وقفة عز

عرب الذل

 نضال حمد

هل العرب فعلا مع السلام أم أنهم مع الذل ويخضعون للإبتزاز والإذلال؟

هل أصبحت القمم العربية تعقد لتنفيس الغضب الجماهيري؟

هل أصبحت المشاركة في إجتماع القمة مرهونة بالشروط الأمريكية و(الأسرائيلية) كما سمعنا من شارون وتشيني في مؤتمرهما الصحفي المشترك.؟

 كلاهما شرط على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورهن حضوره لقمة بيروت القادمة بالموافقة على مطالبهما الواحدة الموحدة.

المطلوب من عرفات أن يكون في القمة كشاهد زور أو حاضر غائب… كما مطلوب منه أن لايتكلم بلسان شعبه وأن لا يتحدث بالعربية بل بالعبرية الأمريكية … هذا إن صح التعبير.

أي قمم هذه يا زعماء العالم العربي؟

إن كل ما نراه يؤكد العجز العربي المشترك كما يؤكد أن العالم في واد ونحن العرب في واد آخر. فهناك منا من لازالوا يعيشون في زمن اليرموك والقادسية وأخرون لازالوا يعيشون في زمن الدناصير المنقرضة.

 فهم تارة يتسولون وأخرى يتوسلون أمريكا ويستجدونها…

كل ذلك من أجل تعميم نظرية العجز العربي الجماعي وترسيخها في عقول الذين لازالوا يحافظون على سلامة عقولهم وتفكيرهم في الوطن العربي الكبير. هذا الوطن الحاضر وقيادته الغائبة. الغائب الحاضر في أوقات تشهد فيها الحياة ويشهد العالم تقلبات وتحولات قد تغير وجهة الحياة ومسار العالم.

كيف نحافظ على الجامعة العربية لتبقى جامعة للعرب؟  وكيف نضمن عدم تحولها إلى مزبلة ومكب نفايات لأوساخ الأنظمة العربية؟…  تلك الأنظمة التي تفتقد لمقومات البناء الديمقراطي وتبني مؤسساتها بناءً على المحسوبية والتبعية والعشائرية والعسكريتاريا. وعلى  حجم المشاركة في الأنقلاب العسكري أو البوليسي، كما حصل في بعض الدول العربية العتيدة. وكذلك من خلال نوعية ومدى التفاني والأخلاص في قمع الشعوب وتغييبها عن ساحات وأماكن اتخاذ القرارات.

عندما تأسست الجامعة العربية كان بود شعوبها وبعض من القادة العرب أن يكون لها مستقبل زاهر ومكانة مرموقة في العالم. حيث أن العالم مبني على نظام المجموعات وقائم على التجمعات الأقليمية والمحورية. بغض النظر عن القومية والدين. فكيف الحال مع دولنا العربية وهي بالأساس لم تكن سوى دولة واحدة، وفي قديم الزمان دولة عظمى، أو من أعظم الدول التي وجدت في مرحلة من مراحل تطور العالم وأزدهاره.

هذه البلدان هي بالأصل ألوية أو أقضية أو مناطق من الدولة العربية الواحدة والكبرى لكن تم تقسيمها إلى دويلات وممالك وإمارات ومشيخات وجمهوريات وجماهيريات وسلطنة واحدة . إضافة لبعضها الذي تم سلخه عنها وضمه لبلدان مجاورة أو إحتلاله وأستيطانه, مثلما الحال في فلسطين وفي سيبتة ومليلة والأسكندرون والجولان وعربستان وغيرها من مناطق وبلاد العرب المسلوبة.

هل كان هدف مؤسسي الجامعة العربية أن تكون فعلا جامعة لكل العرب وحاضنة لهم جميعا وضمانة لقوتهم ووحدتهم؟.

فاليوم الجامعة لم تعد جامعة، والقواسم المشتركة صارت متفرقة، والعضوية لم تعد عمليا تلزم العضو بالتمسك بموقف الجامعة الجامع بل اصبحت الجامعة نفسها تسمح لبعض الأعضاء بحرية العمل ولو خالفت تلك الأعمال الأجماع. كما في موضوع العلاقات التجارية والدبلوماسية وغيرها مع كيان العدو (اسرائيل) قبيل السلام الشامل والعادل أو سلام الشجعان بحسب عرفات … فحتى في أيام الأبادة والتدمير والقتل الجماعي وسياسة التطهير العرقي الجارية في فلسطين المحتلة هناك من يتفلسف ويقول أن في علاقاته مع الكيان الصهيوني مصلحة للفلسطينيين. وهذا المتفلسف يعتبر نفسه بل أكثر من ذلك هو نصب نفسه وسيطا أو ساعي بريد لنقل الرسائل (الأسرائيلية) العلانيّة والسريّة للجانب الفلسطيني، الذي بدوره لم يتعاطى مع الساعي البريدي وتلك المهمة بجدية، مما جعل سعاة أخرون أقل وأكبر حجما يمارسون نفس المهمة ونفس المهنة المبتذلة. ويبدو أن السلطة الفلسطينية هي من يريد التطبيع العربي مع الصهاينة لكي لا تبقى وحدها في وحل الاستسلام والهزيمة والذل.

الميثاق العربي المشترك يؤكد بأن الوطن العربي جسد واحد في حال تعرض عضو منه للخطر أو المرض. فأنعكاسات  تلك العوارض ستكون على باقي أعضاء الجسد. لذا فأن واجب الجسد بكافة أعضاءه الدفاع عن النفس، ومقاومة المرض والوباء ورد الخطر، والعمل على سلامة الجسد وضمان صحته وحيويته وحقنه بالمقويات والمنشطات للتأكد من ديمومته.

لكن هذا الجسد للأسف تلقى سيل من الضربات ووابل من اللطمات جعله يقف مكانه وهو عاجز عن التقدم الى الأمام ومواكبة تطورات الحياة. فحتى الطب العربي القديم مثل الكيّ بالنار أو المعالجة بالأعشاب لم تنفع مع الجسم العربي الذي بترت أعضاء كثيرة منه. وهناك أخرى مرشحة للبتر أيضا.

 لجامعة العربية تفتقر للقيادة الحكيمة وللمؤسسات السليمة فحال الجامعة كحال الجماعة ومن حالهم، كل يوم الى الخلف وكل تقدم في العالم تقابله الجامعة بتنازل وبمواقف عاجزة ويائسة وبائسة. حتى وأن تم اتخاذ مواقف قوية تبقى حبرا على ورق ولا يتم تطبيقها ولا حتى تطبيق أجزاء منها. نحن امام واقع حال عربي مزري، مؤسف، محزن، مؤلم ومأساوي. أمامنا مشاكل عظيمة تواجه عالمنا العربي ونحن عاجزون عن حل أي من تلك المشاكل. حتى سياسة التسول التي أصبحت علانية ولم تعد مستترة أو خافية على أحد لم تسعف حكام العرب وزعماء الدول المهترئة والمستزلمة. فكرامة الرجال من كرامة الأمة وكرامة الأمة من شهامة وكرامة رجالها. أما أمتنا التي لطالما إعتزت برجالاتها وحكماءها وأبطالها هي اليوم حزينة على غيابهم وقلتهم وفقدانهم.

مخطئ من يظن ان قمة بيروت سوف تخرج بقرارات تصب في مصلحة الأمة وتخدم الأنتفاضة في فلسطين أو تساعد الشعب العراقي المحاصر بالجوع والظلام والأساطيل الجوية والبحرية والبرية الأمريكية والبريطانية. فطاعة أمريكا من عادة حكامنا وهذه المرة لن تكون القمة شاذة بل ستعمل لما فيه رضا السيدة أمريكا وأبنتها (اسرائيل).

هذه القمة سوف تعقد لتخرج بتبني مبادرة ولي العهد السعودي والتي تبقى ناقصة طالما لم تشمل حق العودة للاجئين الفلسطينيين. والمشاركة الفلسطينية فيها ممثلة بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تبقى رهن تنفيذ الجانب الفلسطيني الأمين لخطة تينيت. وهذه الخطة ببساطة تعني دفن الأنتفاضة وأعتقال المناضلين والمجاهدين الفلسطينيين ومحاكمتهم في محاكم عسكرية تشرف عليها لجان مشتركة أمريكية (اسرائيلية) وفلسطينية. كذلك مصادرة الأسلحة التي تستخدم في مواجهة ومجابهة وضرب الجنود المحتلين والمستوطنين الأرهابيين. ووقف ما تسميه (اسرائيل) التحريض ضدها ومن ثم استئناف التنسيق الأمني سيئ الذكر والصيت والسمعة. والذي لم يجلب لشعبنا ومناضليه سوى وجع الرأس ووضع البيت الفلسطيني في حالة حرب أهلية غير معلنة ومؤجلة حتى إشعار آخر.

ان الواجب الوطني والأخلاقي والسيادي يقول بعدم مشاركة أبوعمار في قمة بيروت بحسب لاءات وشروط شارون وتشيني. فالرئيس الفلسطيني إذا أراد أن يكون رئيسا فعليا لكل الفلسطينيين مطلوب منه أن يلتزم برأي الشعب الفلسطيني في المشاركة، وفي كيفية المشاركة وماهية الخطاب السياسي الذي سيلقيه هناك على مسامع القادة العرب والجماهير العربية. وعلى الجهة الأخرى يجب على الفصائل الفلسطينية جميعا تنسيق عملها بما يعود بالفائدة الجماعية والوطنية للشعب الفلسطيني. وبما يجنبنا مواجهات فلسطينية – فلسطينية نحن في غنى عنها ولسنا بحاجة لها البتة.

 

 

 

 

عرب الذل

بقلم : نضال حمد

20-03-2002