من هنا وهناك

ما بين شتم الملك وشتم ملك الملوك – ماجد عبد العزيز غانم

 

 

 خبر منشور في إحدى الصحف قبل أيام  لفت انتباهي عنوانه حيث يقول الحكم على مواطن بالسجن لقيامه بسب وقدح المقامات العليا ، بالطبع نحن نعلم من هي المقامات العليا في عالمنا العربي إن كانت ملكا أو أميرا أو رئيسا  أو أي شخص له صلة بالعائلة الحاكمة .
 بعد قراءتي للخبر وكوني أعيش في إحدى المدن الشعبية الصغيرة ، قفز إلى ذهني مباشرة أمر يتعلق بالسب والشتم لكنه أفظع مما ورد في خبر تلك الصحيفة  ، وبدأت استرجع ما علق في ذاكرتي من شتائم بحق الدين وبحق الله أيضا ، فلا تكاد تمر من شارع أو زقاق أو حارة  إلا وتسمع ما يشيب له الرأس وما يهتز له عرش الرحمن من شتائم وألفاظ وأوصاف غير لائقة  حتى لو كانت موجه للبشر!  فما بالك أن كانت بحق خالق البشر ! كما أن هذه الألفاظ أيضا لا يليق أن  يتلفظ بها أي كان سواء ان كان مسلما أو حتى من أي ديانة أخرى فهذا أمر مرفوض في كل الشرائع السماوية ، بل ربما عبدة الشيطان أو البقر أو الأوثان يحترمون آلهتهم ولا يسبونها ، فكيف بنا نحن المسلمون ! ، وهنا أنا لا أخص  مدينتي ، فالأمر مستشري حتى في بقية تجمعاتنا السكانية من مدن وبلدات ومخيمات .
فعلا أمر غريب هذا الذي يحدث في مجتمعنا ، فمثل هذه الألفاظ والشتائم السيئة أصبحت ظاهرة موجودة في مجتمعنا بشكل كبير خاصة في أوساط المراهقين صغار السن ، وبالذات في تجمعاتهم في الأزقة والحارات والشوارع بشكل عام ، وفي الفترة المسائية على وجه الخصوص ، لدرجة أن البعض من أفراد المجتمع أصبح ينظر إلى هذا الأمر وكأنه أمر طبيعي فهم يسمعونها ولا يلتفتون للأمر والسبب هو أنها أصبحت أمرا يوميا ومعتادا .
وللتدليل على حجم المشكلة سأروي ما حدث معي  في أحد الأيام ، فخلال مروري بجانب أحد المقاهي الصغيرة المنتشرة في شوارعنا الضيقة سمعت أحد المراهقين يشتم الله وبصوت مرتفع ، ويدافع الغيرة على ديني حاولت أن انصحه بالابتعاد عن هذا الأمر وبكلام طيب ، إلا أنني فوجئت برده الذي كان أشنع من شتيمته ، حيث قال لي ( هل أنت شريكي في ربي ) !  لا حول ولا قوة إلا بالله، نعم أنا شريكك فهو من خلقني وخلقك ، لكني كتمتها في صدري تحسبا لأي تصعيد للأمر من قبله ، حتى أن بعض المارة نصحوني بعدم التدخل بشؤون هؤلاء المراهقين فهم قادرون على تلفيق أي تهمة لك ،  قمت بمغادرة المكان وفي قلبي غصة خاصة أن أمر تلفيق التهم أصبح سهلا وبات يشكل ظاهرة سيئة  أخرى في مجتمعنا ، وقد عانيت شخصيا من هذا الأمر والسبب هو تشريعاتنا العاجزة والتي باتت غير رادعة لمثل هؤلاء.
حاولت أن أقارن بين مجتمعنا وبعض المجتمعات العربية الأخرى ، والتي عشت فيها خاصة دول الخليج حيث مكثت ردحا من الزمن فيها بحكم عملي ولم أتذكر يوما أنني سمعت مثل هذه الشتائم والألفاظ على لسان أبنائها ، لذلك يبقى الأمر مؤلما ومقلقا ، لكن ألمي تضاعف عندما استعدت ذكريات عام كامل عشته أيضا في أميركا حيث كنت اعمل وقد تعاملت مع الكثير من المواطنين هناك سواء في العمل أو في الأماكن العامة وبكل صدق أقولها ورغم الكثير من المساوئ التي شاهدتها هناك إلا أنني لم أسمع يوما أحدا يشتم خالقه كما يحدث  في مجتمعنا .
 وللأمانة هنا  يجب أن أذكر أنني لم ألحظ مثل هذه الشتائم إلا في بلادنا ، وأقصد هنا بلاد الشام ككل الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين وربما العراق أيضا ، وللعلم فهذه الفكرة مأخوذة عن شعوب هذه البلدان لدى الكثير من الشعوب  العربية الأخرى ، وهنا أتساءل هل المجتمعات  الأخرى  تؤمن بالله أكثر منا ! أم أن  إلاههم يختلف عن إلاهنا ! لا والله هو الإله والخالق نفسه ولكن يبدو أن لدينا أسباب وعوامل عديدة أدت إلى وجود هذه الظاهرة واستمرارها  للأسف .
وبالعودة للأسباب والعوامل التي أدت وما زال لها دورا في وجود هذه الآفة ، وجدت عدة أسباب     وعوامل ، أعتقد أن أولها وأهمها على الإطلاق هو الأسرة والبيت ، فالأسرة هي اللبنة الأساسية الأولى في التنشئة الأخلاقية والدينية الصحيحة للفرد من حيث تعليم الطفل منذ نعومة أظفاره على احترام دينه وخالقه  وبيان نعمه عليه ، أما إن كان دور الأسرة  قاصرا في هذا المجال فهذا سينتج عنه جيلا سيء التربية ، وبالضرورة سينظر هذا الجيل إلى خالقه نظرة لا تخلو من عدم الاحترام وهذا ما يحدث حاليا .
أما العامل الثاني والمهم فهو المدرسة ، فهل تقوم مدارسنا كمؤسسات تربوية وتعليمية بدورها بشكل صحيح من حيث تدعيم وتعزيز وتهذيب ما نشأ عليه الفرد في أسرته وبيته إن كان نشأ نشأة سليمة ! وإن كان العكس فهل يجد الطالب في مدرسته ذلك الدور المكمل لدور الأسرة إن  كانت قصرت ؟ من حيث إعادة تعليم وترسيخ المفاهيم الدينية والأخلاقية  لدى هذا الفرد ، أم أن دورها يقتصر فقط  على التعليم الأكاديمي الذي يخلو من أي تربية أخلاقية أو دينية .
أما في حال فشل العاملين الأوليين في تنشئة الفرد بشكل صحيح ، فنحن هنا أمام أهم العوامل والذي يجب أن يكون له دورا كبيرا في إعادة الأمور إلى نصابها ، ألا وهو القانون وما ينبثق عنه من تشريعات وعقوبات للحد من هذه الظاهرة السيئة ، فهل يوجد لدينا في تشريعاتنا عقوبات رادعة لمن يصدر منه مثل هذا السلوك  ؟ وإن وجدت فعلا فهل يتم تطبيقها بشكل صارم كما تطبق عقوبات قدح وسب المقامات العليا ؟ أم أن المقامات العليا أسمى وأجل من مقام خالقنا وإلاهنا ؟
وهنا وبكل صدق وأمانة أقولها ، في كثير من الأحيان ألمس لدى غالبية أفراد مجتمعنا خوفا من الحاكم أو الملك أكبر بكثير من الخوف من ملك الملوك ، الذي خلقنا وخلق هذا الملك أو الحاكم ، وهذا ما يجعلني اجزم أن التشريعات وعقوباتها بخصوص هذا الأمر أصبحت عاجزة عن الحد منه ، ويحضرني هنا القول المأثور  ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) وأي أدب هذا الذي يساء في للخالق المعبود ! أسأل الله أن تتضافر جهود الجميع في مجتمعنا للحد بل والقضاء على هذه الآفة التي أبتلي بها مجتمعنا .
حسبنا الله ونعم الوكيل
ماجد عبد العزيز غانم
majeduothman@yahoo.com