وقفة عز

موسم الحج الى اوشفيتس

 نضال حمد

قبل عدة أعوام وبالذات اثناء حملة السور الواقي الصهيونية على أهلنا في فلسطين المحتلة، حيث دماء الفلسطينيين في الضفة والقطاع وفي هبة أكتوبر الفلسطينية التي عمت وشملت كل فلسطين المحتلة من النهر الى البحر لم تجف بعد، قامت بعض الشخصيات من فلسطينيي الخط الأخضر أو فلسطينيي ال48 أو الذين أجبروا بالقوة على أن يصبحوا مواطنين في الكيان الصهيوني، يعاملون وكأنهم من الدرجة العاشرة تحت الصفر …

 قامت مجموعة من هؤلاء بزيارة لمعسكر الابادة النازي في اوشفيتس داخل جمهورية بولندا. وكان يومها من ضمن حجاج اوشفيتس السيد توفيق خطيب عضو كنيست وآخرين.

 اذكر أنني كتبت في التاسع من شباط / فبراير 2003 مقالة بعنوان ” صبرا وشاتيلا وجنين.. أقرب من أوشفيتس بكثير ” ..  سوف ننشر نص المقالة آخر هذه الصفحة .

 السيد محمد بركة عضو الكنيست ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة يزور اوشفيتس ضمن وفد صهيوني من الكنيست لاحياء ذكرى الهولوكوست في بولندا.

 ونحن لا نتفق مع هذه الزيارة التي وإن كانت الغاية منها من طرف بركة فضح الكيان الصهيوني وتذكيره بجرائمه التي يرتكبها منذ 1948 بحق الشعب الفلسطيني وجيرانهم من البلدان العربية.

 سبق بركة كذلك في الذهاب الى اوشفتس خ .غ ممثل النهج الدحلاني في أوروبا وسفير سلطة رام الله في وارسو، ولهذا الشخص  علاقات حميمة مع السفيرين الصهيونيين السابق واللاحق، إذ سبق له أن حج برفقة أحدهما الى معسكر أوشفيتس وعبر عن ألمه وحزنه الشديدين لما رآه وسمعه. وفي نفس الوقت نسي أو تناسى أن له شعباً يُقتل ويُباد منذ النكبة الكبرى وحتى مذبحة غزة العام الماضي. لو أنه زار أوشفتس بدون السفير الصهيوني وعبر عن أسفه وحزنه على ضحايا النازية وكذلك ضحايا الفاشية اليهودية الصهيونية لكنا أول من أيد زيارته وزيارة بركة وكل فلسطيني يرغب بذلك. لكنه لم يجرأ على ادانة الصهاينة والحديث من قلب اوشفتس عن مذابحهم وجرائمهم ومجازرهم وعدوانيتهم ومعتقلاتهم المنتشرة على أرض فلسطين، حيث لا حقوق انسان ولا ما يحزنون.

يقول السيد بركة أنه قرر المشاركة في احياء ذكرى المحرقة (هولوكوست ) في معسكر أوشفيتس في بولندا مع أن الوفد الرسمي ” صهيوني ” يمثل الكنيست، واعتبر في تصريحات أطلقها عبر صحيفة معاريف الصهيونية أن “الشعور بالألم اليهودي ومع ضحايا المحرقة، هو أساس أخلاقي متين للمطالبة بالقضاء على الظلم”.  وبحسب ترجمة لتصريحاته قرأناها مترجمة بشكل مجتزأ في موقع الجزيرة نت يوم 23/01/2010 وبحسب الترجمة تلك فأن بركة دعا الشعب الفلسطيني (المذبوح يوميا والمخنوق في كل دقيقة بحصاره من قبل أحفاد بقايا أوشفيتس)، دعاه لأن ” يشعر ويتواصل مع الألم اليهودي ومع ذكرى الكارثة”، وشدد على رفضه محاولة الفلسطينيين مقارنة جرائم الاحتلال بالأعمال النازية لأن “النازية خلافا للصهيونية هي أيديولوجية وحشية ويجب رفض جرائمها”.

إذا كانت هذه التصريحات حقيقية ونشك في أن تكون كذلك فأن بركة يكون قد ارتكب غلطة العمر. أقول ذلك بحزن وأسى وأسف لأنه في هذه الحالة يمنع الغلط ولا يمكن تجميل وجه الحركة الصهيونية لأنها فاشية ودموية ووحشية واستعلائية واستئصالية واجتثاتية تماماً كما النازية. وتاريخها مليء بالمجازر التي لا تعد ولا تحصى منذ سنة 1948، تاريخ تحول حياة الفلسطينيين حيث أصبح كذلك بركة وعائلته غرباء في وطنهم.

لا يجب على أي فلسطيني أن يتنازل عن تشبيه الصهيونية بالنازية، وعليه دائما التفكير في كيفية ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة. تماماً كما فعل اليهود مع مجرمي الحرب النازييين.

لا شك أن النازية أيديولوجية وحشية وأن جرائمها لا تغتفر ولا يمكن نسيانها وأنها تسببت بمقتل أكثر من خمسين مليون انسان في الحرب العالمية الثانية، لكن لا يوجد رقم حقيقي ثابت لتعداد اليهود الذين قتلوا في تلك الحرب. أما ضحايا أوشفيتس فتعدادهم لم يتعدى المليون، في حين تصر الحركة الصهيونية التي تشبه كثيرا الحركة النازية على أن العدد 6 ملايين بالرغم من أنه لا دليل لديها يثبت العدد الحقيقي لضحايا أوشفيتس.

أنت حر يا رفيق محمد فيما تقول وفيما تفعل وهذا يعود لك لكن فكر بشعبك وقضيتك ونكبة أهل فلسطين قبل أن تقوم برحلة الحج الى أوشفيتس حيث يُحلل ذبح الفلسطيني ويُحرم الشك في مأساة اليهود. وفكر أيضاً بالجواب على السؤال التالي :

  ماذا ستجني من الزيارة في الوقت الحالي؟

خاصة انها تأتي بعد تقرير غولدستون الذي يطالب بملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، وبعد قيام دولا أوروبية عديدة بتغيير قوانينها بغية عدم ملاحقة المجرمين اليهود.. وبعد افتضاح أمر الصهاينة وجرائمهم في كل الدنيا، ورغم تراجع الأنظمة الحاكمة في أوروبا مثل ما شهدناه في بريطانيا الصغرى مؤخراً وقبلها في بلجيكا من تغيير للقوانين لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن الاحصائيات الأحدث تفيد بأن معظم الأوروبيين يعتقدون بأن الكيان الصهيوني يتاجر بالمحرقة لمصالح سياسية ومالية. وأكتفي بوضع رقم وحيد هنا يعبر عن نسبة 75% من البولنديين والاسبان لديهم هذا الاعتقاد وقد عبرعن ذلك بكل وضوح الكاردينال الكاثوليكي البولندي برونيك من خلال تصريحات أطلقها مؤخراً وأحدثت ضجة في الفاتيكان ولدى اللوبي اليهودي الصهيوني في أوروبا والعالم. فهل هؤلاء ضد السامية أم قادة الكيان الصهيوني تجار أوشفيتس والدماء اليهودية التي سفكتها النازية ؟؟!!

26/01/2010

——– 

صبرا وشاتيلا وجنين .. أقرب من أوشفيتس بكثير

التاريخ: 9/2/2003

بقلم: نضال حمد

منذ مجزرة مخيم جنين وحتى هذه الأيام التي تحمل لنا كل يوم ضحايا جدد يسقطون بالرصاص (الإسرائيلي) الحيّ والمميت في آن، لم يثر استغرابي وعجبي واستهجاني وأعصابي خبر ما مثلما أثاره خبر التنسيق الجاري على قدم وساق لتنظيم وفد عربي من اسرائيل” لزيارة  معسكر أوشفيتس“.

هذه محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية على “ورثة المذابح”، الذين يعتبرون “أوشفيتس” ميراثهم لا بل كنزهم الكبير الذي يحاربون به العالم كله، ويصعدون معه الجبال ويتسلقون القمم، في الدول وعند الأمم، بهذا القدر الكبير من الإرهاب الذي تعرض له اليهود في أوروبا، والإجرام الذي مورس عليهم وبحقهم من جانب النازية، التي طال إرهابها وأجرامها الأوروبيين من كافة الفئات والديانات أيضا، وليس اليهود فقط.

لا يمكن لأي كائن كان أن ينفي عذاب اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، وبنفس القدر لا يمكن لأي شخص كان أن يسلب الضحية موتها وعذابها ليتاجر به لحساب لا إنسانيته وتجاوزاته واحتلاله لأراضي اللآخرين بالقوة، وتحت يافطة تلك المذابح ومعسكراتها – من أوشفيتس إلى بوخنفولد وتريبلينكا. لأن ما يقوم به الاحتلال ” الإسرائيلي ” في فلسطين هو حملة ابادة منظمة تم خلالها محو عدة قرى فلسطينية من الوجود ومورس فيها التطهير العرقي والقتل الجماعي والإرهاب الأصولي، وحصل للفلسطينيين في بلادهم المحتلة ما حصل لليهود في معسكرات الموت الجماعي.

والغريب أن الذين يريدون الذهاب لزيارة أوشفيتس لغاية الآن حصروا الأمر في عذابات اليهود وكأنهم هم خارج اطار العذاب اليومي والتفرقة العنصرية اليومية، منذ قيام كيان ” إسرائيل” على أراضيهم وسلبهم هويتهم ومواطنتهم وكينونتهم، ومحاولة تهويدهم أو إلغائهم عبر اعتبارهم زوائد في المجتمع، لا يصلحون سوى للعمل في تأسيس البنية التحتية للدولة اليهودية.

المطلوب من القائمين على تلك الفكرة من العرب الفلسطينيين، الذين كتب عليهم أن يبقوا متمسكين بأرضهم وبالتالي تابعين للكيان الجديد والدولة الوليدة بغير ارادتهم وبدون استشارتهم، أن يضعوا أيضا أمامهم التاريخ الفلسطيني وكافة الأعمال التي قامت بها الحركة الصهيونية ومجموعاتها المسلحة بحق الشعب الفلسطيني، منذ السيطرة على فلسطين الطبيعية وحتى إعادة احتلال الضفة والقطاع في اطار اجتياح “السور الواقي” الاجرامي، ولغاية هذه الأيام، حيث تستمر بلا توقف أعمال الأجرام والإرهاب التي يمارسها الاحتلال “الإسرائيلي” في فلسطين.

هل من معنى للسفر إلى اوشفيتس لمعرفة حقيقة المذبحة ما دام “ورثة المذبحة” يواصلون مذابحهم بحق الفلسطينيين؟

ألم يكن من الأفضل دعوة ” الإسرائيليين ” للقيام بزيارة المواقع الفلسطينية الممسوحة والقبور الجماعية الباقية في القرى والمدن والبلدات التي طرد منها أهلها ليصبحوا لاجئين داخل وخارج بلدهم؟ ولويارة المخيمات التي لا زالت شاهدا على عصر المذبحة الرهيبة التي تتواصل بحق الشعب الفلسطيني ويقوم ببطولتها أبناء النظام العنصري ” الاحتلالي الصهيوني؟“.

لو كنت مواطنا عربيا فيما يسمى ” اسرائيل “، التي لا تعترف بمواطنتي، لكنت دعوت من يدَّعون أنهم مع الحق والسلام والمساواة والحوار والعيش المشترك والجوار الحسن، لزيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وبالتحديد – مخيم جنين، حيث وقعت الهزة الأرضية بفعل زلزال الدبابات والطائرات والمدافع “الإسرائيلية”، ونتيجة القنابل والصواريخ والبلدوزارات القاتلة، ولكنت دعوتهم ايضاً لزيارة ضريح شهداء مذبحة قانا في جنوب لبنان، ومجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت

هذه الزيارة المتوقعة والتي يعتزم البعض من فلسطينيي الـ 48 القيام بها برفقة بعض يهود صهاينة لموقع أوشفتس، الذي سبق لي شخصيا أن زرته أثناء دراستي الجامعية في بولندا (كما قمت بزيارة موقع تريبلينكا أيضا في بولندا)، تعتبر بادرة جديدة لكن ناقصة، لأن المشكلة ليست في الزيارة الفردية أو التضامن مع الضحايا الذين تمت إبادتهم على أيدي النازيين، لكن المشكلة الحقيقية موجودة في ثنايا المجتمع “الإسرائيلي” الذي احتكر ولا زال يحتكر دور الضحية منذ أوشفيتس وحتى يومنا هذا، كما أنها تكمن في خياراته وتوجهاته التي حددها في الانتخابات الأخيرة، حيث وضحت وبانت وعرفت بما لا يدع مجالا للشك.

لقد اختار ما يسمى الشعب “الإسرائيلي”، الذي أقام كيانه و دولته بفضل آلام وعذاب وعظام ضحايا أوشفيتس وغيره من المعسكرات والأماكن التي ارتبطت بذبح اليهود معسكر الحرب. وتلقى المساعدات وبقي يتلقى ولازال يتلقى العطاءات والهبات والتعويضات عن الضحايا اليهود، الذين قتلوا في عهد النازية، على أساس أنه الوريث الشرعي الوحيد لجميع الضحايا اليهود في العالم قبل وبعد ولادة “اسرائيل“.

أما العالم الذي أقام تلك الدولة فلا زال يواصل التعامل معها على هذا الأساس، مع أنها لم تكن موجودة ولا قائمة لا على أرض الواقع ولا حتى في الخيال. لكن لهذه اللعبة الدولية المنافقة أسبابها ومسبباتها، أما نحن الفلسطينيين أصحاب الحقوق المسلوبة والضائعة، فعلينا تذكر تلك الأسباب والمسببات جيداً، لأنها ساهمت ولا تزال تساهم في نكبتنا ومأساتنا، ومحنتنا منذ اقتلاعنا من أرضنا وحتى إعادة احتلال ما أعيد لنا من تلك الأرض بفعل سلام أوسلو المنتوف الشعر والمكشوف. هذه الأسباب والمسببات هي التي جعلت من دولة إسرائيل الأحتلالية والتي لم تكن موجودة أيام أوشفتس وغيره وكأنها الوريث الشرعي لمأساة اليهود في العالم، مع أن بعض الكتب والدراسات التي تحدثت عن المحرقة أو الهولوكوست، تتضمن دلائل على ارتباط قيادات صهيونية ومنها على وجه الخصوص رئيس الوزراء السابق اسحق شامير (مطلوب للأنتربول الدولي كمجرم حرب بتهمة قتل المبعوث الدولي السويدي، الأمير الكونت برنادوت سنة 1947) بعقد تفاهم مع النازيين. (جاء في الصفحة 75 من كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” للمفكر الفرنسي روجيه غارودي، أن اسحق شامير ارتكب في عام 1941 جريمة لا تغتفر من الناحية الأخلاقية، هي تحبيذ التحالف مع هتلر، مع ألمانيا النازية، ضد بريطانيا. نقلا عن بار زوهار – بن غوريون. النبي المسلح، باريس 1966، ص 99). ومع هذا استطاع شامير أن يصبح بطلا قوميا ” إسرائيليا ” وشخصية يهودية هامة ورئيسا لوزراء دولة ” إسرائيل“..

ان تمجيد الذين قاموا بأعمال فظيعة بحق الآخرين يعتبر عملا شاذا ومشاركة في تلك الأعمال، لذا على الذين شاركوا في جعل شامير وغيره من المجرمين أبطالا وشخصيات وطنية قيادية أن ينبشوا في صفحات التاريخ جيدا، للبحث عن الحقيقة المخفية وقراءة المحرقة بعيدا عن القراءات السابقة وبشكل علمي لاعاطفي. لأن اليهود كانوا فعلا ضحايا السياسة النازية والعنصرية في أوروبا لكنهم أصبحوا عبر ” إسرائيل” الوريث الشرعي ليس للضحية فقط بل للقاتل أيضا لأنهم يقومون بتجديد أساليبه الإجرامية في فلسطين ويمارسونها على الفلسطينيين.

أما الطرح العربي الجديد والذي أرى أنه لم يأتِ في موعده ولا في زمانه ومكانه، فيمكن أن يصبح جيداً إذا عرف متى وأين وكيف يطرح نفسه، أما الآن فهو ناقص، وإذا كان لابد من بداية على هذا الطريق، فعليه أن يبدأ طريقه وخطواته الأولى من المنطقة الأقرب والذاكرة الطريّة، الحاضرة الآن بقوة في الحاضر الملتهب والواقع المشتعل، وحيث لازالت الدماء سائلة وحارة ولم تجف لغاية الآن.

 

ما عدا ذلك يعتبر مضيعة للوقت ومجرد طرح أو كلام لن يجلب لا مساواة ولا سلاما ولا ما يحزنون!