الأخبار

ما ابعد رام اللة عن فلسطين…والفلسطينيون عن فصائلهم!

   عبد اللطيف مهنا

زائدة عندي وليست بذي فائدة العودة لحدث مر وانقضى، وكنت قد عالجته، بل وحوله قد ادليت بدلوي مرتين. مرتان كانتا من قبل وقوعه ومن بعده، لاسيما وإن رؤيتي له كانت فيما قبله لم تك المختلفة في جوهرها عما  كانته فيما بعده، إن توصيفاً أو توقُّعاً وحصيلةً، خصوصاً وأن مقدماته، كما قلت حينها، كانت تشي سلفاً بما خلص إليه، وأضيف الآن، وحيث قحطه خير من ينبىء بحصاد بيدره اللامسفر عن غير زوانه.

…ذلكم كان المؤتمر السابع لحركة “فتح” الأوسلوية، أو “فتح” سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، وخلاصة ما كتبته في ذاك الماقبل والمابعد، هو إن هذا المؤتمر قد اسقط فتحه بالضربة القاضية، حين اجهزت “فتح” الموظفين على “فتح” المناضلين السابقين المتقاعدين، تماما كما فعلت هذه الأخيرة قبلها بفتح البدايات، والكلمة الأولى، والمسيرة النضالية التي خطتها بدم شهدائها الأبرار…لم يتبق الآن بعد هذا المؤتمر الا “فتح” المازنية والمازنية فقط لا غير.

لكن الذي دفعني للعودة لما لم يك يدر بخلدي العودة له، هما خبران على ذمة رام اللة: واحدهما مفزع والآخر مؤسف، وكلاهما لا يمكن فصمه عن تداعيات هذا المؤتمر، او هما من شائناته التي سوف تلازم جرائرها الساحة الفلسطينية إلى ان تجد لها مخرجاً من المستنقع الأوسلوي الآسن وخلاصاً من اوسلوييه وهوامشهم.
الخبر الأول، هو ما خصتنا به نسخة “فتح” الأخيرة باعلان ازماعها عقد المجلس الوطني الفلسطيني، البائد بالنسبة لذاكرة كثرة من الفلسطينيين، وخلال الأشهر الثلاثة القادمة، الأمر الذي من شأنه أن يدفعنا تلقائياً لاستحضار التالي لا غيره، وهو:

إن هذه النسخة الأوسلوية…والتي كنا قد قلنا في المرات السابقة التي اشرنا إليها، أن لا من علاقة لها من قريب أو بعيد بفتح الأولى وهى معها على طلاق بائن، والتي، وفي الدقائق الأولى التي أّذَّنت بافتتاح مؤتمرها، كان أول ما فعلته هو أنها اعادت تصفيقاً انتاج النسخة التليدة من ابي مازنها وتوَّجتها ملهماً وقائداً أوحداً لا من شريك له في قرارها، واختتمته بتكريس نهجه التصفوي اياه حرفياً، مع التأكيد بأنها لن تراجعه ولن تحيد عن مساره الكارثي…سوف تكرر اسقاطها لفعلتها الداخلية هذه على منظمة التحرير عبر المجلس الوطني بأن تنتزع من بقاياه، وتصفيقاً أيضا، مبايعته لأبي مازن على كل ما بايعت “فتح” ابي مازن ابا مازن عليه.

الأمر سهل هنا وليس هناك ما يحول دونه، فالمجلس الأثري العتيق، مجلس المنظمة، التي رُكنت جانباً بعيد العبث بميثاقها واحتُفظ بجدثها لمهمة التوقيع على التنازلات في بازارات تصفية القضية، هو مجلس قد اتى عليه الهرم وتآكل بفعل صدأ الزمن. حتى الآن فارقه من اعضائه الذين انتقلوا إلى جوار بارئهم ما زاد عن الستين عضواً، ومن بقوا احياءً اعمارهم هى ما بين السبعين والثمانين وما فوق، وكثرة منهم على شفا حفرة من الزهايمر إن لم يك قد باتوا فيها. أضف اليه، أنهم مشتتون في مشارق الكون ومغاربه، ومنهم من لن يقبل بأن يحضر مؤتمراً تحت حراب الاحتلال، ومنهم من لن يسمح له الاحتلال بدخول الوطن المحتل، ما يعني أن انعقاده سيكون بمن حضر وتتوفر ليديه قدرة على التصفيق، وعليه ماكان من مؤتمر “فتح” الموظفين” سيكون مثله من بقايا المجلس الوطني، هذا الذي صوَّت ذات يوم بين يدي كلنتون في غزة فألغى غُرة بنود الميثاق الوطني محوِّلاً المنظمة من التحرير إلى البصم والتمرير.

والخبر الثاني، والذي كنا قد قلنا ايضاً أنه سوف يستعاد للتداول الاستهلاكي، هو حديث التكاذب التصالحي لطرفي “الانقسام” وحداء “الوحدة الوطنية”، واللذين لطالما جزمنا باستحالتهما بين خطين نقيضين، واحدهما المفاوضات عنده حياة والأخر يقول إن المقاومة هى خياره، اللهم إلا بالتحاق احدهما ببرنامج الآخر. مؤتمر “فتح” ابي مازن يردفه اجتماع المجلس الوطني المزمع حسما المسألة، إذا كان ثمة من ملتحق فلن يكن سوى الثاني، وعلى اساس برنامج الرباعية الدولية، وليس على قاعدة برنامج الاجماع الوطني المقاوم المفترض.

ضاقت دنيا العرب بعد خلاف ابي مازن مع “الرباعية العربية” لدواع دحلانية صرفة، فلم يجدوا مكاناً للتكاذب التصالحي فيمموا وجوههم صوب جنيف، كمحطة قادمة في مسلسل مكرور وعقيم تنقلت حلقاته ما بين مكة المكرمة وصنعاء والقاهرة والدوحة ولن تكون الأخيرة…بغض النظر عن المآل، لعلها خطوة تتوائم مع هوى الدولنة المستحكم بأفئدة الأوسلويين، كما لم تك سويسرا لترعاها بعيدا عما تضمره لنفسها من دور تصفوي!

وهذا سهل بدوره، لأن اغلب الفصائل المقاومة وجل المعارضة قد شاركت في مؤتمر التصفيق والتتويج وادمنت حداء “الوحدة الوطنية” الافتراضية، ولأنها في أغلبها قد عقُمت وشاب كثير من قياداتها ما شاب اعضاء المجلس الوطني، وغدت لعجز وقلة حيلة نضالية الرديف الموضوعي لفرعنة ابي مازن فتحاً ومنظمةً، وكل ما من شأنه منحه امتياز مزاولة حديث المصالحة الوطنية المستحيلة مع ممارسة التنسيق الأمني المقدَّس مع العدو، والكلام عن “الوحدة الوطنية” بلا برنامج وطني مقاوم والمضي في استجداء الحلول التصفوية للقضية.

…ما ابعد رام اللة عن فلسطين…وما ابعد شعب الانتفاضات المتلاحقة والمقاومة الدائمة عن رام اللة…والفصائل أيضاً.

   

اترك تعليقاً