الأرشيف

«عاصفة الحزم» الإعلامي: بين الناطقين والصامتين

اسعد ابو خليل

صمت الزاعقون ونطق الصامتون في خضم هذه الحرب العدوانيّة على اليمن. الناصريّون والقوميّون العرب الذين يصدحون عادة من على المنابر والشاشات صمتوا عن عدوان دولة لها تاريخ عريق في التآمر ضد جمال عبد الناصر وفكره الوحدوي. والصامتون الذين لا يفتحون أفواههم إلا لماماً نطقوا وزعقوا في مناصرة عدوان طغاة الخليج. أشكّ ان الشعب اللبناني قد سمع صوت النائب الجنبلاطي المُموّل، نعمة طعمه، من قبل لكنه غرّد كالحسّون في الإعلام السعودي دعماً لعدوان آل سعود. وأكرم شهيّب الذي لا يسمح له «المعلّم» بالنطق في شؤون السياسة إلا مرّة أو مرتيْن في السنة، استفاض في إدانة عدوان «فارس».

و«منبر الوحدة الوطنيّة» القومي بقي صامتاً. وصحافي حريريّ (عرفنا من شهادته في المحكمة الدوليّة انه كان يقوم بدور ناقل الرسائل بين المخابرات السوريّة وبين رفيق الحريري السيادي) أعلن ان شيعة لبنان ما هم إلا «جالية إيران». إنها الحرب، إعلاميّاً.

من الصدف أن إعلان نهاية «عاصفة الحزم» وقع في يوم إعلان القائمة السنويّة لـ«لجنة الدفاع عن الصحافيّين» عن القمع والمراقبة الإعلاميّة في دول العالم، وحلّت فيها مملكة القهر السعوديّة في المرتبة الثالثة (من الأسفل)، ولم «يتقدّم» عليها في هذا المجال إلا كوريا الشماليّة وإريتريا. وإعلام آل سعود وآل ثاني (يتطرّف إعلام الأخير في مناصرة آل سعود لإثبات حسن النيّة بعد الفراق) يشنّ الحرب الإعلاميّة على أساس انها حرب بين ديمقراطيّين علمانيّين مناصرين للحريّات على جانب، وبين ظلاميّين مناصرين للنظام الإيراني الديني على الجانب الآخر. الأقلام الهادئة نسبيّاً تصبح متطرّفة وزاعقة في أيّام الحرب. عتاة المدافعين عن عقيدة اللاعنف (في ما يتعلّق فقط بالصراع مع العدوّ الإسرائيلي وبحق مقاومته) يصبحون فجأة من أصدح الأصوات في التهليل للعدوان على اليمن وفي الدعوة إلى مزيد من القنابل والصواريخ. وفي حمأة الحرب، لا تستطيع أن تميّز بين قلم غسّان شربل وقلم سمير عطالله. الطاعة والتنطح للتملّق هما سيّدا الموقف. ولا يتقدّم بوق دعائي خليجي على آخر إلا بدرجة التحريض الطائفي ــ المذهبي ودرجة العنصريّة. وإعلام آل سعود ينسّق حتماً مع إعلام العدوّ (لم تَدُر حرب عربيّة منذ عام 1948 إلا ودخلها العدوّ الإسرائيلي في صف الجانب الأكثر رجعيّة وتخلّفاً) بالإضافة إلى الوجود الدائم لمكتب الدعاية الأميركي الذي يُشرف على توجّهات إعلام النفط والغاز، ويقدّم ملاحظاته على الأداء حتى لا تكون محطّات الوكلاء المحليّين خارج الخط المرسوم بعناية صهيونيّة فائقة. كانت مصطلحات إعلام سعود وناطقها العسكري هي مصطلحات مَن مرّ من ناطقين في جيش العدوّ عبر السنوات: «العدوّ يختبئ بين المدنيّين»، «العدوّ يستعيد بدروع بشريّة»، «العدوّ يطلق النار من بين المنازل» (أي ان من يريد ان يقاوم العدوّ عليه ان يخرج إلى الصحراء المقفرة كي يسهل قصفه وقتله)، «العدوّ يقصف أماكن وجوده كي يلوم التحالف». كانت تلك الشعارات بالإضافة إلى المناشير التي ألقيت من الجوّ تبدو مُترجمة عن اللغة العبريّة الأم. لكن هذا لا يهم، لأن الحرب كانت بهدف الدفاع عن بيضة الدين، كما أوضح سلمان بن عبد العزيز.

لما كان حلفاء آل سعود في واشنطن وتل أبيب يرعيان العدوان الخليجي على اليمن، فإنه من الطبيعي ان تكتسي الحملة العسكريّة طبائع حروب وغزوات أميركا وإسرائيل. وبات معلوماً ان غزوات أميركا تترافق مع حملات دعائيّة مكثّفة من أجل تسويغ العدوان وبلغات مختلفة. ولهذه الغاية، قام النظام السعودي بتعيين ضابط عسكري يتحدّث بلغات ثلاث لا للتوجّه للشعوب العربيّة، بل لمخاطبة حكومات الغرب التي تمدّ آل سعود بالسلاح والعتاد والمباركة الدبلوماسيّة (من مفارقات الاشتراكيّة الفرنسيّة التي باتت تشبه اشتراكيّة وليد جنبلاط ان أقرب حليف إلى النظام السعودي في العالم يمتثّل في حكومة فرنسا الاشتراكيّة). هذا عدوان مُخطّط له منذ زمن، لكن تقدّم المفاوضات بين الحكومة الإيرانيّة والدول الستّ عزّز من وثوق التحالف بين آل سعود وبين العدوّ الإسرائيلي الذي يضمن، في حالات كهذه، المباركة الأميركيّة من الكونغرس وحتى من البيت الأبيض للتعويض عن السخط السعودي ــ الإسرائيلي.

والإعلام، كما لقّنت الحكومة الأميركيّة الدرس للحكومة السعوديّة في أشهر التحضير في حرب السيطرة على الخليج في عام 1990، جزء لا يتجزّأ من الحرب. جال يومها خالد بن سلطان في العالم يبتاع الصحف والمطبوعات العربيّة. في تلك السنة اقتنى خالد بن سلطان (الذي من المشكوك فيه انه يمكن له ان يكمل جملة واحدة من دون أخطاء برغم حمله شهادات لا يستحقّها على عادة أمراء وشيوخ النفط والغاز الذين يحظون بعناية خاصّة من جامعات وكليّات الغرب الطامعة بملايينهم) لنفسه جريدة «الحياة» الناطقة باسمه. قال عنه جهاد الخازن (الحيادي الذي نفى هذا الأسبوع إمكانيّة تحالف بين آل سعود والعدوّ الإسرائيلي بحكم معرفته بسلمان بن عبد العزيز) إنه العربي الوحيد الذي حقّق نصراً عسكريّاً منذ نصر حطّين.
وعام 1990 كان فيصلاًَ في التاريخ المعاصر للإعلام العربي. بعضنا كان يعرف مراسلين عرباً في واشنطن وكانوا معادين لأنظمة الخليج إلى ان وقعت لحظة ما، فتحوّل عدد من المراسلات والمراسلين من قوميّين عرب ويساريّين منهاضين لدول الخليج إلى أصدح الأصوات في الدفاع عن أنظمة الخليج. كانت لحظات لا تنسى حتى في العلاقات الشخصيّة في ما بيننا. وكانت وكالة «هيل ونولتون» للعلاقات العامّة هي التي تدبّر امر توزيع المراسلين والناطقين العرب على وسائل الإعلام الغربيّة، وتستكتب مَن تستكتب للدفاع عن استعانة دول الخليج بالحليف الأميركي (افتى السفير السعودي في لبنان في واحدة من مقابلاته الجوّالة – المجانيّة طبعاً – على وسائل الإعلام اللبنانيّة ان وحده الجيش اللبناني يقوم بمهام الدفاع عن الوطن، كما ان الجيش الأميركي هو وحده يقوم بمهام الدفاع عن الكويت والسعوديّة).

لكن الأصوات التي صدحت في دعم العدوان (بما فيها حلفاء حزب الله، مثل عبد الرحيم مراد الذي كان من قادة الاتحاد الاشتراكي العربي الناصري، إياك أن تنسى في لبنان) كانت مثل الأصوات التي تمنّعت عن إدانة العدوان من حيث خدماتها لآل سعود. لم يصرّح ضد العدوان من حلفاء حزب الله إلا الحزب السوري القومي الاجتماعي والتنظيم الشعبي الناصري. صمت الباقون، إما خوفاً (طائفيّاً) أو ردّاً لجميل غير أدبي. أما حركة «امل» فبقيت – مثل موقف السفير السعودي – على مسافة واحدة من أطراف النزاع، مع ميل لطرف على آخر.
لكن هناك من الناصريّين والقوميّين العرب من الذين هتفوا للعدوان. كان غريباً ان يطلع كلوفيس مقصود مثلاً بموقف مؤيّد للعدوان، وهو الذي يقول (لنا) إنه ترك منصبه في تمثيل الجامعة العربيّة في الأمم المتحدة بسبب خلافه مع مواقف دول الخليج آنذاك. وحاول كلوفيس ان يخرج بتخريجة «كلفسيّة» فربط بين العدوان وبين تحرير فلسطين. كيف ذلك، يا كلوفيس؟ تقصد ان الطائرات الخليجيّة ما إن تنتهي من مهمّة تدمير وقصف اليمن ستتوجّه فوراً نحو فلسطين المحتلّة لتحريرها من الصهاينة؟ هذه كانت عصيّة على الفهم. وهناك من جعل من العدوان تحقيقاً لأحلام القوميّة العربيّة، وفي هذا إهمال لحقائق التاريخ.

كان آل سعود دوماً من معارضي ومعرقلي كل أحلام وخطط الوحدة العربيّة والاندماج العربي، وهم عرقلوا حتى خطط الاندماج الخليجي ولم يفهموا من التعاون الخليجي إلا أمريْن: 1) الإشراف على التنسيق مع واشنطن في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة، 2) فرض سيطرة آل سعود على كل شبه الجزيرة. وفي تاريخ القوميّة العربية الحديث، كان آل سعود (وبتدبير مع الاستعمار البريطاني ثم الأميركي) يدفعون بهويّة إسلاميّة (رجعيّة) بديلة من الهويّة العربيّة العلمانيّة. ولم ينشئ الملك سعود والملك فيصل الهيئات والمؤتمرات الإسلاميّة إلا للتخريب على الدعوات الناصريّة للوحدة العربيّة والاندماج الاقتصادي. كما ان الوحدة الإسلاميّة كانت ملائمة لخطط الراعي الأميركي في تحريك غرائز الدين ضد العقيدة الشيوعيّة وضد كل أفكار التنوير.
ومتابعة تغطية إعلام النفط والغاز للعدوان الخليجي (المدعوم أميركيّاً وإسرائيليّاً بقوّة) على اليمن، يوحي ان أمراً صدر بمسابقة لتسجيل أفضل تسويغ وتسويق للعدوان بين الأبواق. وكعادتهم، يبرز الإعلاميّون والإعلاميّات في لبنان في المبارزة ويجهدون في إيجاد الذرائع والحجج في محاولة للفت الأنظار وتسجيل الأسماء. وينسى كل هؤلاء عندها في الردّ على أمر العمليّات الإعلامي الحربي ان كل حججهم ضد حزب الله والنظام الإيراني تنطلق من زعم ليبرالي ضد عقيدة حزب الله الدينيّة، ويتناطح في التهافت الليبرالي مع اليساري الذين يلتقون دوريّاً في مهرجان «الجنادريّة»، والذي يبرز فيه المُفكّر ما بعد الحداثوي، علي حرب، في أطروحاته عن التنوير الوهّابي. ولسان حال الليبرالي هنا هو ان عقيدة حزب الله تنفّره من منظور ليبرالي محض مع ان عقيدة الوهابيّة الحاكمة لا تشكّل تناقضاً ابداً مع الليبراليّة المزعومة على أساس ان العقيدة الحاكمة للملكة الوهابيّة ملؤها الليبراليّة (أو ان عليك ان تتجاهل التناقض المذكور، وتفترض ان وسائل إعلام النفط والغاز توالي حكومتيْ السويد والنروج، وما عليك إلا ان تُعجب بالحرص على عقيدة الليبراليّة مِن هؤلاء). ولا يختلف اليساري في وسائل الإعلام تلك عن الليبرالي: فهو يزعم انه لا يختلف مع عقيدة حزب الله و«انصار الله» إلا من منظور الفكر اليساري، على أساس ان العقيدة الحاكمة في مملكة الوهابيّة (أو في إمارتها) هي اليساريّة بعينها، أو أن الوهابيّة هي أعلى مراحل اليساريّة.

والتزاحم في الحرب الإعلاميّة كان حاشداً، إذ ان الكل كان يريد ان يلفتَ نظر الأمير أو الشيخ الراعي. واحد يقول إن العدوان هو ضروري وذلك من أجل نشر فكر «المدنيّة» لأن عبد هادي منصور هو المدنيّة الفاضلة. آخر يربط بين العدوان وحق تقرير المصير، فيما يشدّد آخر على انه لا يدعم العدوان إلا من باب «الأمن القومي العربي» الذي خرقه الحوثيّون البرابرة. وهناك من يرجع إلى التاريخ ليحذّر من مؤامرات الفرس ضد العرب، ويستشهد بأقوال الصحابة. لكن العودة للتاريخ الإسلامي وإسقاطه على الحاضر عمليّة محفوفة بالمخاطر من الناحية المنطقيّة: إذا كانت إيران تمثّل الفرس في التاريخ العربي ــ الإسلامي وإذا كان العداء ضدّها موروث حضاري، فكيف نصنّف التحالف بين طغاة الخليج والحكومات الغربيّة؟ هل نقول ان هؤلاء أدوات ووكلاء للفرنجة مثلاً؟ أم ان الإسقاطات التاريخيّة لا تجوز إلا في حالة التحريض ضد إيران والشيعة؟ وهناك واحد أفتى بأن العدوان الخليجي ضرورة من ضرورات التنوير. لكن هناك ما كان أظرف: واحد قال إن العدوان الخليجي على اليمن هو ضرورة من ضرورات الأمن العالمي لأن الحوثيّين طردوا اليهود من صعدة. هل هذا يعني ان أنظمة العدوان هي حامية للأقليّات في دولها وحول العالم؟ ولماذا يكون الاضهاد ضد اليهود في صعدة ذريعة وحجّة للعدوان، ولا يكون اضطهاد شعب فلسطين على مدى قرن من الزمن حجّة وذريعة للردّ العربي؟ وأكثر المتحمّسين للعدوان من بين الكتّاب كانوا هؤلاء الذين كان يندّدون بأي عمل عنفي ضد العدوان الإسرائيلي. هؤلاء الذين أفتوا بـ «اللاعنف» توضّحت عقيدتهم. هم مع اللاعنف فقط ضد العدو الإسرائيلي، ومعه إذا كان ضدّ أعداء العدوّ الإسرائيلي.

وهناك من يريد ان يخلق ذرائع وإن واهية لتفسير موقفه المؤيّد للعدوان من منظور متنوّر، فيذكّر ان الحركة «الحوثيّة» ليست حركة تنويريّة، وهي حتماً ليست كذلك. لكن، هل ان الموقف المقابل هو تنويري؟ وما علاقة ذاك بذلك؟ إن الحكم على الحركة «الحوثيّة» يجب ان يكون خارج السياق في الحكم على العدوان على اليمن. هذا العدوان كان حرباً عشوائيّة على الشعب اليمني بصرف النظر عن حكم المرء على «الحوثيّين». هذه كأن يستنكف المرء عن إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة لأن حركة «حماس» لا تعجبه. في هذه الحالة، يكون المُستنكف متحالف ضمنيّاً (أو جهاراً) مع العدوان.

وكان هناك سعي ملحوظ في إعلام آل سعود لإيجاد وسائل فعّالة في الردّ على دعاية الأعداء. وكان نجم إعلام آل سعود بلا منازع مذيع من محطة آل الحريري في لبنان. وفي هذه المناسبات يجهد اللبنانيّون واللبنانيّات في إعلام آل سعود للفت نظر الأمير. لعلّ واحدهم يحظى بالعطايا الذي حظي بها «كبار» الأبواق في آل سعود. والشتائم تصبح بلاغة في عرف الإعلام، مثلما أن هتاف «تضرب، تضرب يا بشّار» تحوّل في النقد الأدبي الحريري إلى أعظم قصيدة هجاء في الأدب العربي، فإن وصف «حسن زميّرة» بات ذروة الأدب الرفيع والنقد اللمّاح. والحماسة اللبنانية الـ14 آذارية (اللبناني والسوري) لها ما يبرّرها. كان هؤلاء ينتظرون ان تنتقل طائرات طغاة الخليج من اليمن (بعد تحريره وتنصيب الثائر المجاهد، عبد ربّه منصور هادي رئيساً) إلى سوريا ولبنان لتحريرهما على امل نشر النظام السعودي التحريري المُتحرّر على كل أرجاء العالم العربي. وهناك بين أبواق تلك الشلّة مَن حكم ان الحرب على اليمن كانت جزءاً لا يتجزّأ من «الربيع العربي» وأنها عبّرت عن طموحات الشعب العربي في التحرّر. يوحي هؤلاء ان حكم آل سعود هو الأمل المنشود متناسين ان زين العابدين بن علي ضيف مُكرّم في الرياض، كما كان قبله عيدي أمين وجعفر النميري (عرض النظام السعودي على حسني مبارك استضافته في المملكة بترتيب مع الإخوان والسيسي من بعده لكنه رفض) ضيوفاً مكرّمين. وأحمد الجربا (زعيم الجناح السعودي في «الثورة السوريّة»، وهو غير الجناح القطري والتركي فيها) كان على وشك ان يحتلّ العرش السوري بفعل القصف الجويّ، كما احتلّ (أو كاد) منصور هادي العرش اليمني.

ويُحافظ إعلام النفط والغاز على درجة عالية من التكرار، وهي الدعاية السياسيّة عينها بتعريف غوبلز. فالمقالات ليست إلا تكراراً مُكرّراً وبالمصطلحات والكليشيهات والعبارات نفسها. وفي مراحل الحرب، تضيق مساحة التعبير المتاحة في إعلام النفط والغاز، وهي ضيّقة أصلاً. هذا هو سبب تكرار التكرار في الإعلام في التغطية للعدوان. ولا ضرر في الولاء الطاعة ان يناقض المرء نفسه على مدى أسابيع وأيّام. جمال خاشقجي (الذي لا يزال ينتظر أمر السماح له بإطلاق محطة تلفزيونية لأمير سعودي آخر) قال عن اليمن قبل العدوان: «دعوة البعض للجهاد ضد الحوثيّين تحريض مقيت وجهل بأحوال اليمن وأهله الصابرين فوق برميل بارود. اليمن بحاجة للتهدئة وتقديم السياسة على الحرب». اما بعد «عاصفة الحزم» فقد غرّد بالآتي: «هذه بلادي التي أعرفها. هذا هو الحزب الذي ينقذ المنطقة، اليوم اليمن وغداً سوريا ومن بعدها سلم ورخاء في مشرق عربي جديد» (مُلفت ان فلسطين لا ترد في القائمة، ان مفهوم الرخاء والسلم في المشرق يتضمّن حكماً، بمعيار آل سعود، ديمومة دولة العدوّ الإسرائيلي). أما زميله في إعلام أمراء آل سعود، طارق الحميّد، فقد كتب في جريدة سلمان بن عبد العزيز وأولاده، «الشرق الأوسط»، قبل العدوان في 24 آذار 2015 ما يلي: «ولذا الحقيقة أنه من الخطأ التورّط عسكريّاً في اليمن، فتلك حرب استنزاف يجب ان تغرق فيها إيران، وليس الخليج». وبعد أيام فقط، في 29 آذار 2015، كتب في الصحيفة نفسها: «ولذا فإن عمليّة عاصفة الحزم هذه ليست إنقاذاً لليمن فحسب، بل هي إنقاذ غير مسبوق للمنطقة ككلّ، وبقيادة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي دشّن مرحلة جديدة بمنقطتنا عنوانها ان بمقدور دول المنطقة التصدّي لمن يستهدف أمنها» (طبعاً باستثناء دولة العدوّ الإسرائيلي التي لا تستهدف أمن العرب، وهي تجلس بينهم كالحمل الوديع، نائمة على ترسانة من الأسلحة النوويّة والبيولوجيّة والكيميائيّة). التناقض وتبديل المواقف من سمات تأثير المال، ويُسأل في ذلك وليد جنبلاط (يتحمّل حزب الله مسؤوليّة عن هذه الظاهرة المرضيّة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة بحكم انتشاله لجنبلاط كلّما وقع في الحضيض).

لم يعد للشعب اليمني ثمن أو قيمة في تغطية إعلام دول النفط والغاز. كل الشعب اليمني تحوّل فجأة إلى «حوثيّين» وإلى عائلة علي عبد الله صالح: هذه جريدة «الحياة» تعنون في آخر أيّام العدوان على صفحتها الأولى: «إصابة منزل نجل صالح في قصف مخازن صواريخ سكود»، لكن ورد هذا التفصيل في الخبر: «وأكّدت مصادر طبيّة لـ«الحياة» أن 50 شخصاً على الأقلّ قُتلوا جراء شظايا الإنفجار وأصيب حوالى 360 آخرين معظمهم من المدنيّين في حصيلة أوليّة لعدد الضحايا». أي ان قتل 50 يمنياً مُبرّر إذا كانت هناك إصابة لمنزل إبن علي عبد الله صالح.
وقد استفاق الإعلام على فساد علي عبد الصالح كأنه لم يكن صنيعة لدول الخليج. ولو كان صالح قد استطاع ان يراكم المليارات (مع أن الأرقام المُتداولة مُبالغ بها إذ انها تفوق ثروات كبار أمراء آل سعود الذين موّلوا صالح والقبائل المتحالفة مع حكمه عبر السنوات) فهذا بفضل «التحالف»، لا بفضل ربّه. وعبد ربّه منصور هادي يصلح لدور قائد «الثورة» مثلما يصلح الجربا أو غليون لقيادة «ثورة» سوريا.

سارع عدد من الأطراف العربيّة لمراضاة آل سعود. بين ليلة وضحاها تغيّرت الوجهة السياسيّة لمحطة «الجديد»، لا وأرادت من المشاهدين والمشاهدات ألا يلاحظوا تغيّرها. لا، بل أنها استشرست في وجه من لاحظ هذا التغيير المفاجئ المبني – كالعادة – عن طول تفكير وتأمّل في حالة كل من يتقلّب في المواقف تقرّباً من آل سعود. والإخوان المسلمون، الذين تعوّدوا على معاملة العبيد من أنظمة الخليج، لا يفوّتون فرصة للتقرّب من تلك الأنظمة حتى بعد وصمهم بالإرهاب وإعلان الحرب عليهم. والجناح اللبناني في الإخوان زاد في محاولة التقرّب وساهم في ضخ الفتنة محمّلاً (بلسان نائبه في مجلس النوّاب) حزب الله المسؤوليّة الكاملة عن نقل الحجر الأسود من قبل القرامطة خارج مكّة.

هذه مرحلة جديدة في العلاقات العربيّة الحربيّة، وسيصاحبها تدنّي جديد في مستوى الدعاية السياسيّة المُتسربلة برداء الإعلام (الحربي). سيكون دور الإعلام التبعئة والتحشيد والإعداد للحروب، ثم تسويقها وتسويغها بمجرّد ان تنطلق المدافع. بمعنى آخر: قد نرى عوني الكعكي وسمير عطالله وراجح الخوري بثياب الميدان المرقّطة. مَن سيجلب لي بعضاً من الترمس؟

* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:angryarab.blogspot.com)

الاخبار اللبنانية

اترك تعليقاً