الأرشيففلسطين

من ذاكرة السجن… ( العكروت)- بقلم الأسير المحرر منير منصور

من ذاكرة السجن…
( العكروت).
هناك في غرفة المعتقلين الأشبال في معتقل المسكوبية بالقدس،،،اندس بين الأشبال،،كان مظهره الخارجي يوحي بالصغر،،وملامح وجهه طفوليه،،كان هذا فقط مظهرا خارجيا مضللا،،كان تجاوز العشرين من عمره،،،من صغره كان فاشلا،،ترك مقاعد الدراسة مبكرا،،،صاع في ازقة وشوارع المدينه العتيقه المقدسه،،،اعتاد النشل والسرقه،،تودد لرجال العالم السفلي هناك،،لم يعمل بحياته قط،،استعمل المخدرات وباعها من قبل التجار هناك،،،لم يقوى والده عليه،،خرج عن طاعته مبكرا جدا ووجد نفسه في قاع المدينه،،،اندمج في هذه الحياة،،حياة الرذيله والفسق،،،هناك في الغرفه حاول استغلال الاشبال لاشباع رغباته اللعينه….لم ينجح بذلك،،،ليقظة الأشبال وفطنتهم في كشف سلوكه اللعين،،،تشاجر معهم وعلى الصراخ بالغرفه،،حضر السجانون للتو وأخرجوه من الغرفة الى مكان آخر،،،
في تلك الفترة تواجدت بسجن شطه،،،كان عددنا نحن الأسرى السياسيين لم يتجاوز ال خمسة عشر أسيرا،،معظمهم من ذوي الأحكام القليلة نسبيا،،وكان الوضع هشا،،،ليس سهلا ان تعيش في بحر من الجنائيين،،تختلف معهم وعنهم بكل شيء،،ولم يخلو الوضع من مناكفات هنا وهناك معهم،،بسبب سلوكيات البعض منهم،،والتي تناقضت مع مفاهيمنا ومعتقداتنا،،لكننا تدبرنا امرنا وحافظنا على أنفسنا،،وكيفما اتفق سيرنا أمورنا،،،حتى وصلتنا تلك الرسالة المشفرة من اخواننا بالمسكوبيه تتضمن ما قام به العكروت وضرورة العمل على معاقبته فيما لو جاء الى شطه،،كانت تلك الرسالة عباره عن تعميم لكل الاخوة بكل المعتقلات حول هذا العكروت،،،،لم يمضي وقت طويل حتى أخبرني الشباب بقدومه الى السجن،،حيث تمت رؤيته في الساحه.
كما ذكرت سابقا،،كان عددنا قليل،،والأخوة والرفاق جلهم من ذوي الاحكام البسيطه،،وكانت القاعده التي تحكم سلوكنا،،عدم توريط ذوي الأحكام الخفيفة بهذا النوع من الفعاليات،،لتفادي زياده في الحكم عليهم.
مع هذا كان لا بد من تنفيذ حكم الثورة بمن تمادى مع اشبالنا الى هذا الحد،،تداعينا لاكثر من اجتماع بهذا الخصوص،،،ومع مرور الوقت،،رتبنا أمرنا،،فقد كان احد اخوتنا المفوض بالعلاقه مع الجنائيين لحل الخلافات بيننا،،قد استطاع جلب عددا منهم لصفنا ،،واقترح الاستعانة بهم بهذا الأمر،،،فكرنا مليا وبالنهاية تمت الموافقة على الأقتراح،،،على ان يقوم اثنان منهم واحد اخوتنا الذي اصر على المشاركة تحت أي ظرف.
تم تحديد وترتيب كل التفاصيل،،،وكذا ساعة الصفر،،،حان موعد التنفيذ ،،،كنت متواجدا بغرفتي اثناء التنفيذ مع الاخوة الاخرين،،اللذين كانوا على استعداد للتدخل المباشر في حال حدوث أي أمر يفشل العمليه أو يعيقها،،،انقض الشباب على العكروت واشبعوه ضربا وطعنا،،،على الصراخ والضجيج من كل أركان الساحة،،واستنفر السجناء والسجانين،،،أشار علي الأخوة بالتظاهر بالمرض والجلوس بالفراش،،،وهكذا فعلت،،،وبينما انا على هذا النحو واذا بقوه كبيره من السجانين المدججين بالعصي وقنابل الغاز يقتحمون الغرفه ويسحبوني من على البرش،،أطاحوا بي أرضا وانهالوا علي بالعصي والركل،،،سال الدم من وجهي ورأسي،،،سحبوني الى الزنزانة واحد الرفاق الذي لم يكن على اطلاع بالموضوع،،،كان الألم شديدا،،بعد ساعات قليله حضر ممرض السجن وعصب رأسي،،،ووضع مرهما على الجروح في انحاء جسدي،،،كان هذا في آذار من العام ١٩٨٥،،،وبقيت في الزنزانة حتى قبل تبادل الأسرى بثلاثة ايام،،فتم نقلي الى سجن الرمله،،ومن هناك الى سجن عسقلان ومن ثم الى الحريه،،،هذا العكروت وجدنا له حلا ابداعيا،،،لكن ماذا عن باقي العكاريت،،وهم كثر ،،ولا زالوا يسرحون ويمرحون وبعضهم وصل الى مراتب عليا،،وصلت الى حد مصدر القرار الوطني.
مساء الخير يبوي.
بقلم الأسير المحرر منير منصور