وقفة عز

مؤسسات م ت ف بين الأوسلة والعبسلة

نضال حمد

يتابع السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية التي تعتبر وفق اتفاقيات اوسلو ووفق اعتراف وأعراف الأمم المتحدة العاجزة واللجنة الرباعية المنحازة، ووفق الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الأول والأساسي الملتزم بكل ماهو لمصلحة”إسرائيل”انها المسئولة عن تسيير أعمال السكان في مجموعة الجُزُر والبُؤَر المعزولة والمحاصرة في قطاع غزة والضفة الغربية. ومن إحدى البؤر المحاصرة والمستباحة في الوطن المغتصب يتابع عباس سياسة الهيمنة والاستيلاء والشطب لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، هذه المؤسسات المتمتعة بالقانونية الثورية، الفدائية، والتي بناها الشعب الفلسطيني عبر عشرات السنين من النضال بالدماء والعطاء والتضحيات.

تأتي تحركات السلطة ضمن مسلسل البِدَع الأوسلوية الذي أصبح نوعا من الكوميديا السوداء الفلسطينية. ومن جديد ما ابتدعته تلك المؤسسة في الساحة الفلسطينية، المتمتعة بعقلية انقلابية على القوانين الداخلية وانبطاحية في المفاوضات مع الجهات والأطراف الدولية. قيامها بتأكيد الالتزام بالقرارات الصادرة من البيت الأبيض الأمريكي والشريك الصهيوني. كذلك عملها بنصائح ثورة الفاتح في جماهيرية ليبيا العظيمة، حيث طالب الرئيس الليبي كل الأنظمة العربية ومعها الفصائل الفلسطينية بالامتثال للاءات أمريكاوالاستسلام لها، وإلقاء السلاح لأن ليبيا ترى أن هناك إصرارا أمريكيا على إيجاد حل للقضية الفلسطينية. لذا طلب الزعيم الليبي منهم أخذ العبرة منه شخصياً والعمل على غرار ما قامت به ليبيا. ومعروف أن ليبيا كانت فتحت وشرعت أبوابها للأمريكان وغيرهم، حيث دفنت في رمل الصحراء سنوات الشموخ. وعلى غرار ليبيا فان السلطة الفلسطينية تفتح أبوابها غير الموصدة أصلا لكل من يرتاد المنطقة وتدفن سنوات البذل والعطاء والتضحيات مع نفايات وقمامة المستوطنات المقامة على أرض فلسطين.

أحدث خطوة أقدمت عليها السلطة الفلسطينية مؤخرا تمثلت بإغلاق فرع الصندوق القومي الفلسطيني في تونس. وهذه ليست سوى خطوة مثيرة أخرى من خطوات تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من بعض ما تبقى من مؤسسات شبه عاملة فيها بغية إتمام عملية الإجهاض عليها. وهنا تحضرنا ذكريات المنظمة والسلطة والشعب الفلسطيني مع سياسة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث أن ما يقوم به محمود عباس الآن كان يقوم به ياسر عرفات سابقا لكن بمعايير ومحاذير أخرى. وتلك السياسة هي الامتداد الطبيعي لما يترتب على أهل أوسلو دفعه وفعله، بعدما دخلوا الحظيرة الكمب ديفيدية من بوابة أوسلو الاسكندنافية.

كان عرفات الذي بدأ بعد أوسلو سياسة إفراغ المنظمة من محتواها ووضعها على الرف حتى كاد الغبار يغطيها تماما، يعرف دائما أين يجب ان يتوقف، لذا كان يرفض في السابق تفريغ الصندوق القومي من محتواه وضمه لسلطة اوسلو، أولا لأنه عمل غير قانوني واعتداء مباشر على الشرعية الفلسطينية المتمثلة بالمنظمة ومؤسساتها القانونية التي لا يمكن إلغائها او شطبها إلا بقرار دستوري وقانوني. وثانيا لمصالحه الفردية والشخصية. ثم أن صاحب الصلاحيات هو المجلس الوطني الفلسطيني وليس رئيس السلطة الفلسطينية ولا مؤسسات السلطة او مجلسها التشريعي. وايضا لكي يحافظ (عرفات) دائماعلى خط رجعة وعلى أوراق رابحة يخرجها وقت الشدة. كما أنه كان دائما يقاوم ويرفض أن يصبح المطلب الأمريكي – (الإسرائيلي)، الأوروبي، ومطلب الدول المانحة بوضع الأموال بيد وزير اختاروه هم حقيقة وواقع عليه التعامل معه. مما يعني لعرفات أن عصب قيادته وعصب الحياة للمنظمة والشعب الفلسطيني سوف يصبح بيد وزارة مالية تقوم الصهيونية العالمية والإدارة الأمريكية عبر الدول المانحة بالإشراف عليها. ورغم كل محاولاته لم ينجح عرفات في منع ذلك تماما لكنه استطاع الالتفاف عليه وإعاقته.

أما السيد أبو مازن فهو مع أمركة كل شيء في فلسطين، لكن لسوء حظه حتى أن الأمركة فلسطينيا ممنوعة أمريكياً، فلكي ترضى عنك أمريكا بيمينها المتشدد الحاكم عليك أن تُسلم بما تراه الصهيونية الاستعمارية الاحلالية مناسبا لك، وهذا بطبيعة الحال يعتبر أمراً غير مقبول لأي فلسطيني لازال يحترم تضحيات شعب فلسطين.

إن قرار عباس القاضي بالتخلص من بعض المؤسسات المركزية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية مثل الصندوق القومي والدائرة السياسية في تونس هو مقدمة لإعلان رسمي من قبله عن شلّ منظمة التحرير الفلسطينية، لكي يفقد اللاجئون في الخارج ممثلهم الشرعي والوحيد المعترف به دوليا، ولكي يتم استبداله بالسلطة الفلسطينية المولودة من رحم عملية أوسلو المعقدة. السلطة التي أصبحت تتصرف وكأنها سلطة كل الشعب الفلسطيني مع أنها بالكاد تستطيع فرض سيطرتها على مقر المقاطعة في رام الله.

إن ترك اللاجئين في شتاتهم بلا ممثل شرعي ووحيد واستبدال منظمتهم رسميا بالسلطة الفلسطينية، سيقود لانقسام أو لفراغ كبير وخطير في الساحة الفلسطينية. هو في نهاية المطاف تحصيل حاصل، لأن نقاط الالتقاء بين السلطة ومن يعارضها فعليا أصبحت معدومة. وللأسف فإن هذا الكلام يعني أيضا أن هناك مؤامرة على ستة ملايين فلسطيني في خارج بلادهم وفي الشتات يتم بموجبها حرمانهم من أي شيء. والذي يعزز هذا الكلام الانبطاح الواضح في سياسة السلطة، حيث تعمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين حتى في جزر سيشل إن أمكن ذلك. وتصريحات رئيس السلطة في لبنان صيف هذا العام كانت واضحة، وتصريحاته كذلك لمجلة دير شبيغل الألمانية أيضا كانت أكثر وضوحاً.

جماعة السلطة بقيادة محمود عباس يريدون إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية، حل قضية اللاجئين عبر التوطين والتهجير والتجنيس، كذلك عبر شطب دور الفصائل الفلسطينية ودفن المقاومة وإلقاء سلاحها في البحر مقابل دويلة على شبه جزر في قطاع غزة والضفة الغربية. وهذا حقيقة ليس مطلبهم بل هو بل مطلب أمريكي صهيوني موافق عليه من قبل غالبية دول جامعة العرب العتيدة.

يعمل عباس ضمن برنامج وخطة وضعتها الإدارة الأمريكية للمنطقة وبالتعاون مع العربان الذين يقومون بدورهم بتنسيق وتعزيز العلاقات مع الكيان الصهيوني. وبالذات دول المغرب العربي وبعض دول الخليج بالإضافة لمصر والأردن اللتان لهما علاقات كاملة مع الاحتلال. وتأتي مشاركة ممثلين عن المغرب، تونس والجزائر في تدريبات يونانية (إسرائيلية) مشتركة في البحر قبل أيام تعبيرا عن سياسة الانفتاح (الانبطاح) العربي على الكيان الصهيوني،هذا الذي لم يبدل جلده كما الثعابين العربية. كل شيء وارد إلا مشاركة الجزائر في المناورة فهي فعلا صدمة.

نريد أن نقول للسيد عباس إن منظمة التحرير الفلسطينية التي أسسها القائد الوطني الكبير المرحوم احمد الشقيري وجدت كي تنتزع الحقوق الفلسطينية وكي تعيد الفلسطيني إلى وطنه وكي تحافظ على وحدة وتماسك شعب فلسطين. وجدت واستمرت وتصاعدت وصمدت وقاتلت دفاعا عن القضية وأوصلت فلسطين الى الأمم المتحدة وكل الدنيا، وصار لها سفارات ومكاتب تمثيل ومفوضيات في معظم بلاد العالم. تلك التضحيات قدمها كل أبناء فلسطين وبالأساس منهم اللاجئين، وخاصة في الشتات. فبأي حق يسمح هو وغيره لأنفسهم بالتحدث باسمهم أو نيابة عنهم والقبول بتوطينهم؟… يعني الدخول في المنطقة الحمراء وفي المنطق الحرام… وكذلك الحديث عن نزع سلاحهم قبل الحصول على ضمانات لحقوقهم وأمنهم وسلامتهم وعودتهم.

نقول للسيد عباس الذي بقدرة قادر أصبح رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن لهذه المنظمة مؤسسات مثل المجلس الوطني والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية التي يرئسها هو نفسه الآن، ومؤسسات مثل الوزارات، وكانت ولازالت حركة فتح أساسا تهيمن على مقدرات المنظمة وتعمل بالقانون ودونه ما يحلو لها داخل المنظمة، أما الفصائل فكانت ولازالت شاهد زور على تزوير الإرادة الفلسطينية داخل تلك المؤسسة الضخمة. وذلك لعجزها عن مواجهة فتح والدعوة لانتخابات فلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية في كل أماكن توزع وتشتت ووجود شعب فلسطين.

إن بقاء قضيتنا الفلسطينية رهينة للمحبسين السلطوي والمعارض سيفقد القضية زخمها ويجعلها هدفا سهلا للأعداء.

نقول للجميع أين منظمة التحرير الفلسطينية؟

هل عملية استهبال الشعب الفلسطيني باعتقاد رئيس السلطة ستقود الى سلام حقيقي؟؟

لا نرى في الأفق بوادر وحدة وطنية فمتابعة أبو مازن لعملية تصفية مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعدما كانت قد تأوسلت أيام سلفه الراحل تزيد من الفوارق والحواجز بينه وبين فصائل العمل المقاوم وبين الشعب الفلسطيني الطامح للحصول على حقوقه.

إذ أن كل ما خرج ويخرج عن عباس منذ توريثه عرش السلطة الفلسطينية والمنظمة وفتح الغلابة، يعتبر تجسيدا حيا لعملية أوسلو وما تلاها، واستمرارا لها وكذلك تعلقا عجيباً بها. وهذا في نهاية المطاف سيضعف القضية الفلسطينية كثيرا لكنه قبل ذلك سيقاوم بقوة، بالرغم من أنه متسلح بفيروسات حديثة وخطرة مثل فيروس انفلونزا الحمام المسالم والحمام من الطيور. وظهور فيروس العبسلة الخارج من رحم فيروس الأوسلة في الساحة الفلسطينية سيهدد مستقبل فلسطين.

 

مؤسسات م ت ف بين الأوسلة والعبسلة

نضال حمد

2005 / 11 / 12