وقفة عز

سقط القناع عن القناعِ

نضال حمد 

بينما كانت بلدية باريس تكرم رمزان كبيران من رموز الاجرام الصهيوني، ديفيد بن غريون وشيمون بيريز، أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني نيتها وعزمها تسفير عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة بحجة أنهم يقيمون بشكل غير قانوني …

كيان الاحتلال اللاقانوني والعدواني يريد طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى المجهول …  للإحتلال لغته ومنطقه المعاكسان للعقل وللمنطق و للقانون. أما بلد القانون والحريات فرنسا التي لم تدن هذا الاعلان الحربي “الاسرائيلي” كانت مشغولة بنزع علم فلسطيني وضعه المحتجون على تكريم بن غريون وبيريز فوق قوس النصر في باريس كإحتجاج على الإنحياز الفرنسي إلى جانب الصهاينة.

عبر تسمية حديقة في باريس بإسم بن غريون وميدان بإسم بيريز في قلب العاصمة وغير بعيد عن شارع يحمل إسم الجنرال رابين مكسر عظام الفتية الفلسطينيين. من يدري ففي حال بقي ساركوزي في الحكم قد يتم إنشاء مدينة تحمل إسم زئيفي، شارون، غولدا مئير، جيبوتنسكي، شامير، ليبرمان أو هرتسل .. وهؤلاء كلهم من مرتكبي المذابح بحق أبناء وبنات الشعب الفلسطيني والأمة العربية ..وبعضهم مطلوب للإنتربول الدولي بتهمة إرتكاب تصفيات ومجازر وجرائم حرب ضد الانسانية.

منذ أكثر من ستين عاما وحتى يومنا هذا مازال بيريز ثعلب الصهيونية وأكبر الماكرين في الاشتراكية الدولية يواصل نفاقه اليومي وتعمية بصر الأوروبيين الذين يوجد بينهم قادة اشتراكيون بالعشرات يعتبرونه الأب الروحي لاشتراكيتهم الدولية. ولم يعد غريباً أن هنالك كذلك في مجموعة الاشتراكية الدولية عرباً وفلسطينيين .. ومع أن الرئيس البولندي الراحل كاتشينسكي لم يكن اشتراكياً ووقف طوال حياته ضد الشيوعية والاشتراكية إلا أن المصلحة الصهيونية جعلت تصريحات بيريز تعتبر الرئيس البولندي الراحل ليخ كاتشينسكي من أكبر أصدقاء “اسرائيل”.

الحقيقة أن الرئيس البولندي الراحل لم يكن كذلك فقد كانت مواقفه متوازنة فيما يخص القضية الفلسطينية. بينما نجد أن حزبه “العدالة والقانون” الذي يتزعمه شقيقه التوأم ياروسلاف كاتشينسكي هو أكثر الأحزاب البولندية هذه الأيام تعاطفاً مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. طبعاً ضمن المفهوم الأوروبي للتعاطف مع فلسطين. فنوابه في البرلمان أسسوا لجنة برلمانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وأقاموا اتصالات مع مؤسسات فلسطينية فاعلة في أوروبا. كما وزار بعضهم قطاع غزة ضمن حملات التضامن الدولية لفك الحصار عن القطاع. تعتبر تلك المواقف لحزب الرئيس البولندي الراحل تأكيداً على كذب ونفاق بيريز وقادة الكيان الصهيوني.

 كان كاتشينيسكي الذي دفن في قلعة فافيل بمدينة كراكوف الشهيرة، أرسل في شهر أيار/ مايو العام الفائت طائرته الخاصة (التي تحطمت في روسيا وأدت لمصرعه وجميع الوفد المرافق له) لإحضار 80 طفلاً فلسطينيا جريحاً من غزة للعلاج في بولندا… يبدو أن بيريز والقادة اليهود الصهاينة يريدون استباق نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في بولندا، فسرعان ما أخذوا يمجدون بالرئيس الراحل، حيث أنهم كانوا طوال الفترة السابقة يحركون أقلاما محلية ودولية محسوبة عليهم للتشهير بالرئيس وتشويه سمعته وللتحريض ضده وضد سياسته. لكنهم على ما يبدو رأوا الآن بعد حادث الطائرة وموت الرئيس أن الشعب البولندي ألتف حول رئيسه وقدره خير تقدير، ليكون هذا التكريم الشعبي الكبير وساماً للرئيس الراحل واعترافاً بأنه كان رئيساً وطنياً يحب بلده ويعمل لأجله بحزم. وكذلك يعتبر هذا الالتفاف الشعبي الجامح معياراً لشعبيته ولنجاح سياسته. من هنا تأتي تصريحات الثعلب بيريز حتى لا يفوته هذا القطار المنطلق بشكل سريع في بولندا … يحدث هذا فيما العرب يتسابقون للتطبيع مع الاحتلال دونما مقابل، كما أنهم لا يفعلون أي شيء لأجل ترتيب علاقات أمتن وأفضل مع البولنديين.

 في نفس الوقت لكن بعيداً عن بولندا وأحزانها أعلنت الجالية اليهودية في جنوب افريقيا منع القاضي اليهودي غولدستون من المشاركة في مناسبة دينية يهودية تخص عائلته وهي تعميد حفيده الذي بلغ سن التكليف، عقاباً له على موقفه الجريئ، وعلى تقريره الذي أدان “اسرائيل” وأتهمها بارتكاب جرائم حرب، حيث حمل في تقريره الشهير الكيان الصهيوني مسؤولية قتل السكان المدنيين وأرتكاب المجازر بحقهم أثناء العدوان على قطاع غزة.

يبدو أن الطائفة اليهودية في جنوب افريقيا كما طوائف يهودية كثيرة منتشرة في العالمين الغربي والشرقي، تعتبر نفسها جزءا من الصهيونية العالمية والمشروع الاستيطاني الاستئصالي الصهيوني في فلسطين المحتلة. لذا قررت معاقبة غولدستون على خروجه عن واجب الكذب والنفاق لأجل ديمومة واستمرارية كيان الاحتلال، وتفوقه على كل جيرانه العرب، وإظهاره بمظهر المتمدن والمتحضر، فيما الصورة الهمجية والظلامية يجب أن تلصق دائماً بالعربي.

في زمان مابعد 11 ايلول 2000 أصبحت نفس الصورة تلصق بالاسلام والمسلمين. رغم أن هؤلاء هم الذين استضافوا اليهود التائهين في دولتهم الاسلامية العظيمة، وبالذات في الأندلس حيث استعاد اليهود برعاية إسلامية عربية ثقافتهم وشعائرهم الدينية وأعادوا تجميع وتجديد لغتهم.

مع تكريم القتلة وعقاب القاضي في مكانين مختلفين من العالم، فرنسا وجنوب افريقيا، نجد أن الاحتلال مازال مستمراً في سياساته الاجتثاتية. فقد أصدر ت حكومة نتنياهو أمراً بترحيل عشرات آلاف الفلسطينيين عن أرضهم المحتلة. ويخص القرار بالذات الفلسطينيين في الضفة. يبدو أن قلق الصهاينة تحول الى كابوس فرعب لأن العامل الديمغرافي في المعركة الفاصلة في فلسطين يميل لصالح الفلسطينيين. فهؤلاء بالرغم من ضعفهم وقلة حيلتهم وتخلي اخوتهم العرب عنهم، لا بل حتى مشاركة بعضهم أن لم نقل الكثيرين منهم في التآمر عليهم، جنبا الى جنب مع أمريكا و”اسرائيل”، عبر بناء جدار العار على حدود مصر غزة، وعبر التطبيع الشامل، وعبر التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي … بالرغم من كل شيء فإن أهل فلسطين لازالوا يملكون سلاحاً استراتيجياً يوازي السلاح النووي الصهيوني .. يملكون السلاح المنوي الفلسطيني، ماكينة الولادة التي لا تتوقف، أرحاماً تخصب الحياة بالمواليد الجدد، الثوار الجدد… يورانيوم الحياة هو سلاح فلسطين البيولوجي، سلاح طبيعي ورباني يرسم ملامح ديمغرافيا المنطقة مستقبلاً… فالفلسطينيون يتوالدون ويتكاثرون بالرغم من كثرة أعداد الشهداء الذين يسقطون يومياً. لذا فهذا السلاح الخارق يقلق المحتلين .. ومن أجل كسره وتحطيم هذه المعادلة يرى الصهاينة أن طرد الفلسطييين من الضفة قد يخفف قليلاً من تعدادهم  في فلسطين المحتلة. وربما يرونها تجربة لترحيل فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 48 عندما تحين الفرصة للقيام بذلك .وهذه مسألة وقت ممكن أنها قاب قوسين أو أكثر . في حال نجحت تجربة الضفة ومرت دونما مواجهة عربية ودولية لا بد أن “اسرائيل” ستحاول وستجرب بعدها طرد الفلسطينيين من اراضي فلسطين المحتلة منذ سنة 1948. فهذا الأمر (الترانسفير) هو الأساس في الفكر الصهيوني، تفريغ ما يعتبرونها أرض “اسرائيل” من العرب والفلسطينيين.

 

 

*مدير موقع الصفصاف

نشرت في القدس العربي بصفحة مدارات، عدد الاثنين 19/04/2010