وقفة عز

لكم رؤيتكم ولي رؤيتي 2-2:

على هامش قتل الأبرياء

نضال حمد

  زمن النفاق و مترو الأنفاق ..

 في زمن الزوار في المنامات والكوابيس في الأحلام والأحاديث بين النوم واليقظة، في هذا الزمن الذي تصلح تسميته بزمن الموت في مترو الأنفاق وليس في النفق كما كتب أحد الأدباء الغربيين. صارت تنقلات البشر تحت الأرض كما التنقل بين المقابر.. فقد أصبح النفق مقبرة جاهزة، صار قبرا جماعيا على غرار القبول المعروفة والمكشوفة في بلاد العرب، مثل على صعيد المثال لا الحصر مقابر ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا و مذبحة مخيم جنين، التي لم تقم لا لندن ولا غيرها من العواصم بإدانتها أو المطالبة بمحاسبة مرتكبيها.

في مترو الأنفاق يموت الإنسان نتيجة إنتحاري يفجر نفسه بغية إيصال رسالة ما لجهة أو جهات معينة. وفي بلادنا يموت الأبرياء لأن جنود الحلفاء الغزاة من أمريكا وبريطانيا يقتلونهم بدون وجه حق.

في زمن مترو الأنفاق المقبرة نتذكر ما حدث في صبرا وشاتيلا ودير ياسين وكفر قاسم وقانا وجنين وقطاع غزة وملجئ العاملية العراقي ومدرسة بحر البقر المصرية…الخ، فالضحايا اغتيلوا أو قتلوا هناك بالتقنية الغربية الأمريكية والأوروبية، وكان قائدا لمعظم تلك المذابح (ارييل شارون) الذي أُستقبل في باريس مؤخراً إستقبال أبطال السلام. استقبله الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي كان بنفسه قال عن شارون أنه شخص غير مرغوب فيه في فرنسا. تصوروا النكتة السوداء؟…

تحدث شيراك مع شارون عن السلام وكأن الأخير معني به… وأبتعد شيراك كثيرا في كلامه الحلو حين أخذ يعسل من جهة شارون، ولأن شارون سفاح بشر وراعي قتلة ومجرمين من الحيوانات الناطقة وغير الناطقة، فهو يفهم جيدا ماذا كان يقصد الرئيس الفرنسي بكلامه المعسل. لقد وقع شيراك في شرك شارون، وتراجعت سمعة فرنسا ورئيسها مع استقبالها للضبع، حارق لحوم الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين والأردنيين في عشرات المجازر الصغيرة والكبيرة. ولم تكتف فرنسا بذلك فأستضافت أيضا سمير جعجع رفيق شارون في مذبحة صبرا وشاتيلا والمسئول عن عدة جرائم وعمليات اغتيال في لبنان. كأننا أيضا في زمن نفاق وليس فقط زمن مترو الأنفاق.

ألم يعد هناك من السياسيين في بريطانيا من يجرؤ على الكلام؟

فبدلا من إبداء الجرأة على ركوب القطار الأمريكي وفي الوقت نفسه الخوف من ركوب مترو الأنفاق البريطاني. كان الأجدر بالسياسيين البريطانيين النزول من القطار الأمريكي في أولى محطاته والعودة إلى ركوب مترو الأنفاق في لندن بسلام وأمان.  بريطانيا ليست حريصة على السلام وعلى مصالح أمريكا أكثر من الأمريكيين أنفسهم، وها هو الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر يقول بكل صراحة ووضوح ” أن غزو العراق كان عملا غير عادل وغير ضروري”…

وها هو السيد ستيرو يعترف بلسانه أن سبب العمليات في أوروبا هو الوجود العسكري الأمريكي البريطاني في العراق.

إذن بدأت بريطانيا تتعلم وتستفيد، لكن كان بإمكان حكومة بلير تجنب حمام الدم في الحافلات ومترو الأنفاق. ورغم هذا وذاك فإن كلام سيترو جيد ومفيد وسيترك أثره في السياسة الخارجية البريطانية وسوف يشكل عقبة للسياسات الأمريكية في العراق.

لقد تحولت حياة الناس الأبرياء في لندن بالذات إلى حياة صعبة بسبب الخوف من كوابيس الأنفاق الحقيقية، فأصبحوا يخافون على حيواتهم من إنتحاري سيفجر نفسه في مترو الأنفاق الذي يركبونه خلال ثواني، أو خوفا من شرطي بريطاني قد يقوم بقنص كل شخص يشك بأمره، بأقل من ثانية كما حدث مع المواطن البرازيلي في إحدى محطات مترو الأنفاق في عاصمة الضباب. فهناك أوامر صارمة لدى الشرطة تقضي بإطلاق الرصاص على رأس أي مشتبه به، أي قنصه وقتله على الفور.. وهذا يعني أن كل صاحب رأس أجنبي، عربي أو غير عربي، رأس أسود أو بني، غير مهم لونه عليه الحيطة والحذر من إرهاب التطرف الذي صنعه ظلم الغرب لأهل الشرق، أي من الجماعات المتطرفة وكذلك من إرهاب قناصة الشرطة في بريطانيا العظمى، هذه الدولة التي إرتضت دائماً القيام بدور الخادم عند الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فكانت العاقبة وبالا على الشعب البريطاني في عاصمته الجميلة لندن.

 لقد أحسن رئيس بلدية لندن السيد كين ليفيغنستون  صنعا عندما أدان أسباب الإرهاب والذين كانوا سبباً فيها خاصة بعض أهل الفكرة الاستعلائية الاستعمارية الاقتلاعية في الغرب. وأحسن كين عندما وضع إصبعه على الجرح، مؤشراً على العوامل التي أدت إلى تصاعد ونمو وتمدد الإرهاب ضد الأبرياء في لندن وغيرها. فإرهاب قوات الاحتلال الأجنبي للأبرياء في العراق وأفغانستان وفلسطين هو السبب الأول والأساسي الذي جعل تلك الجماعات تتعامل مع دول أوروبا بهذه الطريقة الدموية، من أجل الترويع والترهيب وإيصال الرسائل التي منعها بريد الحكومات الأوروبية من الوصول إلى الجماهير الشعبية. أوروبا تدفع ثمن الإرتماء في الحضن الأمريكي ومسايرة بوش ظالما ومظلوما

في زمن القتل العمد والترويع المتبع في الحافلات العامة ومترو الأنفاق والمناطق السياحية في أوروبا ومصر، صار الموت سيد الساعة، وصارت الحياة معلقة بين أيدي عنصرين استعلائيين، يحتل أولهما بلاد الآخرين ويذلهم والثاني هو العامل الحاضر الغائب، العامل الميت الحي أو الحي الميت، المتمثل في إنتحاري يريد إيصال رسالته لكل من سمع وشاهد عمليات القهر الجارية في العراق وأفغانستان وفلسطين وشرق المتوسط، وكل من له صلة بما يدور من أحداث دموية في عالمنا الحزين.

 

 لكن وضع البيض كله في سلة واحدة يعتبر غلطة فادحة وعلى الذين لا يميزون بين الصحيح والغلط أن يعوا بأن هناك أكثر من نصف سكان أوروبا قالوا أن الإرهاب أمريكي و (إسرائيلي). لذا على الذين يريدون ترويع أوروبا أن يستفيدوا من حالة الانزعاج  التي تنتاب أهل أوروبا من تصرفات أمريكا و (إسرائيل). وعليهم أن يتوقفوا عن قتل المدنيين لأنه عمل غير مبرر وغير أخلاقي. فكيف يمكن تبرير قتل الأبرياء؟

 إذا كانت شعوبنا العربية تكافح ضد الذين يقتلون الأبرياء في فلسطين والعراق ومناطق أخرى فكيف نفسر قيام بعض أبناء تلك الشعوب بقتل الأبرياء في مدريد ولندن وشرم الشيخ؟…

لا يوجد ما يبرر ذلك ولا نعتقد ان إسقاط حكومة توني بلير سيتم بين عملية وأخرى، فتوني بلير ساقط وذاهب إلى الجحيم بدون تلك الواسطة، لأن مشروعه الدموي الاستعلائي العنصري سقط مع مشروع بوش في وحل العراق. لكننا نعي كذلك أن العملية التي حصلت في مترو الأنفاق بلندن ستعجل في انسحاب القوات البريطانية من العراق.

16-12-2008