وقفة عز

شعب فلسطين في الضفة والقطاع يحررهما من الفساد والظلام – نضال حمد

شعب فلسطين في الضفة والقطاع يحررهما من الفساد والظلام .. فمتى سيحررهما من الاحتلال؟

ان إعصار الانتخابات الفلسطينية الذي أخذ معه ماضٍ أسود عشش في كل ما يخص المرحلة السابقة،كان كفيلا بجرف مرحلة سوداء لعرش الفساد والظلام والفوضى والانهزام،عرش الذين سرقوا الشعب لقمته وحريته وغيبوا منظمته ودفنوا حقوقه وباعوها وجعلوا من النضال الوطني العريق، تجارة ومقاولات ومنافع شخصية،وحولوا المناضل إلى مقاول والفدائي إلى حرامي والمعتاز إلى عاجز والمحتاج إلى تابع وذليل وسوقي يُساق بدولاراتهم الممنوحة من المانحين مقابل تقديم تنازلات تمس القضية بالصميم..

لقد سقط اليوم في بعض أجزاء من فلسطين المحتلة عرش الانهزام والمتاجرة بالوطن والأماني والحقائق والأحلام… سقط عرش الزيف والتسلق على جماجم وعظام الشهداء منذ الطلقة الأولى والحجر الأول حتى يومنا هذا… سقط وليكن بلا عودة زمن العقداء والعمداء والوقائي وال17 والعسكري والمخابرات والاستخبارات… زمن الأبوات وزوجاتهم وأولادهم وأقاربهم وعائلاتهم وأعوانهم وأزلامهم وعبيدهم وكتابهم وإعلامييهم وكذلك رقهم السياسي … زمن العصابات والشلل والمحسوبيات.. زمن إفراغ النضال الوطني من كل معانيه وقيمه ومبادئه… انه زمن قد تحتاج كل مدارس النقد العالمية ان تجلس مطولا لدراسته وتحليله، فقد كان زمنا فاجرا بكل معنى الكلمة. حيث كان مشروع تلك المرحلة هو مشروع التجارة والمتاجرة وفق العرض والطلب والدفع بالدولار الأمريكي واليورو الأوروبي وكذلك بالشيكل الإسرائيلي.

لقد حرر إعصار الضفة الغربية وقطاع غزة الشعب الفلسطيني هناك من كل أصناف القذارة ونفايات السياسة الرسمية النتنة، فهز وهزم وهد عرش الفساد والظلام ، وحجم ادوار رموزه وجعلهم يشعرون بالخوف من التوازنات والحقائق التي أعاد الشعب ترتيبها وتوزيعها وفق الدرب القويم والسليم نحو فلسطين. درب الآلام الفلسطينية الحية ، درب التضحيات والنضال الوطني الذي أكد الشعب انه مازال.. إذ بقلبه المعادلة فقد أخاف لا بل أرعب رموز الفساد والتعامل مع الآخر على حسابه.. لقد أرعب رموز التسلط على فقراء الوطن،الذين احتكروا شرايين الحياة بتسلطهم و عبر سياسة السيطرة على الطرقات والمعابر بالتنسيق الكامل مع الاحتلال.

إن إعصار الشعب الفلسطيني الجارف أكد أن هذا الشعب لازال حيا لا يموت، ومازال مؤمنا بالحقوق الوطنية التي بدورها لا تموت.. فالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع فرض التغيير بقوة الصوت الانتخابي وبالإرادة الشعبية عبر انتخابه لمن رأى فيهم إمكانية التمثيل الصحيح والواضح والسليم للمصلحة الوطنية والشعبية في فلسطين. فمصلحة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع تكمن في انتخاب مجلس تشريعي يكون أعضاءه من نظيفي الكف والجيب والسجل والنفس والعقل والتفكير والولاء، من سليمي السمعة والتاريخ ، ومن الملتزمين بقمصان الشهداء وراياتهم الملونة بالدماء وكذلك بالحقوق الوطنية.. من العاملين بحزم وصدق في خدمة الجماهير الشعبية التي أتت بهم إلى المجلس التشريعي كي يكونوا صوتها وساعدها وقوتها في وجه الاحتلال وفي وجه أعوان الاحتلال وفي وجه الظلام والظلامية والفساد والوجوه السلطوية السابقة التي بقي بعضها أو أعيد انتخابه من جديد بقوة الدولار وعبر مناصريه من المنتفعين والمتملقين والمحسوبين. لكن هؤلاء لن يطول بهم المقام في التشريعي لأن الأيام القادمة ستأتي بمن يفتح ملفاتهم ويضعها فوق الطاولة.

لقد اختار الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع معاقبة ومحاسبة الذين غيبوه عن المعادلة وغيبوا منظمته عن الخريطة واخذوا يتصرفون بفلسطين وكأنها ملكهم أو عشيقة من عشيقاتهم، سبية من سباياهم يغتصبونها في وضح النهار… لقد اختار الأهل في الضفة والقطاع من اعتقدوا أنهم أبنائهم الشرفاء ، وجاءوا بهم إلى المجلس التشريعي الجديد، ليعلوا معهم صوت المقاومة ، صوت النضال الفلسطيني المستمر، فالنضال في فلسطين ضد احتلال عنصري فاشي استئصالي اجتثاتي دموي وهمجي لا يمكن ان يكون فقط على طريقة غاندي التي حاول في فلسطين تجديدها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بل أن النضال يمارس كي ينجح بكافة أشكاله المشروعة، فطريقة النضال الجيفارية (من تشي جيفارا) في أمريكا اللاتينية، واللبنانية كما عرفناها في جنوب لبنان، والفلسطينية الفصائيلة كما رأيناها في زمن النضال الوطني الفلسطيني الذي كان في الشتات،ثم كما عرفناها بالطرق الجديدة في زمن الانتفاضة الثانية، بوسائل قسامية واقصاوية وسرايا قدسية وأبو علي مصطفية في فلسطين. النضال كل واحد ولا يمكن تجزئته، وبغير ممارسته على كافة الجبهات وبكل الطرق والوسائل لا يمكن تحقيق إنجازات ، وسنوات المقاومة والانتفاضة أعادت للفدائي الذي شوهت صورته مرحلة اوسلو هيبته واشراقة وجهه الفلسطيني ، لأنه كان ومازال وجه الحق على وجه الأرض..

على نهج الكفاح الفلسطيني الطويل الذي قدم عبره وخلاله شعب فلسطين عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى ، وعشرات المخيمات والبلدات والمناطق في خضم الحرب الشعبية الطويلة الأمد من أجل العودة والحرية والاستقلال. جاءت نتائج الانتخابات في الضفة والقطاع.. ففيها انتصرت راية الشهداء،عادت بيارقهم للرفرفة، زغردت بنادقهم كما أمهاتهم ، تزينت بالورد شواهد قبورهم.. لأن الأيمان بالثوابت والمقاومة انتصر على الهزيمة والانهزام والاستسلام والفساد والخراب والإذلال والتغييب والاحتراب والتسليم بلاءات اللصوص من كل الأشكال والألوان ، لصوص كافة المجالس من المجلس التشريعي والوطني والثوري إلى المجلس المركزي.

اليوم تحتاج فتح المهزومة بالصوت الانتخابي لإعادة بناء البيت الفتحاوي بناءا سليما وصحيحا بعيدا عن أهل اوسلو و الأفضل بدونهم لأنهم كانوا السبب في خراب البيت الفتحاوي وفي تخريب البيت الفلسطيني عبر شطبهم صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية ووضع فتح ومصلحتها الضيقة فوق المصلحة الوطنية العليا. ولأن فتح لم تكن تنظيما عقائديا أو أيديولوجيا كما هي عادة التنظيمات العقائدية فأن هذا قد عجل في خرابها،وجعل نخر السوس في عظامها سريعا جدا. وقد بدا ذلك واضحا للعيان بعد غياب مؤسسها وقائدها بلا منازع ياسر عرفات بشخصيته الأخطبوطية، التي كانت تسحر الفتحاويين وتمسك بهم كلهم صغيرا وكبيرا. بغيابه برزت كل خلافات فتح وبانت كافة عوراتها، وأصبح موضوع تفسخها وظهور تياراتها الموجودة بالأصل في الحركة أمرا عاديا.

بعد نتائج الانتخابات فأن الخطر الأهم هو أن يشكل بعض تيار الشباب المهزوم لأنه جزء من الفساد والعملية الاوسلوية الفاشلة خطرا على المصلحة الوطنية، خاصة انه لا يوجد من يوقفه داخل فتح ولا من يقمعه من خارجها، فهذا التيار لديه من هو أهم وأكثر قيمة عند بعض قواعد فتح من أعضاء اللجنة المركزية للحركة المتواجدين في الضفة والقطاع. وهذا التيار بالأصل يريد استخدام هزيمة فتح للقضاء على منافسيه فيها وعلى القيادة الفتحاوية التاريخية، مستغلا ذلك أفضل استغلال ومدعوما من كل من يريد تغيير الخارطة الفتحاوية لصالح جيل اوسلو الفتحاوي ، جيل التنسيق مع الأمريكان والصهاينة وأنظمة الجوار. وقد ظهر خلال الحملة الانتخابية والآن يعود للظهور مشهد هؤلاء القوم. ويجب التذكير بان الذين يساعدون هذا التيار من الخارج قد كشفوا عن أنيابهم ووضعوا أنفسهم في حالة طوارئ، بانت معالمها في التهديدات اليومية بقطع المساعدات والمنح للشعب الفلسطيني،وظهرت بوادرها في مسيرات وعروض فوضى السلاح الفتحاوي وفلتان سلاح أجهزة امن السلطة المحسوبة على بعض رموز الهزيمة والفساد في فتح والسلطة،عبر إحراق واحتلال مباني حكومية في الضفة والقطاع من جهة وعبر ترديد مطالب فتحاوية قديمة باستقالة اللجنة المركزية والرئيس والقيادة الهرمة من جهة أخرى.

صحيح ان أي حزب حضاري عندما يخسر الانتخابات تقوم قيادته بتقديم استقالتها، وهذا ما يجب ان يفعله حصرياً قادة فتح المسئولين عن عملية اوسلو وليس كل قادة فتح ، فما ذنب الذين بقيوا خارج لعبة اوسلو ودفعوا ثمن مواقفهم في حياة عرفات وفي غيابه.. والاستقالة ممكنة وكان ممكن لها ان تتم في حال كانت فتح حزبا حضاريا على الطريقة الأوروبية. وللتذكير مرة أخرى فأن فتح أثناء قيادتها للشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية خسرت معارك وحروب كثيرة ولم تراجع تلك التجارب فكيف يطالبها هؤلاء الذين كانوا وظلوا ومازالوا جزءا من بقاء واستمرار تلك القيادة بالاستقالة بسبب الانتخابات ؟؟؟ إن الذي لم يستقيل بعد معارك أيلول الأسود وبعد الخروج من بيروت وبعد الانتفاضة الأولى وفشل اوسلو وبعد الانتفاضة الثانية وخراب روما، وبعد أن ضيع منظمة التحرير الفلسطينية والحقوق الوطنية الفلسطينية وتلاعب ولم يلتزم بوضوح وعلنا بحقوق 8 ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات لا يمكنه أن يقبل بالاستقالة الآن.

نعتقد أن المهزومين في الانتخابات الأخيرة سوف يترقبون ويركبون بعد ذلك موجة إصلاح فتح وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية لأنهم يريدون بذلك تعويض هزيمتهم في السلطة وخروجهم من بابها الأضيق بالعودة لدخولها من شباك المنظمة الأوسع. وما حديث حماس عن إصلاح المنظمة سوى استباق لما قد تقوم به فلول فتح والسلطة من انقضاض على المنظمة. وبما أن الشعب الفلسطيني قد صوت للثوابت الوطنية وصوت للالتزام بإعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك لتحريرها هي أيضا من الاغتصاب الذي مارسته حركة فتح على مر سنوات تأسيس وعمل تلك المنظمة حتى تغييبها بقرار فتحاوي غير معلن. فان هذا يعني ان حماس تنظر أيضا لانتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي ستكون حلبتها الأساسية في الشتات الفلسطيني حيث أكثرية الشعب الفلسطيني المتمسك بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا. فإلى أن تدق ساعة تحرير المنظمة من الهيمنة والاستفراد يجب على الفلسطينيين تجهيز أنفسهم لاختيار شرفائهم كي يكونوا أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني. وشرفاء هذا الشعب كثر ويوجدون على اليسار واليمين وفي الوسط وفيما بينهم.

أخيرا نقول لو ان الانتخابات جرت قبل ذلك لكانت هزمت فتح بنفس الشيء او أكثر قليلا او اقل بعض الشيء. ولو ان حماس قدمت مرشحا تابعا لها او قريبا منها لمنافسة محمود عباس على كرسي الرئاسة لكانت هزمته وهزمت أي مرشح آخر لفتح أو لأي جماعة أخرى .. لكنها لم تفعل ذلك وهنا يجب ان يفكر المرء لماذا لم تقم حماس بترشيح شخص من صفوفها او منها للرئاسة؟ حماس لم تكن تريد ان تتبوأ أعلى المناصب ولا أن تتحمل مسئولية قيادة السلطة بالتزاماتها واتفاقاتها وارتباطاتها وما عليها من واجبات ومسئوليات. حركة حماس في انتخابات التشريعي التي جرت قبل أيام لم تكن تعتقد أنها ستفوز بالأكثرية الساحقة كما حصل، فقد كانت تعتقد أنها ستنال أكثرية مريحة لمقارعة فتح وممارسة الرقابة والضغوط على أي حكومة تشكلها الأخيرة. لكن حماس سحقت فتح وفصائل المنظمة والجدد في الساحة الفلسطينية وحازت على ثقة أكثرية الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ، وأصبح ملقى على عاتقها مسئولية قيادة الشعب والسلطة هناك. فكيف ستحل حماس تلك المعضلة؟ هنا يجب ان نتوقف وننتظر كي نرى براعة حماس في الخروج من الفخ الخطير وفي الصعود من وادي الانتخابات إلى الأعلى حيث العمل وتعقيداته ومطباته وحيث خطورة تحمل المسئوليات.