وقفة عز

فيسبوكيات نضالية صفصافية

بقلم نضال حمد :

من ذكرياتي في ايطاليا 1983، رحلة العودة من العلاج .. في وداع بولونيا وايطاليا ..

غدا يا بولونيا يوم الوداع، اودعك عائدا منتصب القامة ومرفوع الهامة، وفي الشام ملتقانا يا رفاق.

في مخيم اليرموك حيث يتجمع الذين رحلوا عن صبرا وشاتيلا وعين الحلوة وبرج البراجنة وبيروت.

اشهر يا مدينة احببتها مرت من عمري كبرت فيها وتعلمت كيف اعود امشي من جديد …

جئت اليك من زمن الذبح والتعب والنحر والحرب، وها أنا اعود منك الى عروبتي، اكثر حيوية وشوقا للقاء المخيمات.

في بولونيا كان لي مع كل يوم جديد ومع كل طلعة فجر جديدة واشراقة شمس ايطالية حكاية جديدة.

وكانت الجراح تبرأ بسرعة، والآلام تذهب بلا عودة ..

ولكن جرح صبرا وشاتيلا لا يبرأ ولا يذهب.

غدا يا مدينة عشقتها يوم الوداع، يوم عودتي الى الشرق من جديد ..

لن انساك ولن اتخلى عن أمنيتي بالعودة اليك ..

سأحمل سلامك وتحيتك لبيروت ولصبرا وشاتيلا

سأحمل ذكرياتي ويومياتي على ازقتك وفي مشافيك وبين حدائقك وفي ميادينك، ومع سكانك الطيبين، وسأرويها حكايات عنك لأهل فلسطين.

* مقطع من نص كتبته يوم 7-10-1983 في وداع ايطاليا ومدينة بولونيا.

** لا أعرف لماذا انتابتني اليوم قشعريرة وموجة حنين لايطاليا التي احب.

*** الصورة من ميدان مدينة بولونيا سنة 1983 مع الصديقين اللبنانيين الراحل جميل كنج وبشير كبي.

****

في بيروت مثل هذه الايام من سنة الحصار 1982 كنا في العاصمة المحاصرة نتمتع بمعنويات عالية جدا.

وكان الواحد منا يحمل روحه على راحته ويمضي الى خطوط المواجهة. وكانت العاصمة كلها خط مواجهة.

يسقط الشهيد فيتبعه رفيقه في الشهادة، تتحول الجثامين الى متاريس وقنابل، يرتد الاعداء تاركين خلفهم حطامهم وعتادهم. يتألق الفدائي في صموده وعنفوانه، يستمد قوته من جماهير العاصمة ومخيماتها، يواصل دفاعه عن شرف امة ماعادت تأبه بشرفها.

يتدخل الحكام عند مبعوث امريكا اللبناني الأصل فيليب حبيب ليفرج عن مياه الشرب وبعض الحليب للاطفال وعن بعض الادوية للمصابين. وفي الحقيقة كان الحكام العرب متآمرون علينا وعلى بيروت وفلسطين، تماما كما عادوا وتآمروا على مقاومة شعب لبنان في عدوان تموز 2006 . الخيانة في دمائهم، الخيانة عنوان جامعة عربية لا تجمع سوى ابواق امركيا والكيان الصهيوني.

الشهيد الفنان ناجي العلي يدخل بيروت المحاصرة قادما من مخيم عين الحلوة الشهيد. يواصل معركته من قلب الحصار ولا يفر او يهرب كما فعل جنرالات النفاق والعار.

المثقف والاسير المحرر والاعلامي سمير درويش يستشهد في غارة الطيران الصهيوني على المدينة الرياضية في بيروت.

الاعلامية اللبنانية – الفلسطينية – ابنة جنوب لبنان نعم فارس تستشهد على خطوط المواجهة اثناء ممارسة عملها الميداني الاعلامي.

الشاعر اللبناني خليل حاوي ينتحر في بيروت احتجاجا على الصمت العربي والتخاذل العالمي.

الشاعر الشهيد على فودة يستشهد في عين المريسة وهو يوزع جريدة الرصيف ورشاشه على كتفه. اذكر كيف اتت به جريحا سيارة اسعاف الى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت في مثل هذه الأيام. كافح علي المتمرد حتى الرمق الأخير ثم استشهد متأثرا بجراحه بعد ايام.

اذكر كل شيء ولن انسى بيروت وصمودها واهلها وابطالها فلسطينيين ولبنانيين وعرب وأمميين. فدائيون ناضلوا وكافحوا لاجل فلسطين ومن اجل وطن عربي ديمقراطي حر وسيد وسعيد.

تم نعي علي شهيدا ولم يكن استشهد بعد بل كان في العناية الفائقة. انا شخصيا رايته عندما انزلوه من الاسعاف في الجامعة الامريكية ولكني لم أعرف أنه علي كان مدرجا بالدماء وبالغبار. كنت يومها ازور احد رفاقي الجرحى في مستشفى الجامعة. بقي علي حيا في العناية 3 او 4 ايام ثم استشهد فأعيد نعيه من جديد

****

اليوم الثاني من أب اغسطس ذكرى رحيل الاديب والسياسي والمثقف الفلسطيني الكبير شفيق الحوت.

في مثل هذا اليوم عاد العاشق الى معشوقته، عاد الى يافا التي وهبها عمره كله.

رحل ابو الهادر وهو متمسك برفضه لاوسلو ومشتقاتها: وسوف يسجل له التاريخ وقوفه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في وجه الرئيس الراحل ياسر عرفات واعلانه موقفه الصارم والحازم الرافض للمفاوضات. وكذلك التزامه المبدئي بحقي العودة والمقاومة. وبقاؤه الى جانب شعبه ومخيمات شعبه في لبنان حتى رحيله عن عالمنا.

آخر مرة التقيت فيها ابو الهادر كانت في بيروت على هامش مؤتمر حق العودة ( ايار مايو 2007 ) الذي ترأسه وكان من المبادرين له، وقد تشرفت باهدائه لي كتاب مذكراته ( من يافا بدأ المشوار بين الوطن والمنفى). اقتطف من الكتاب التالي :

” لا تزال يافا ملء نفسي وذاكرتي ، وما من مرة ألتقي فيها واحداّ من أصدقائي

القدامى إلا نبادر إلى سباق في الذاكرة عن اسم هذا الشارع ، أو ذاك المنتدى، وما

أكثر ما كنا نصاب بالدهشة عندما نكتشف أننا لا نزال نتذكر من معالم المدينة ما

كان لا يهمنا أو يثير اهتمامنا يوم كنا نقيم المدينة الحبيبة , مثل لون بناية الذات ,

أو اسم بائع متجول لـ ” النمورة ” , أو تخشيبة بائع ” بطيخ ” .!

في ذكراك نقول لك اننا سنواصل المشوار حتى العودة الى حيث بدأ في يافا وعكا وحيفا وصفد وطبريا وكل فلسطين الكاملة.

نضال حمد  – اوسلو – 2-8-2015

اترك تعليقاً