وقفة عز

مقاطعة أو “بويكوت” كيان الصهاينة

– نضال حمد

كثيرة هي الموضوعات التي تستحق المتابعة والكتابة عنها في هذا اليوم الرمضاني الاوسلوي الدافئ والهادئ والجميل. منها على سبيل المثال لا الحصر ذكرى إطلاق الرصاص في لندن في الثاني والعشرين من تموز – يوليو على الفنان الخالد ناجي العلي، والتي أدت في نهاية آب – أغسطس من نفس العام الى وفاته بعد صراع طويل مع رصاصات الغدر والخيانة.

هناك أيضا موضوع الاشتباكات العنيفة الدائرة بصمت في مخيم اليرموك قرب دمشق بين المسلحين الذين يحتلون المخيم وعناصر اللجان الشعبية الفلسطينية التي على ما يبدو قررت تحريره.

هناك أيضا قرار الاتحاد الأوروبي الموظف لدى الإدارة الأمريكية، الذي وضع الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب الأوروبية ليخضع بذلك للضغوطات الصهيونية والأمريكية، التي تبنتها قبله الدول الخليجية وبخاصة قطر والبحرين والسعودية.

هناك أخبارا أخرى أيضا ذات أهمية لكنني سوف أتحدث اليوم عن الذكرى الثانية لمذبحة مخيم الشبيبة العمالية النرويجية في جزيرة تور اويه.

يوم أمس 22-7 حلت ذكرى مذبحة جزيرة تور اويه النرويجية التي نفذها عنصري نرويجي صديق ومناصر ومعجب ومؤيد للكيان الصهيوني، ذهب ضحيتها أكثر من 70 من شبيبة حزب العمل النرويجي. وكان كل هؤلاء الضحايا من المناصرين للقضية الفلسطينية العادلة. وكان شعار مخيمهم في الجزيرة المذكورة وبشكل مستمر منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحتى المجزرة في الثاني والعشرين من تموز – يوليو 2011 هو التالي ” قاطعوا إسرائيل”.

حرصت الشبيبة على رفع هذا الشعار في المخيمات السنوية بالجزيرة بشكل مستمر وثابت. وأستقبلت بهذا الشعار وزير الخارجية في حينه السيد “ستوره” بيافطة ضخمة كتب عليها باللغة النرويجية ” بويكوت إسرائيل” وكان ذلك قبل حدوث المذبحة بساعات قليلة. كما طالبت منظمة الشبيبة الوزير “ستوره” و قيادات الحزب الحاكم والدولة بتنفيذ مبدأ المقاطعة بحق الكيان الصهيوني كما سبق وفعلت مع نظام التمييز العنصري في جنوب افريقية، والالتزام به.

استطاعت الشبيبة في مرات كثيرة إحراج الحكومة وقادة الحزب ووزراء الحزب في الحكومة، التي بدورها رفضت مبدأ المقاطعة بحجج فارغة ولأسباب تافهة. وهذا الكلام لا يعني ان الشبيبة وحدها من يعمل في حملة المقاطعة بالنرويج، فهناك حزب اليسار الاشتراكي النرويجي وهم رأس حربة حملة المقاطعة في النرويج، وهو شريك حزب العمل في الحكومة النرويجية الحالية. كما هناك الحزب الأحمر الشيوعي (رودت ) ونقابات العمال وعشرات المنظمات والمؤسسات النرويجية السياسية والحزبية والنقابية والثقافية والفنية والاجتماعية الأخرى التي تتبنى ذلك.

 

في 22 يوليو تموز، هذا اليوم الذي أتذكر فيه بعض الضحايا من الشبيبة، الذين عرفتهم من خلال العمل في حملة مقاطعة الكيان الصهيوني في أوسلو ومن خلال التنسيق مع شبيبة الحزب لأجل التضامن مع فلسطين في النرويج. تحضرني أرواحهم وأرواحهن محلقة في سماء رأسي ومتجولة في شوارع عقلي، ومطالبة شعب فلسطين بالضغط على أسوأ الفلسطينيين على الإطلاق في سلطة رام الله التوقف عن التطبيع مع الصهاينة ومقاطعتهم. فبينما فقد النرويجيون حيواتهم وحيواتهن لأجل مبادئهم التي اقتنعوا وأقتنعن بها، وساهموا في الحملة النرويجية لمقاطعة الكيان الصهيوني نجد أن إحدى الشركات الصهيونية تفتتح مكتبا دائما لها في رام الله بميدان الرئيس الراحل ياسر عرفات. وبهذا الصدد كتب اليوم الثلاثاء 23-7-2013 في صحيفة القدس العربي الإعلامي الفلسطيني، الصديق زهير اندراوس من الناصرة يقول : ” كُشف النقاب أمس الاثنين عن أن أكبر شركات الألبسة في الدولة العبرية، شبكة فوكس، افتتحت فرعًا جديدًا لها في مدينة رام الله المحتلة، وقالت صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’، التي أوردت النبأ إن توقيت افتتاح الفرع الإسرائيلي الجديد في الأراضي الفلسطينية لم يكُن صدفة، بل أنه تزامن مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عن موافقة الإسرائيليين والفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات. “.

نعم لا شيء في بلادنا يتم بالصدفة. وأنا شخصيا لا أؤمن بحصول الأشياء مصادفة خاصة في عالم السياسة. ربما يحصل أن يصبح أحدهم قائدا ومتحدثا ومفاوضا وجنرالا عن طريق الصدفة، وهذه الصدف أبرزت كثيرين من جنرالات وقادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وأبرزت أيضا وجاءت بالكثيرين من سياسيين وعسكريين وأمنيين ومفاوضين وأعضاء لجان تنفيذية ولجان مركزية ومكاتب سياسية. وتبقى سياسة قادة المصادفة من أهم أسباب إخفاق وفشل تجربة الثورة الفلسطينية من عمان وبيروت وصولا الى تونس وما بعد أوسلو ومشتقاتها. فهذه الصدفة ليست وليدة الصدفة ولا أنها جاءت من تلقاء نفسها بل هي سياسة استخدام واستغلال عوامل الصدف إن صح التعبير، لأنها تجيئ بالمخربين كي يحلوا مكان المناضلين وبالمنسقين الأمنيين ليحتلوا أمكنة الفدائيين وبالمفاوضين الفاشلين ليأخذوا مكان المقاومين الحقيقيين، وبالمطبعين المفضوحين والمكشوفين وبالتجار ورجال الأعمال الجشعين الذين يفضلوا ثرواتهم الشخصية على المصلحة الوطنية، فيمارسون التطبيع بتشجيع من رأس السلطة الذي لا يرى حرجا في ذلك. فهو شريك في عملية السلام بالرغم من أنها أهلكت الشعب وسلبت الأرض ودمرت القضية وضيّعت الحقوق وأنتجت احتلالا من نوع جديد لا يدفع أثمانا لاحتلاله. والسلام يتطلب التطبيع والتعايش بين الضحية والجلاد والقاتل والمقتول والظالم والمظلوم والاحتلال والقابعين تحت رحمته.

نكرر هنا ما قاله مواطن فلسطيني حر من رام الله معلقا على حدث افتتاح فرع الشركة الصهيونية في المدينة : ” إنه من سخريات القدر أن الاتحاد الأوروبي يُعلن عن مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة لعدم قانونيتها، وفي الوقت ذاته تقوم شركة إسرائيلية بفتح فرع لها في قلب السلطة الفلسطينية…”.

نعم اإنه من سخريات القدر أن العالم يتضامن مع شعب فلسطين وينشغل بمقاطعة الصهاينة وكيانهم ومستوطناتهم بينما زمرة فاسدة مفسدة في فلسطين المحتلة تمارس عملية التطبيع وتشجع عليه سواء بالسياحة والتجارة والرياضة …الخ.

إن مقاطعة كيان الصهاينة موضوع شديد الحساسية وحار جدا في أوروبا والعالم أجمع لكن حرارته فاترة في فلسطين المحتلة بعكس حرارته لدى لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني والمناصرين للقضية الفلسطينية في العالم. هؤلاء الذين استطاعوا خلال الأعوام الأخيرة تحقيق انجازات عظيمة في هذا الشأن تمثلت بقيام دول ومؤسسات وأحزاب وجمعيات وجامعات وبلديات ومحافظات أوروبية بفرض المقاطعة على الكيان الصهيوني ومؤسساته أو على مستوطناته وبضائع مستوطناته وجامعات الاستيطان في فلسطين المحتلة.

لا ضيّر هنا من التذكير بأن هناك سياسيين ومثقفين أوروبيين كبار دفعوا أثمانا باهظة لتبنيهم مبدأ المقاطعة ولكنهم لم يستسلموا وأستمروا وسعدوا بالانجازات التي تحققت بالرغم من أنهم يطمحون لما هو أكبر من ذلك. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك بسهولة ولدى الفلسطينيين وزراء وقادة في السلطة والمنظمة لا يؤمنون بمبدأ المقاطعة وهذا أيضا موقف رئيس السلطة في المقاطعة برام الله حيث سيجاور مكتبه هناك مكتب الشركة الصهيونية.

*مدير موقع الصفصاف

 

الأربعاء – 24 يوليو 2013