ثقافة وفن

محمد لافي: شاعر كبير، وإنسان أصيل – رشاد أبو شاور

عرفته قبل عقود من الزمن، وقرأت له قبل أن ألتقيه، ولذا كان تعارفنا المباشر تعميقا لما كونته عنه، من خلال شعره، من مزايا إبداعية تشغله، وتؤرقه، وصفات إنسانية أراها تليق بالشاعر، كما رأيتها دائما: الصدق، وأقصد: التطابق بين القول والسلوك الحياتي، وهو ما نفتقده لدى كثيرين، للأسف الشديد، سيما في وقتنا الراهن، فالشعراء خاصة، والمثقفون، يقولون و..يفعلون النقيض، وهؤلاء أفقدوا القرّاء الثقة بهم، وبكتاباتهم.

محمد لافي شاعر مؤمن، وإيمانه ليس موضع مساومة، فهو لا يعتنق فكرة يمكن أن يبدلها تنازلاً لنيل رضى، أو تحقيقا مصلحة، أو نتيجة اقتناع بخطأ اعتناقه لها، أوخوفا من عقاب.

محمد لافي يعتنق فلسطين، وفلسطين وطن، وحقن وكرامة، ومستقبل أمة، وهو ينشد لفلسطين، ولا يكف عن ذلك منذ عقود…

هو لا يتكئ على فلسطين ليطيل قامته، ولكنه يحمل فلسطين، ويعليها، ويمضي بها ..منشدا نبيلاً، يمتح من تجربة العيش في المخيمات، ولا سيما مخيم( العوجا) القريب من مدينة أريحا الفلسطينية التاريخية العريقة، وما عاناه مع أسرته، وأبناء وبنات شعبه، من شظف العيش، وبؤس الأحوال، ليتعمد في أتون ( التجربة)، ويخرج منها وقد تفولذ، وصار معدنه أقوى، وأشد، وبات أكثر عزيمة برفض الواقع الذي فرضه الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

شحذ محمد لافي موهبته، وحدد مساره، ووضع فلسطين نصب عينيه، فهي له، وهو لها، ولهذا قرأ، وعمّق، وطوّر معرفته، ولم يكتف بالموهبة (الخام)، فالشعر بعد الموهبة ثقافة، وجديّة، وسعي لهدف نبيل، وليس للشهرة، أو التكسب.

هو حمل رسالة من مبتدأ العمر، وهو في العوجا، ومضى بها بعد هزيمة حزيران،  وهو مضى برسالته ..ولو كان العقاب قطع رأسه، غير آبه بالمخاطر ولذا انحاز للزمن الفدائي، وكان قراره: المقاومة..وبكامل موهبته، وبتمجيد الفدائي، وجسارته، وعبوره من الهزيمة..ومواجهة العدو.

عرفته في دمشق، وبيروت، وواكبت صعوده وتألقه، واحترمت سلوكه ومصداقيته الحياتية، وإخلاصه للقضية، وإيمانه المطلق بالمقاومة، وعلى كافة الصعد…

و..من جديد، وبعد فراق امتد سنوات، التقينا في عمّان، وقد استغربت كيف أن هناك تجاهلاً مقصودا له، فكتبت عنه ، وكتب آخرون _ وكأنما تنبهوا إلى أن شاعرا كبيرا يعيش قربهم _ فكان أن بدأ الضوء يتركز على إبداع هذا الشاعر الكبير..وتوالت الكتابات، وصدرت أعماله الشعرية في فلسطين، وبدأت الدعوات توجه له من مهرجانات شعرية عربية، بعد أن تم التنبه لشاعرية محمد لافي المتميزة.

محمد لافي صديق، وأنا أعتز بصداقته، فهناك ما يجمعنا، وما لن نتخلى عنه: فلسطين، والمقاومة، والإيمان بدور المبدع الصادق ، والشريف، والصامد في وجه المحن، في زمن ( البيع والشراء)…

اترك تعليقاً