وقفة عز

كلام صادم – نضال حمد

 

قبل نهاية العام المنصرم 2017 بأيام قليلة كنت أجلس في مطعم الصديق الفلسطيني منصور عزام الواقع على شارع زينون اليه أو ما يعرف في برلين بشارع العرب، لتناول طعام الغذاء.

 كنت أجلس لوحدي على الطاولة التي تتسع لأربع أشخاص حين جاء شاب وصبية عرفت من مظهرهما أنهما عربيان. وكانا يبحثان عن مكان للجلوس وتناول الطعام، ولم يكن هناك أمكنة فارغة في المطعم سوى على طاولتي فدعوتهما للجلوس معي.

بعد دقائق وكلام سريع قالا أنهما من الساحل السوري وتحديدا من اللاذقية. بعد أن تعارفنا وعرّفت عن نفسي بأنني من فلسطين وأعمل في مجال الكتابة والاعلام. فتحنا موضوع سوريا وما يجري فيها منذ سنوات.

أثناء الحديث لاحظت أن الفتاة أكثر ذكاءا وحذرا ودبلوماسية في حديثها من الشاب الذي يرافقها ولا أدري أهو زوجها أم خطيبها أم صديقها أم قريبها.

كانت تحدثني عن أحوال سوريا وتحاول تبرير ما يسمى الثورة في بلادها وحتى تبرير تدخل كل الأطراف الى جانب (ثوار الربيع العربي) في بلدها سوريا. وتقول ان النظام هو من صنع داعش واطلق سراح المجرمين من اللصوص مثل علوش جيش الإسلام في دوما ليصنع الجماعات الإرهابية في سوريا ومثل داعش أيضاً. وأن النظام كذلك هو من أحضر الى البلد روسيا وايران والميليشيات (الشيعية)، تقصد حزب الله وغيره من الجماعات التي تقاتل الى جانب النظام.

قلت لها ان (الثوار) أحضروا كل أعداء العروبة والإسلام الى سوريا من داعش حتى الكيان الصهيوني. وليس صحيحا ان النظام هو من أسس داعش وأن هذه نكتة ثقيلة. وأنها لحسن حظها وصلت الى ألمانيا فلو كانت و(كمسيحية) تحت حكم داعش لذاقت الأمرين.

 هنا قاطعتني وقالت انها ليست مسيحية.

قلت لها هذا أصعب… لأنها ستعتبر مسلمة عاصية خاصة انها لا ترتدي لباساً شرعياً ولا تضع حجاباً على رأسها يغطي شعرها ووجهها. فهذه الأمور من بديهيات حكم داعش وأخواتها في المناطق التي يسيطرون عليها ويحتلونها في سوريا.

تدخل الشاب في الحوار بعد صمت طويل وترقب حيث أنه لم يكن يتدخل كثيراً في الحوار الدائر، لا اعرف لماذا أهو بسبب جوعه وانشغاله بتناول الطعام أو أنه كان يجمع أفكاره. على كل حال تدخل حين سألتهما عن رأيهما بالمساعدات  الصهيونية للمعارضين في الجولان وجنوب سوريا.

قال لي بدون مقدمات: أن ( إسرائيل ) أفضل من النظام السوري وأرحم منه وأن جرائمها أقل من جرائم النظام السوري وأنه لا يرى عيباً في التحالف معها، وأنه لأمر طبيعي أن يتحالفوا معها ضد النظام.

طبعاً كنت أستمع لكلامه والنار تغلي في عروقي.

 لاحظت الفتاة انزعاجي الكبير من كلامه فتدخلت وقالت أن النظام دموي ومجرم وقاتل والخ …

قلت لها كل هذا لا يبرر كلام رفيقك عن التحالف مع الأعداء التاريخيين ضد النظام. وأن كلامه غير لائق وخطير ومعيب ومشين.

هنا عاد الشاب وتدخل مصراً على تكرار رأيه.

قلت له ولها:

الآن عليكما أن تعرفا وتفهما لماذا الكثير من العرب يقفون مع النظام وضدكم. وأضفت: لأنهم يرون ويعرفون أنها مؤامرة على سوريا تشارك فيها ( إسرائيل ) أولاً والولايات المتحدة الأمريكية وكل موظفيها ووكلاءها العرب والمسلمين من قطر والسعودية وتركيا والجماعات الإرهابية والتكفيرية المرتبطة بالفكر الوهابي والسلفي والخ…

وتابعت: فالنظام السوري بالرغم من الفساد والقمع يبقى نظاماً وطنياً يقف في صف المقاومة العربية وفي وجه الصهاينة. وإن كنا لا نتفق مع فساده وقمعه لكننا نتفق معه في أن ما يجري في سوريا عدوان كوني على البلد من أجل إدخاله الإسطبل الأمريكي الصهيوني الذي أُعد للعرب وللمسلمين أو اسقاطه واسقاط سوريا.

ذكرتني هذه الحادثة بمواقف بعض المعارضين العراقيين اثناء حصار العراق والنظام العراقي في نهاية سنوات التسعينيات وبداية سنوات الألفية الثانية. هؤلاء المعارضين الحاقدين، الذي حللوا أيضا التحالف مع الكيان الصهيوني والأمريكان وكل أعداء العروبة من أجل الإطاحة بنظام البعث وبالرئيس صدام حسين. نعم استطاعوا انهاء النظام بالعدوان الأمريكي الأطلسي الصهيوني المباشر على العراق، لكنهم بنفس الوقت قضوا على العراق ككيان وكدولة ذات سيادة وجيش عريق واقتصاد كبير، فغدى تابعا لهنا وهناك ولهنالك… بعد أن حولوه الى ما هو عليه اليوم من حال يرثى لها.

لا فرق بين سوري وعراقي وفلسطيني وأي عربي إلا بالموقف من الكيان الصهيوني. أما من يطلب العون والإسناد من الأعداء ويبرر ذلك لا يمكن أن يكون إلا في صف الأعداء والعدوان، أي في صف أعداء الأمة العربية و مطالب شعوبها بالحياة الأفضل والحريات أولاً.

كما أعادتني تلك الحادثة الى تقرير صحافي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، “عن حلفاء (إسرائيل) السريّين من العرب، الذين لا يستطيعون التحدث عن علاقتهم بها في العلن”. وهي علاقات تمتد من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط، سراً وعلانية. نشر التقرير في منتصف تموز – يوليو سنة 2017 .

من هؤلاء الحلفاء قادة في المعارضة السورية بعضهم تحدث في العلن منذ بداية الأزمة السورية عن توجهاته نحو الانفتاح على الكيان الصهيوني وطرد الفصائل الفلسطينية وحزب الله من سوريا وإقامة علاقات طبيعية مع الاحتلال الصهيوني. يعني ببساطة المكتوب قرأ من عنوانه …

في الختام أعيد وأكرر ما كنت كتبته في مقالة لي سنة 2011 عن (الربيع العربي) قلت فيها بالذات للشعبين العربيين في ليبيا وسوريا ” من لم يتعلم من تجربة العراق لن يتعلم أبداً”.

 

نضال حمد في 4-1-2018