الأرشيفعربي وعالمي

لماذا صوتت تركيا ضد أردوغان؟

د.محمد نورالدين

أنهت الانتخابات التركية التي جرت الأحد الماضي حقبة حزب العدالة والتنمية. قد يجد البعض في هذا الكلام مبالغة. غير أن التحليل الموضوعي يقتضي ذلك.

منذ أن انفجرت «انتفاضة غيزي تقسيم» في يونيو/حزيران 2012 قلنا إن العد العكسي لسلطة حزب العدالة والتنمية ولرجب طيب أردوغان تحديداً قد بدأ. وبعد أن انفجرت فضيحة الفساد كان الطوق يشتد على عنقه. صحيح أنه فاز في الانتخابات البلدية والرئاسية بعدهما لكن قياس الأمور لا يكون بحالات ظرفية.. والمتغيرات لا تحدث بكبسة زر.
مجرد أن ينتفض المجتمع المدني وللمرة الأولى على أردوغان في غيزي قبل ثلاث سنوات ومجابهة أردوغان لها بالقمع واتهامها بتنفيذ مؤامرة خارجية كان محطة تحول. ومجرد أن تنفجر فضيحة الفساد ومسارعة أردوغان إلى فض الشراكة مع فتح الله غولين شريكه الأقوى خارج الحزب كان محطة تحول. مجرد أن يقصي أردوغان شريكه ورفيق دربه عبدالله غول عن حزب العدالة والتنمية كان محطة تحول. مجرد أن يصفي أردوغان كل قيادات الحزب الأساسية بذريعة عدم الترشح لثلاث دورات متتالية كان محطة تحول. لم يبقَ من الحزب سوى أردوغان الذي أراد بانتخابات الأحد الماضي أن يختزل الحزب في شخصه وأن يختزل الدولة في شخصه وأن يختزل تركيا في شخصه.
ثم جاءت الانتخابات النيابية في السابع من يونيو/حزيران الجاري ليصل الاحتجاج على سياسات أردوغان إلى ذروته، ولتتراكم محطات التحول لتتحول إلى زلزال، فصوت ستون في المئة من الشعب التركي ضد أردوغان وضد حزبه وضد بقائهما في السلطة. محطة التحول الانتخابية لم تكن مجرد محطة على طريق إنهاء حقبة حزب العدالة والتنمية وأردوغان بل كانت النهاية الفعليه لها. ربما سيبقى أردوغان رئيساً للجمهورية ويكمل مدته المتبقية وهي أربع سنوات. وربما يبقى حزب العدالة والتنمية شريكاً في حكومات ائتلافية. لكنه مسار يتجه إلى نهايته الحتمية. لم يعد الحزب الآن ذلك الذي كأنه قبل 13 سنة ولا قبل أربع سنوات. انفضت عنه نسبة عشرين في المئة من كتلته الناخبة، وهذا ليس صدفة عابرة وظرفية، بل هي تعديل بنيوي على جسم حزب العدالة والتنمية.
بعد 13 سنة من الانتصارات المتعاقبة أن تخسر هذه النسبة من قاعدتك يعني أنك أمام تفكك آت لا محالة. كم هي متشابهة حالة حزب العدالة والتنمية بمساره مع حالة حزب الوطن الأم الذي تفرد بالسلطة طوال الثمانينات.
لكن طمع زعيمه طورغوت أوزال بأن يكون رئيساً للجمهورية عام 1989 أدى إلى هزيمة حزبه عام 1991 وخروجه من الحكم وتلاشيه بعد عشر سنوات كلياً.
ترك أردوغان الحزب العام الماضي ليكون رئيساً للجمهورية وطمعه جعله يسعى لتغيير النظام السياسي برمته كرمى لشخصه فقط لا غير. فتلقى الصفعة القاضية هو وحزبه. وكما تحلل حزب الوطن الأم فليس من أي عامل يمكن أن يوقف تحلل حزب العدالة والتنمية ولو بعد عدة سنوات.
النهاية حصلت فعلاً، لكن اكتمالها قد يحتاج إلى وقت.
والفرصة مؤاتية لتغيير السلطة جذرياً وتنظيفها كلياً من الدولة العميقة التي أقامها حزب العدالة والتنمية مصادراً استقلالية القضاء وقامعاً للحريات وجالباً على تركيا المخاطر الأمنية والاقتصادية من جراء سياساته التي تريد الهيمنة على الشرق الأوسط بمفرده ومن أكبر تجلياتها ذلك الهيجان غير المبرر ضد مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين وليس من سبب سوى أن مشروعه تلقى ضربة ثقيلة جداً.
ليس من سبب لكي ينهار حكم الإخوان المسلمين في مصر ومن بعدها تونس ويبقى حكم الإخوان في بابهم العالي في تركيا. وكما هو مسار حتمي انقراض حزب العدالة والتنمية كان مساراً حتمياً ألا تقف حدود ضرب ركائز الإخوان المسلمين عند مصر وتونس وفي الدول الخليجية. كان لا بد من أن يستكمل تفكيك هذه المنظومة بأن تصل إلى اسطنبول وأن ينهزم الباب العالي للإخوان لتسقط المظلة كلها على رؤوس الجميع.
تركيا اقترعت ضد حكم الشخص الواحد وضد إلغاء الديمقراطية وضد الفساد وضد المتاجرة بالدين وضد سياسات إنكار هويات الآخرين وضد المشروع العثماني في المنطقة.
لقد كان الشعب التركي عند حسن الظن والمطلوب الآن استكمال تفكيك هذه البنية التي هددت التوازن في تركيا والاستقرار في المنطقة كلها.

:::::

“الخليج”

اترك تعليقاً