الأرشيفصهيونيات

قصاصة الورق المنسية التي كتبها رابين عن عرفات بعد اتفاق أوسلو؟

ماذا وراء البطاقة المنسية التي كتبها رابين عن عرفات بعد اتفاق أوسلو؟

حدث هذا في خريف 1993 بعد بضعة أسابيع من حفل التوقيع على اتفاقات أوسلو في البيت الأبيض والمصافحة التاريخية بين رئيس حكومة “إسرائيل” إسحق رابين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التي بشرت بـ “سلام الشجعان”. رابين الذي شغل أيضاً منصب وزير الدفاع ذهب لزيارة وحدة المستعربين “شمشون”، التي عملت في قطاع غزة، وهناك أجرى المقاتلون أمامه تمريناً، وبعد انتهائه جلس مع الضباط الكبار في القطاع للتشاور. وعندما ذهبوا في طريقهم تقدم الرقيب الأول في الوحدة من قائد وحدة شمشون، طل شاؤول، وأعطاه قصاصة من صحيفة نُسيت في غرفة الاجتماعات، كان مكتوباً عليها عدة أسطر بخط اليد.

شاؤول المعروف لدى الجمهور كشخصية “رامبو” في فيلم “عملية الجدة” الذي أنتجه شقيقه درور، نظر في الورقة واكتشف قنبلة. وهاكم ما كتب فيها: “قلت لديختر بأنه منذ مصافحتي لعرفات وأنا لا أتجرأ على حك مؤخرتي”. لم يكن هناك شك في هوية الكاتب. أحد الحضور في القاعدة التقى عرفات- رئيس الحكومة. ما العمل؟ اتصل شاؤول مع آفي ديختر الذي كان في حينه رئيس المنطقة الجنوبية في الشاباك وأبلغه عن الرسالة المكتوبة بخط رابين. عرف ديختر المغزى. “اتفاق السلام كله على كتفيك الآن”، قال للضابط الذي عرفه جيداً من العمليات المشتركة في قطاع غزة، “عليك أن تتلف هذه البطاقة، وإذا تم تسريبها سينهار اتفاق السلام”. امتثل له شاؤول وأحرق البطاقة. وفقد التوثيق التاريخي لأفكار رابين عن شريكه في عملية السلام إلى الأبد. انتقل ديختر منذ ذلك الحين إلى جانب بنيامين نتنياهو، وربما يندم اليوم على تفويت فرصة تدمير اتفاق أوسلو من البداية.

يعتبر رابين الآن يسارياً كان متحمساً للتنازل عن المناطق وإقامة دولة فلسطينية على أنقاض المستوطنات وحلم أرض “إسرائيل” الكاملة. هذه الصورة تخدم الطرفين السياسيين: اليسار الذي يحتاج إلى بطل، واليمين الذي يحتاج إلى خائن، ولكن هذا هراء. لقد سعى رابين إلى تعزيز مكانة “إسرائيل” الدولية بمساعدة صديقه رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون وطور تحالفاً مع الأنظمة “المعتدلة” في المنطقة، مصر والأردن والمغرب وتونس وعُمان وقطر وتركيا قبل أردوغان، كقوة موازنة لزيادة قوة إيران. ولكنه كان بخيلاً في إعادة المناطق، وخشي من الاتفاق مع سوريا الذي كان سيضع جنود الأسد على شاطئ بحيرة طبرية. تقدم ببطء مع الفلسطينيين (“لا توجد تواريخ مقدسة”)، وفضل إعطاء عرفات بادرة حسن نية رمزية مثل صفة “الرئيس” وشرطي على جسر اللنبي بدلاً من مساحة جغرافية كبيرة أو تجميد وإخلاء المستوطنات – التي كبرت في عهده.

في إحدى المرات سنح لي مشاهدة لقاء بين رابين وعرفات، أنا وصديقي أودي سيغل (الذي كان في حينه في “صوت الجيش” والآن هو في “ريشت 13”). حصل الاثنان على جائزة ما في إسبانيا ووقفا في نهاية الاحتفال من أجل محادثة سياسية. كانت الحماية خفيفة كما هي العادة قبل قتل رابين، واستطعنا مشاهدة ما يحدث من وراء ستارة خفيفة. جلس رئيس حكومة “إسرائيل” يحمل سيجارة وكأس ويسكي في يده، وجلس أمامه زعيم الشعب الفلسطيني. تحدث رابين، وعرفات كان يكتب ويكتب في كراسة. وقد كنا نمزح، أن رابين قال له “الآن اكتب مئة مرة: سأحارب الإرهاب، بدون أخطاء”. أوراق عرفات لا يعرف مصيرها ومن غير الواضح ماذا كتب هناك. ولكن رابين لم يظهر صداقة أو أخوة تجاهه، وتعامل معه بتشكك حتى يومه الأخير. وقد شعر بصورة أكثر راحة مع الملك حسين، ملك الأردن، ومع الرئيس المصري حسني مبارك.

الاتفاقات التي وقع عليها نتنياهو مع الإمارات والبحرين تعكس إرث رابين أكثر بكثير من فك ارتباط أريئيل شارون مع غزة. ها هي دول عربية تقبل ب”إسرائيل” كجارة مرغوبة وتعمل لصالحها في واشنطن، لا يجب على أي ذرة من الأرض أو أي مستوطن التحرك من مكانهما مقابل ذلك، وحصل الفلسطينيون على تشدق تافه. بالضبط مثلما في جولات رابين المنسية إلى ملك المغرب أو إلى المؤتمرات الاقتصادية الإقليمية التي بادر إليها شمعون بيرس في كازبلانكا وعمان.عقد المؤتمر الأخير قبل أربعة أيام من قتل رابين؛ وقد استغرق الأمر 25 سنة لكي تعود “إسرائيل” إلى المسار الذي تم قطعه يغئال عمير برصاص مسدس في حينه.

بقلم: ألوف بن

 هآرتس 30/10/2020

القدس العربي