الأخبارالأرشيف

من باب السلسلة إلى الجنوب … يتموضع خطاب السيد نصر الله – عادل سمارة

من باب السلسلة إلى الجنوب … يتموضع خطاب السيد نصر الله  عادل سمارة 

 

قبل يومين فقط شهدت الأر ض المحتلة في القدس وغزة عمليات فردية مكثفة، إن جاز التعبير، قام بها شبان وحتى فتية ضد المحتل. وتكمن أهمية هذه العمليات الفردية في كونها روافع للسقف الذي هبط مع التسويات والتطبيع وحتى اصطفاف أنظمة عربية جديدة في الحرب على العروبة وخاصة على فلسطين. فما يجري في الخليج ليس إقامة علاقات دبلوماسية بين أنظمة تحتل شعبها وبين نظام استيطاني عابر ولو بعد عقود بل تخليق وعدوان من جبهة حربية ضد العروبة وفلسطين خاصة. هذا كي لا يستهين أحد بما يحصل.

تقول العمليات الفردية بأن الشعب الفلسطيني، الطبقات الشعبية من الشعب الفلسطيني لم ولن تتغير ولم ولن يخترقها فايروس “التفكير الجديد” الذي صنعه الراحل إدوارد سعيد والتهمته كثرة من المثقفين هم الطابور السادس الثقافي.

لذا، ما أن حصلت محاولة الفتية في باب السلسلة/في القدس طعن جنود العدو حتى رفع أهل الهزيمة والتطبيع عقيرتهم حزنا على فتية في عمر وجمال الورود. وبدل أن يكون التحليل والموقف والرد ضد العدو صار ذلك ضد النضال الطوعي العفوي المشروع بمطلق المعاني! فاي حقد ثأري على الوطن والوطنية! ومن أجل ماذا؟ من أجل تصفية للقضية في التذلُّل لمشروع “دولة مع المستوطنين قدامى وجدداً ومن سيأتون” علما بأن تصريحات وتقنينات العدو تقول بأن هذه الأرض لهم وحدهم ليكون اصحاب الأرض مجرد نزلاء في خيام مؤقتة لا فنادق. بمعنى آخر، هذه المواقف تجعل العابرين هم أصحاب الأرض ونحن الدخلاء.

لم يفهم ولن يفهم أهل استدخال الهزيمة/التفكير الجديد بأن هؤلاء الفتية تصرفوا بحكم المناخ والواقع أي أن الوطن لنا، الوطن نحن، وبأن عسف العدو لا يولد مواتاً سوى لدى الموتى الأحياء، وليس بدفع أهلهم لهم أو تنظيمات محددة. ذلك لأن الزاعقين صبوا جام غضبهم ضد التنظيمات وضد أهالي الشهداء! علماً بأن هؤلاء الزاعقين طالما هاجموا تراجع الدور الكفاحي للتنظيمات، ليدينوها حين يرتفع منسوب العمل النضالي. أما أهل الشهداء فليس شرطاً أن يسأل الشاب أبويه في نضاله. “حيرتني يا اقرع من وين ابوسك”!​​

في هذا الموقف، في هذه اللحظة يتموضع خطاب السيد الذي يؤكد المناخ الذي يولد هذه العمليات، اي رفع سقف النضال. رفعه في وجه التفكير الجديد/استدخال الهزيمة.

ارتكز حديث السيد على: شحن المناخ والردع واستدعاء العلاقة بين الشعب والمقاومة.

إن شحن المناخ هو العامل الأساس ارتكازا على الانتصار عام 2006، وهو في الوقت نفسه شرح لشارع العدو لحقائق قد لا يراها، اي بما هو أبعد من الحرب النفسية. إنه توظيف الحرب الفعلية/المقاومة في مشروع الحرب النفسية كي لا يكون القول مجرد حماسة أكاديمية أو تجريدات نظرية.
إن العلاقة بين فتية باب السلسلة وخطاب السيد هي علاقة لا يراها الفتية لا طائفية ولا دينية ولا إيديولوجية ولا نفطية ولا رسمية، بل هي تطور وتطوير نبت محلي قاعدي يضحي من أجل التحرير وبلا مواربة.

لذا، لا ترى الطبقات الشعبية في حديث السيد ما يحاول رؤيته أعداء المقاومة. أي لا ترى الطبقات الشعبية في خطاب السيد موقفاً لا عروبياً. وهذا أمر راجع له، وليس لنا. لكننا نرى في استدعاء الشعب متغير اساسي في خطاب السيد. وربما كانت تجربة المقاومة قد أكدت بأن المقاومة يجب أن لا تكون مجموعات مقاتلة وحسب. وهذا تراث يرتد إلى تاريخ المقاومة في كل بلد وإن كان التنظير له ل ماوتسي تونغ في حرب الشعب طويلة الأمد، والتي نرى أن التطوير لها بالتنمية بالحماية الشعبية وخاصة تحت الاحتلال الاستعماري الاستيطاني كما شرحته لنا تجربة انتفاضة 1987.

لذا، ليست مثلبة إن لم يركز السيد على العروبة، حيث له خطابه، ونحن لنا أن نقرأ آليات التحالف ونطورها.

استخدم إعلام الثورة المضادة حديث السيد عن “منع الحرب” باعتباره موقف وسطي ردعي وليس موقف المبادءة والهجوم. ووصل البعض من ذلك إلى أن تحرير فلسطين ليس على أجندة حزب الله .

وفي هذا السياق، ورغم حديث السيد المكثف عن قوة محور المقاومة، وقد يكون في هذا التكثيف هدف الرفع للمعنويات، فإن هذا المحور لم يصل بعد لحظة المبادءة، ولو وصلها لفعل.

وابتعاداً عن المبالغة، فإن الوصول إلى لحظة الردع هو التأسيس للنصر المكتمل، وإن بعد حين.فقد انتقلنا من الخضوع والهزيمة إلى لحظة الصد وصولا إلى لحظة الرد والمبادءة.

يشترط التحرير تحرير المجتمع داخلياً. تحريره من الاحتلال الذاتي سواء من أنظمة التبعية التي أصبحت انظمة تصطف في القتال ضد الأمة، وتحريره من قوى الدين السياسي التي غدت جيش أمريكا الثالث، وتحريره من مختلف تيارات التطبيع والتغربن والتخارج والمابعد حداثية والأنجزة…الخ إنه الكثير الكثير الذي يجب حسمه قبل أن يكون تحرير الأرض قيد التنفيذ.

لقد عاب كثيرون على عبد الناصر حين كان يقول ليست لدينا خطة لتحرير فلسطين، ولسنا جاهزين بعد.

هذا مع أنه كان يعمل بكل جد وجهد للوصول إلى لحظة المبادئة.

قد يسأل المرء نفسه أو غيره ولكن: ماذا بعد الردع ومنع الحرب فيما يخص مسألتين:

الأولى: تحرير الوطن العربي من الاحتلال الداخلي/الطبقي 

والثانية: تحرير الأرض المحتلة.

فالردع يعني سلام الخوف من قبل الطرفين. ولكن حالاً كهذا ليس مرشحاً للدوام.ذلك لأن الكيان يحتل فلسطين ناهيك عن أراض عربية أخرى تتناثر ما بين المحيط إلى الخليج.هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن استهداف الثورة المضادة للوطن العربي لم ولن يتوقف عند اغتصاب أرض فهو استهداف النهب والاستغلال الاقتصادي. لذا تستخدم انواعا متعددة من الأسلحة مثل التبادل اللامتكافىء، احتجاز التطور، تشريك البنى التحتية مع الكيان كي يكون قطعها عند الحرب ضاراً بقطاعات شعبية عربية، إضافة إلى الإبقاء على أنظمة التبعية وتوسيع نطاق الطابور السادس الثقافي وطعن تاريخ ورموز الأمة وأيضا، السباق باتجاه التحالف مع اية قوة عظمى تبزغ كما هي المحاولات مع روسيا والصين وحتى الهند.

لذا، فإن تحرير الوطن العربي نفسه هو جوهر المشروع العروبي وصولا إلى فك الارتباط والتنمية بالحماية الشعبية وحتى الاشتراكية. وهذا لا علاقة له بالردع مع العدو الخارجي إلا بقدر قيام هذا العدو باحتلال الرقعة العربية التي تنتصر فيها الثورة على الثورة المضادة أو حتى البقعة التي بها تنامٍ للثورة كما كان حال العراق وليبيا واليوم سوريا واليمن. وهذا يجترح المقاومة طبعاً.

نعود مجدداً إلى أطروحة حركة القوميين العرب والبعث وعبد الناصر بان تحرير فلسطين يبدأ من تحرير العواصم العربية، وهذا نقيض لأطروحة الشيوعية الكلاسيكية التي لم تكن مع تحرير فلسطين بل مع دولة واحدة للفلسطينيين مع الكيان ونقيض لأطروحة قوى الدين السياسي التي وصلت وضعية التموضع ضد الشعب العربي بأكمله.

وهذا يعني أن تحرير فلسطين ليس شعاراً يوميا بل هي معركة ممتدة وهي مشروطة بالضرورة والقطع أولا، وثانيا وايضاً بنهوض عروبي، وليس بدعم حليف كإيران أو صديق كروسيا مع عدم التقليل من الحليف والصديق.

أصل الآن إلى ما ختمت به كتابي “التطبيع يسري في دمك” بأن توازن الرعب بين الثورة العربية والثورة المضادة يحسمه وضع عربي وحدوي يفرض على حاضني الكيان الصهيوني موازنة مصالحهم التي ستكون مع العرب وليس مع الكيان ، ناهيك عن العُري المتواصل وإن التدريجي للكيان في الوعي الجمعي الشعبي في العالم.

قد يصح هذا التحليل وقد لا يصح، لكن ما هو صحيح حتى الآن هو الردع بهدف مؤقت هو منع الحرب.

قد يعترض امرىء بالقول بان خطاب السيد لم يتطرق للعرب والعروبة بل تحدث عن الشعب بقصد عدم التزامه بالعروبة وعدم تطرقه لتحرير فلسطين لأن المنع لا يعني التحرير!!!!وهنا لا أُقوِّل الرجل ما لم يقله، ولكن على المرء أن يجد لأخيه عذرا، فالسيد في بلد نصفه يرى الكيان الصهيوني مثله الأعلى وبالتالي التوجه للحرب ضده يعني تحريك نصف لبنان المتصهين ضد نصفه المقاوِم (مع الاعتذار للتقسيم التعسفي من حيث النسبة) . ولا ننسى أنه في السياسة لا يقال كل شيء 

وهنا أقول هذا شأن السيد وثقافته وتثقيف حزبه. وبهذا المعنى نحن حلفاء . وكلما اقترب حزب الله من العروبة كلما وصل الأمر أعلى من تحالف. وكلما كان خطابه إيرانيا، كلما ضعف مستوى التحالف، ولكن نبقى في جبهة واحدة.

تقوُّلي هذا اقصد به عدم التورط في ترويجات مثقفين/ات بل ابواق هم في مستوى عملاء على الأقل فكريا لإيران ، هذا من جهة ومن جهة أخرى تحليلات المادحين بالمطلق وخطابهم المتسابق على الانضواء. ذلك لأن مشروعي عروبي بوضوح. وحين يكون مشروعك عروبياً، أي لكل من هم في هذا الوطن تكون تحالفي التوجه لا تابع لأحد

 

 

kanaanonline.org

 

كنعان