربينا في بيوتنا وفي كنف عائلاتنا منذ الطفولة على الموائد والليالي والأيام الرمضانية، نعرف أنه لكي تكون يسارياً ناجحاً ومحترماً عند شعبك عليك أن تحترم عادات وتقاليد شعبك.

بعض دعاة اليسارية واليسار ضحايا العيش على الذكريات.. واليسار بطبيعة الحال ضحية من ضحاياكم وسوء فهمهم أو تصرفاتهم، فليس هكذا تقاس الأمور. ممكن أن لا تؤمنوا بشيء ولا بدين ولا بخالق، لكن هناك ناس يؤمنون بالله وبالدين وبالرسالات السماوية. قد يكونوا غير عمليين في تدينهم يعني لا يقيمون الصلاة ويمارسون أعمالاً تتعارض مع تعاليم الدين، كالتي يمارسها الآخرون يومياً، لكنهم يصومون شهر رمضان. أنا هنا لا أرى ضرراً في ذلك إذ جاء في القرآن الكريم {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ….} يعني في الاسلام لا يحاسب أحد بذنب غيره ولا يحمل أحد عن أحد ذنوبه التي أثقلت كاهله يوم القيامة. يعني الله هو من يحاسب وهو من يقيّم الشخص الصائم والمؤمن إن كان منافقاً أو صادقاً. لست ضليعاً في شؤون الدين والتفسير لكن هذه الكلمات واضحة.

كلنا نعرف أن الصيام يقوم به الانسان المؤمن لأنه من أركان الاسلام. فيما يقوم به الانسان النصف مؤمن لأنه يرى فيه وسيلة للتقرب من الله وللتخفيف مما يرتكبه من آثام طوال السنة. وهذا بطبيعة الحال أفضل من النميمة والدسائس وبث الكراهية والفرقة بين الناس وارتكاب الجرائم. هي بحسب فهمي حالة خاصة تخص كل شخص على حدة وهي علاقته بربه ورب الكون، إله الناس كل الناس. وفي هذا الصدد يحضرني قول الإمام علي بن أبي طالب “صوم النفس عن لذات الدنيا أفضل صيام”. وأضيف من عندي أن صوم الناس عن الثرثرة والنميمة من أفضل انواع الصيام.

يقوم أيضاً بالصيام ناس لا علاقة لهم بالايمان ولكنهم يصومون لأسباب تخصهم ولأسباب مختلفة. هؤلاء يحاسبهم من سيحاسب الناس كل الناس يوم الآخرة، لأنه هو الذي يعرف ماذا كان في صدورهم وماذا كان في قلوبهم وعقولهم.

قرأت لأحد الفلسطينيين كلاماً عن التعايش بين أبناء وبنات الشعب الفلسطيني من جميع الطوائف والديانات. يقول فيه أن جارتهم المسيحية كانت تصوم معهم كل شهر رمضان. أما أنا فقد شاهدت المسحراتي المسيحي يطوف شوارع مدينة فلسطينية وهو يدعو إخوانه المسلمين الى السحور. كما أكثر من مرة دعيت الى ولائم رمضانية قام بها مسيحيون فلسطينيون وعرب. ربما هؤلاء المسيحيون العرب أنسونا لبعض الوقت جرائم إرهابيي بشير الجميل وعصابات الفاشست المُباركة من قبل بكركي في لبنان. كما وأنسونا جرائم داعش وأخواتها. كما قرأت لأخت فلسطينية مسيحية أن والدتها كانت تمنعهم من تناول الطعام والشراب في شهر رمضان بينما أصدقائهم وصديقاتهم من المسلمين والمسلمات صائمون وصائمات.

قبل سنوات ويوم كان صديقي وأخي نيافة المطران عطا الله حنا في زيارة عمل لأجل فلسطين في اوسلو، جاءت مع يوم القدس العالمي، الذي يحل دائما في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، حيث ألقى كلمة بالمناسبة وشارك في المسيرة. دعانا الأخ والصديق اليبناوي، الفلسطيني، زياد أبو يونس للغذاء في مطعم الكرمل الفلسطيني. وكان هو نفسه صائماً فيما بقيت عدة ساعات ليحين موعد الإفطار. جُهزت وزُودت المأدبة بأطياب وأنواع الطعام والشراب. فسألني المطران هل أخونا صائم؟. سمعنا زياد .. فقال لنا لا عليكم تفضلوا وتناولوا طعامكم. تناولنا طعامنا وغادرنا لأننا كنا بعد ذلك على مواعيد عمل ولقاءات أخرى. ويومها كنت أنا مسافراً  وعدت للتو من خارج النرويج، عدت خصيصاً الى أوسلو في ذلك اليوم لاستقبال المطران ومرافقته في زيارته.

كما عرفت من خلال الاعلام والكتب أن بعض قادة الشيوعيين واليساريين العرب كانوا متدينين. منهم أحد أهم قادة الشيوعيين العرب والسودانيين عبد الخالق محجوب، الذي كان يرفض الربط بين حرية العقيدة والالحاد. كما كان يرفض التبعية للحزب الشيوعي السوفيتي على غرار الغالبية الساحقة من حملة المظلات الحمراء، الذين كانوا يرفعونها في بلدانهم العربية كلما أمطرت السماء في موسكو.

للأسف ففي مرحلة من مراحل المد اليساري العربي كانت المباهاة والمبالغة بعداء الدين وإشهار الكفر والالحاد من شعارات المرحلة. تلك الأفعال كانت أيضاً سبباً في خسارة الشيوعيين واليساريين العرب للجماهير العربية. على الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدموها لأجل شعوبهم وأمتهم وفقراء ومحرومي ومضطهدي بلدانهم. وعلى الرغم من أنهم كانوا المدافع الأول عن حرية الناس وضد الظلم والقمع، وكانت سجون الطغاة تعج بهم من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط.

على عكس الشيوعيين واليساريين العرب فقد استطاعت القوى اليسارية والشيوعية والتقدمية في أمريكا اللاتينية، كسب عدد كبير من الرهبان ورواد الكنائس وأتباع الديانة المسيحية الى جانبها في معركة الكفاح والنضال ضد الأنظمة القمعية والدكتاتورية وضد رأس الأفعى العالمية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. الأمثلة على ذلك كثيرة من الأب الكاهن والشاعر النيكاراغوي أرنستو كاردينال توفي العام الفائت 2020. والكاهن السلفادوري أوسكار روميرو اغتيل سنة 1980. الى الكاهن الكولومبي كاميلو توريس اغتيل سنة 1966 وآخرين كثيرين.

كان أوسكار روميرو يقول: ” «إن الإيمان الذي يكتفي بحضور قدّاس الأحد، ويرضى بالظلم طوال الأسبوع لا يقبله الله». و«الخطيئة الحقيقية هي الظلم وعدم العدالة في توزيع الثروات».

إن الايمان الأجمل هو الذي يجمع الصدق مع القناعة والعدل ومع الأقوال المرتبطة بالأفعال، والانسان الحر مع كل انسان يناضل لأجل الحرية. والمناضل ضد الظلم مع المناضلين لأجل العدالة والكرامة والمساواة والحرية. ويجمع احترام الآخرين وحقوقهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ورمضان كريم أقولها من قلبي وأهديها للناس كل الناس المؤمنين والصائمين، المتطهرين الآن في رمضان من رجس الحياة اليومية، البسطاء والضعفاء، للأحرار كل الأحرار وللشرفاء كل الشرفاء، سلام وألف سلام وعما قريب عيد فطر سعيد وكل عام وانتم بخير.

نضال حمد

11-05-2021